انجز فريق الرواد للمشي والرحالة مسيره رقم 237 وكان بين بلدة النبك نحو دير مارموسى بتاريخ 5 تشرين الثاني 2010
اصبح مسير دير مارموسى من المسيرات التقليدية لفريق الرواد كونه من المسيرات المميزة
واصبح شبه سنوي بخطتنا
المشي تقريبا 17 كم تزيد وتنقص قليلا والزمن الذي نستغرقه حوالي 3 ساعات مشي عدا الاستراحات
وعادة يكون فطورنا بجوار مدينة النبك وغدائنا بجوار الدير
وهنا ورغم الزيارات الكثيرة للدير نعلن اننا كل مرة نجد شيئا جديد ان كان على صعيد العمار او الاشياء او حتى الاشخاص
الدير بتجدد مستمر وتطور مضطرد
انطلقنا من النبك بعد تدريبات رياضية وتمارين لياقة باشراف الخبير الدكتور سمير يونس
وهدفها تهيئة الجسم للمشي وتلافيا لاي اصابة او تعضيل
وخلال وجبة الفطور لمحنا احد انواع الطيور الحرة وقد قام الاصدقاء بالتقاط صور مميزة له (على الاغلب هو باشق)
ونثني هنا كفريق على كرم المعاملة الذي نلاقيه من القائمين على الدير ودماثة الخلق وهذا السلوك عام ومع كل الزوار دون تمييز
عد
دير مار موسى الحبشي من أبرز الاماكن والاديرة المسيحية الموجودة على
الاراضي السورية وبالتحديد في منطقة جبل القلمون أو الجبل المدخن .
كما
يعد أيضاً من ابرز المراكز السريانية قد تأسس في بداية القرن التاسع عشر
حيث قد تضاءل عدد الرهبان فيه واخذ يتضاءل دوره مع مرور الايام وعلى أغلب
الظن إنطفئت منه الحياة الرهبانية. لم نجد الوثائق الكافية التى تحدثنا عن
الدير بوجهٍ شامل ولكننا نجد بعض مراجع سريانية وعربية تأتي على ذكر الدير
وتخبرنا عن المسيرة الرهبانية فيه .
يُروى أن اميراً حبشياً ترك
بلاط الملك ليعيش الحياة الرهبانية ، فجاء إلى مصر أولاً وتدرب على حياة
النسك ثم رحل إلى فلسطين ومنها إلى سوريا وسكن في بادئ الامر في دير ما
يعقوب المقطع في بلدة قارة التابعة لمحافظة النبك .
لمحة تاريخية وجغرافية :
يقع دير مار موسي في الجبل المدخن أو الجبل المقلوب على بُعد 30كم من
مدينة النبك التي تبعد عن دمشق العاصمة 90كم ، شيد الدير في القرن السادس
ثم تم تجديده في عام 1556م وصار كرسياً اسقفياً وكان من بين صفوف رهبانة
بطريركان نذكر منهم البطريرك يعقوب الاول المعروف بابن المذوق ومن مواليد الاحمدية كان قد ترهب في دير مار موسى ونصب بطريركاً سنة 1512م ،
كما
جلس على كرسي هذا الدير اساقفة شهدَ لهم بالفضيلة والحياة التقوية عملوا
جاهدين على تنظيم ادراة وشؤون الدير ، كان اخر الاساقفة هو ايوانس الياس
الموصللي 1797-1832م قدم من دير مار متى الشيخ في مدينة الموصل –العراق .
مقياس
البلاد الحضارية ينبع من ماتركته الشعوب من معالم اثرية ومن ابرز هذه
المعالم هو دير مار موسى الحبشي الذي يعتبر مقياس اساسي يعبر عن حضارة
السريان وكنوزها وابداعتها ، فكان الدير في بدء الامر وحسب افتراض البعض
عبارة عن قلعة رومانية صغيرة بها برج صغير وسور يقع غرب الدير وهما من
الطراز الروماني ، مع وجود بعض الاحجار الكبيرة جداً والتي توحي بأن العمل
هناك كان ضخماً توفرت فيه امكانيات بشرية ومادية .من جهة أخرى لايمكننا أن
نقر بوجود دير في ذلك المكان باسم مار موسى وانما المؤكد بأنه كان ديراً
سريانياً وهذا الافتراض مستنداً على مخطوطة مخفوظة في المتحف البريطاني تحت
رقم 14559 دون فيها تاريخ الدير سنة575م بالاضافة إلى قطعة نقود معدنية
وجدت في مغارة قريبة من الدير أثناء اعمال الترميم والتجديد والقطعة هى
بقيمة فلس مصكوكة في نيقوميدية في السنة الخامسة من حكم الامبراطور جوستن
الذي حكم البلاد من العام 565-578م .
