الفلسفة المادية العلميةو الفلسفة المثالية وتأثيرهما على مواقفنا الإجتماعية و السياسية
لست بوارد أن أتحدث عن مفاهيم فلسفية صرفة لأثبت أن المادة تسبق الفكر أو العكس، لكنّي سأستعمل هذه المفاهيم لأوضّح أن الفلسفة تدخل في صلب حياتنا اليومية، من حيث ندري أو لا ندري، و يتجلّى ذلك من خلال مواقفنا السياسية و أرائنا في قضايا يومية نعتبرها "روتينية" و لا تخضع لأي بنية فكرية لديها طابع فلسفي و أيديولوجي واضح.
الفلسفة المادية
من المعروف بأن الفلسفة المادية، بمعناها العلمي و ليس بمعناها السطحي الميكانيكي، تعتمد على المنهجية العلمية لتفسير الظواهر، إن كان في الطبيعة أو في المجتمع البشري، بناءاً على ذلك، إنها تعترف بوجود حقيقة مطلقة، و المطلق هنا لا يعني الأبدي المتجرد عن الواقع و السابح في فضاء صافي لا يعترف بوجود عالم خارجي منفصل عنه، بل أعني بالمطلق أي الواقع الموضوعي.
عندما نتحدث عن واقع موضوعي، هذا يعني واقع منفصل بكينونته عن إدراكاتنا الحسية، فالحقيقة المطلقة هنا تعني التطابق التام مع الواقع بذاته.
طبعاً هذه الحقيقة المطلقة، هي مطلقة في ظروف مادية تحيطها، و عندما تتغير هذه الظروف ستتغير هذه الحقيقة، فمن أحشاء المطلق يخرج النسبي، و هذا ما كان يقصده لينين عندما قال : "النسبي يكمن في المطلق" و هذه الجدلية تُطَبق في كافة العلوم الطبيعية و في كافة المجتمعات البشرية، إنها جزء من ديالكتيك الطبيعة و صيرورتها.
الفلسفة المثالية
الفلسفة المثالية لا تعترف بوجود حقيقة مطلقة منفصلة عن الذات، إنها تعتبر أن تأثير إدراكاتنا الحسية على الخارج هو أمر حتمي، فإذاً لا يمكننا إدراك ما يُسمى بالواقع الموضوعي، لأنه غير موجود أصلاً، و إذا وُجِد فهو موجود في ذهننا و لا يمكن أن ينفصل عنه، فتنتفي بذلك موضوعية الواقع و ندخل في تناقضات الأفكار المجردة و علمية واقعنا اليومي و تصبح مفاهيم الصح و الخطأ ملتوية و غير واضحة، إلا إذا أتت كتشاريع وضعتها قوى مجردة، خارجة عن الطبيعة.
ماذا يعني كل هذا ؟ و ما علاقته في حياتنا اليومية و مواقفنا السياسية ؟
في المثالية
عندما نجعل من مفاهيم مثل الوطن و الحرية و الديمقراطية، عبارة عن أفكار مجردة عن الواقع الموضوعي، ندخل في متاهة تقديس هذه الشعارات و تأليهها، فيصبح الوطن خارج النقد، كالله، متربّع على عرشه، مترسّخ في وعينا، مترّفع عن الواقع، يخلق حالة إنفصامية أبعد ما تكون عن المنهجية العلمية.
تصبح معايير الصح و الخطأ غير محددة، و لا يمكن تحديدها أصلاً، إلا بتشاريع وضعها الوعي المطلق، إذا وُجد، و هذا يجعل من معايير الإستغلال و الظلم و القمع معايير نسبية لأنها مرتبطة بأذهاننا و طريقة تفكيرنا، ولا يوجد معيار موضوعي لها و يصبح وجودها أمر طبيعي فهذه هي طبيعة الإنسان!
تماماً كما يجب أن نتعايش مع النظام الطائفي في لبنان مثلاً، لأن لبنان كوطن يتحدد بحدود كرّسها الإستعمار، لا يمكن أن يكون نظامه مختلفاً، و نحن نقدّس الوطن، فلنقدّس النظام إذاً و رموزه، و إذا لم نقدّس النظام فلنعبر عن فاشيتنا بوجه كل "غريب" ولا سيما الفلسطيني و سلاحه الثوري، فالوطن هو الله و الله هو الوطن و لهم الأولوية.
في المادية
"الحرية" هي فكرة أنتجتها الضرورة التاريخية عندما بدأ الإنسان يتعرض للإستغلال عند نشوء المجتمعات الطبقية و "الليبرالية" هي أيضاً فكرة رسختها البرجوازية في أوروبا عندما كانت طبقة ثورية تريد تحطيم العلاقات الإنتاجية الإقطاعية، "القمع" أيضاً فكرة أنتجتها الأنظمة لتأبيد سيطرتها الطبقية.
الواقع هو الذي ينتج الأفكار، التي يمكن بدورها أن تكون حقائق مطلقة في ظروف معينة و من ثم تتغير بتغير التاريخ و حركته.
فحرية رؤوس الأموال في عصر الثورة الصناعية في أوروبا كان أمراً تقدمياً أنذاك، لكن في ظروفنا التاريخية الحالية أصبح مفهوم حرية رأس المال أمراً يجب إستئصاله من بعد أن دخل النظام الرأسمالي في طور أزمته تماماً كالليبرالية.
على صعيد أخر، لبنان لن ينعم بالإستقرار بوجود كيان صهيوني إلى جانبه، فهذا الكيان زُرِع في المنطقة من قِبَل الإستعمار ليُقسّم، هذه هي حقيقة مطلقة ضمن الظروف التاريخية التي ترافقت مع نشوء هذا الكيان و ما زالت حتى يومنا هذا. فالإلتحام بالقضية الفلسطينية هو الأولوية و ليست الحدود و المفاهيم اللزجة .. الأمر لا يحتمل المناقشة و تعدد وجهات النظر إنها حقائق موضوعية !
معايير الصح و الخطأ تتحدد من خلال قراءة علمية و منهجية للواقع و من خلال رؤية لعالم عادل ضمن ظروف إنسانية يجب إنتزاعها و فرضها بالقوة.
قمع المسحوقين و المهمشين لن يزول إلا بقمع الإستغلاليين و المائعين، هذه هي جدلية الواقع التي لا و لن نقدر أن نفهمه إلا من خلال أداة نظرية تعانقه لتثور عليه و على علاقاته الإنتاجية الإستغلالية.
بين الواقع بعلميتهِ و تعقيده و بين الظاهر بسطحيته و تشويهه، تأتي الفلسفة المثالية لتكرّس الظاهر بسذاجته و فاشيته و لتصب في مصلحة المسيطر و مفاهيمه المائعة و الملتوية.
لست بوارد أن أتحدث عن مفاهيم فلسفية صرفة لأثبت أن المادة تسبق الفكر أو العكس، لكنّي سأستعمل هذه المفاهيم لأوضّح أن الفلسفة تدخل في صلب حياتنا اليومية، من حيث ندري أو لا ندري، و يتجلّى ذلك من خلال مواقفنا السياسية و أرائنا في قضايا يومية نعتبرها "روتينية" و لا تخضع لأي بنية فكرية لديها طابع فلسفي و أيديولوجي واضح.
الفلسفة المادية
من المعروف بأن الفلسفة المادية، بمعناها العلمي و ليس بمعناها السطحي الميكانيكي، تعتمد على المنهجية العلمية لتفسير الظواهر، إن كان في الطبيعة أو في المجتمع البشري، بناءاً على ذلك، إنها تعترف بوجود حقيقة مطلقة، و المطلق هنا لا يعني الأبدي المتجرد عن الواقع و السابح في فضاء صافي لا يعترف بوجود عالم خارجي منفصل عنه، بل أعني بالمطلق أي الواقع الموضوعي.
عندما نتحدث عن واقع موضوعي، هذا يعني واقع منفصل بكينونته عن إدراكاتنا الحسية، فالحقيقة المطلقة هنا تعني التطابق التام مع الواقع بذاته.
طبعاً هذه الحقيقة المطلقة، هي مطلقة في ظروف مادية تحيطها، و عندما تتغير هذه الظروف ستتغير هذه الحقيقة، فمن أحشاء المطلق يخرج النسبي، و هذا ما كان يقصده لينين عندما قال : "النسبي يكمن في المطلق" و هذه الجدلية تُطَبق في كافة العلوم الطبيعية و في كافة المجتمعات البشرية، إنها جزء من ديالكتيك الطبيعة و صيرورتها.
الفلسفة المثالية
الفلسفة المثالية لا تعترف بوجود حقيقة مطلقة منفصلة عن الذات، إنها تعتبر أن تأثير إدراكاتنا الحسية على الخارج هو أمر حتمي، فإذاً لا يمكننا إدراك ما يُسمى بالواقع الموضوعي، لأنه غير موجود أصلاً، و إذا وُجِد فهو موجود في ذهننا و لا يمكن أن ينفصل عنه، فتنتفي بذلك موضوعية الواقع و ندخل في تناقضات الأفكار المجردة و علمية واقعنا اليومي و تصبح مفاهيم الصح و الخطأ ملتوية و غير واضحة، إلا إذا أتت كتشاريع وضعتها قوى مجردة، خارجة عن الطبيعة.
ماذا يعني كل هذا ؟ و ما علاقته في حياتنا اليومية و مواقفنا السياسية ؟
في المثالية
عندما نجعل من مفاهيم مثل الوطن و الحرية و الديمقراطية، عبارة عن أفكار مجردة عن الواقع الموضوعي، ندخل في متاهة تقديس هذه الشعارات و تأليهها، فيصبح الوطن خارج النقد، كالله، متربّع على عرشه، مترسّخ في وعينا، مترّفع عن الواقع، يخلق حالة إنفصامية أبعد ما تكون عن المنهجية العلمية.
تصبح معايير الصح و الخطأ غير محددة، و لا يمكن تحديدها أصلاً، إلا بتشاريع وضعها الوعي المطلق، إذا وُجد، و هذا يجعل من معايير الإستغلال و الظلم و القمع معايير نسبية لأنها مرتبطة بأذهاننا و طريقة تفكيرنا، ولا يوجد معيار موضوعي لها و يصبح وجودها أمر طبيعي فهذه هي طبيعة الإنسان!
تماماً كما يجب أن نتعايش مع النظام الطائفي في لبنان مثلاً، لأن لبنان كوطن يتحدد بحدود كرّسها الإستعمار، لا يمكن أن يكون نظامه مختلفاً، و نحن نقدّس الوطن، فلنقدّس النظام إذاً و رموزه، و إذا لم نقدّس النظام فلنعبر عن فاشيتنا بوجه كل "غريب" ولا سيما الفلسطيني و سلاحه الثوري، فالوطن هو الله و الله هو الوطن و لهم الأولوية.
في المادية
"الحرية" هي فكرة أنتجتها الضرورة التاريخية عندما بدأ الإنسان يتعرض للإستغلال عند نشوء المجتمعات الطبقية و "الليبرالية" هي أيضاً فكرة رسختها البرجوازية في أوروبا عندما كانت طبقة ثورية تريد تحطيم العلاقات الإنتاجية الإقطاعية، "القمع" أيضاً فكرة أنتجتها الأنظمة لتأبيد سيطرتها الطبقية.
الواقع هو الذي ينتج الأفكار، التي يمكن بدورها أن تكون حقائق مطلقة في ظروف معينة و من ثم تتغير بتغير التاريخ و حركته.
فحرية رؤوس الأموال في عصر الثورة الصناعية في أوروبا كان أمراً تقدمياً أنذاك، لكن في ظروفنا التاريخية الحالية أصبح مفهوم حرية رأس المال أمراً يجب إستئصاله من بعد أن دخل النظام الرأسمالي في طور أزمته تماماً كالليبرالية.
على صعيد أخر، لبنان لن ينعم بالإستقرار بوجود كيان صهيوني إلى جانبه، فهذا الكيان زُرِع في المنطقة من قِبَل الإستعمار ليُقسّم، هذه هي حقيقة مطلقة ضمن الظروف التاريخية التي ترافقت مع نشوء هذا الكيان و ما زالت حتى يومنا هذا. فالإلتحام بالقضية الفلسطينية هو الأولوية و ليست الحدود و المفاهيم اللزجة .. الأمر لا يحتمل المناقشة و تعدد وجهات النظر إنها حقائق موضوعية !
معايير الصح و الخطأ تتحدد من خلال قراءة علمية و منهجية للواقع و من خلال رؤية لعالم عادل ضمن ظروف إنسانية يجب إنتزاعها و فرضها بالقوة.
قمع المسحوقين و المهمشين لن يزول إلا بقمع الإستغلاليين و المائعين، هذه هي جدلية الواقع التي لا و لن نقدر أن نفهمه إلا من خلال أداة نظرية تعانقه لتثور عليه و على علاقاته الإنتاجية الإستغلالية.
بين الواقع بعلميتهِ و تعقيده و بين الظاهر بسطحيته و تشويهه، تأتي الفلسفة المثالية لتكرّس الظاهر بسذاجته و فاشيته و لتصب في مصلحة المسيطر و مفاهيمه المائعة و الملتوية.