كان
دير مار موسى منذ ان تأسس تابع للكنيسة السريانية الارثوذكسية وكان آهلاً
بالنساك والمتعبدين وعامراً بالرهبان وأشهر النساخ والخطاطين .
يقصد
دير ما موسى المؤمنون كي يتنسمون نسمات التقوى والفضلية كما يقصدة
الفنانون وعشاف الجدرنيات لما فيه من كنوز جدارنية ونقوش فنية رائعة الجمال تتزين بها حوائط الدير .
يبدو
لنا من خلال البحث والدراسة أن دير مار موسى كان الرهبان فيه في مسيرة
حياتهم الروحية والديرية ينتهجون نظام اللافرا الذي كان الرهبان في أديرة
فلسطين . ولافرا كلمة يونانية تعني الطريق الصغير لكنه أتخذ مع الرهبان
معنى الدير المؤلف من كنيسة ومكان اجتماع ومائدة تحيط بها منتشرة على مسافة
واسعة قلالي الرهبان التي تربطها بالكنيسة شبكة طرقات صغيرة .
هناك
كان الرهبان يعيشون حياة النسك الكامل حيث ، في بادئ الامر ، يُعطى النساك
غرفةً مستقلةً في قلب الدير لفترةٍ من الزمن ومن بعدها ، يأخذ قلايةً
منفرةً يعيش فيها حياة النسك ، وفي أيام الآحاد والاعياد يجتمع الرهبان
للصلاة وتقدمة القرابين .
كان
دير مار موسى ذا مكانةً عالية في منطقة القلمون( محافظة النبك سوريا)
نظراً لصلته بأديرة القدس ونجد إثباتاً على ذلك ما قد عُثر عليه من مخطوطات
ونصوص في القرن الثالث عشر والرابع عشر تؤكد لنا أهمية الدير وموقعة
بالنسبة لكنيسة السريان الارثودكس ، قبل أن ينتقل إلى ملكية الكنيسة السريانية الكاثوليكية في العام 1832م ، حينما أعلن الاسقف غريغوريوس متى إنضمامه إلى الكنيسة الكاثوليكية .
يُظهر
لنا التاريخ بأن دير موسى الحبشي قد تعرض إلى السلب والنهب من لصوص قدموا
خصيصاً لسرقته وخرابه فشوه فيه جمال الصور والجداريات حتى أن الحياة
الرهبانية إنطفئت فيه .
ويذكر ايضا البطريرك مار افرام الاول
برصوم أن دير مار موسى كان أهلاً بالسكان النساك حتى سنة 1832م ، إلا أن
الحياة الرهبانية خمدت فيه نتيجة ظروفٍ سياسيةٍ .
لدير مار موسى
الحبشي كنيسة جميلة يعلو بابها صلبانٌا دوارنية منقوشة ومن هذا الباب نصل
إلى رواق الكنيسة الجنوبي ، فالبناء يحتوي على ثلاثة اروقة تمتد من الغرب
إلى الشرق ، ويرتفع الرواق الاوسط منتيهاً شرقاً بمحراب كبير تتوجه نصف قبة
تهلوها نافذة كبيرة ، كما الربع الشرقي من الرواق الاوسط حاجز من الخشب
والحجر يرتفع عن مستوى أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات ،يفصل قدس الاقداس أو
الهيكل عن صحن الكنيسة .
يعود بناء الكنيسة إلى منتصف
القرن الحادي عشر كما تثبت ذلك بعض النقوش الموجودة على الجدران ويعود نقش
الصلبان على الاعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه وتمثل غاليبيتها صليب النور
. زينت جدران الكنيسة صور من نمط الفريسكو ، رُسمت فوق بعضها البعض في
ثلاث طبقات ، وهناك كتابة تبين لنا تاريخ الرسم ، تعود إلى السنة 1058-1095م وتقول الكتابة " خلص المصور يوم الاحد في رأس تموز سنة 488م .
تبهرك
الرسومات والجداريات التي تقف أمامها مندهشاً ، ولكن بكل أسف طمثت هذه
الاعمال برسومات اخرى فوق منها مما جعل البعض منها مشوهاً والبعض الاخر
واضحاً على سبيل المثال نجد صورة شخصٍ شعره طويل يصارع اسداً وعلى أغلب
الظن هو شمشمون الجبار .
كما نجد على الجدار الشمال من حاجز الهيكل
من الخارج جهة صحن الكنيسة أشكالاً هندسية مع مربعات بيضاء اللون وربما
تمثل هذه الصورة خيمة العهد وحجاب قدس الاقداس . وهناك صورة أخرى قد تمثل
ايليا النبي صاعداً إلى السماء بمركبةٍ ناريه وبيمينه يُعطي رداءه إلى
تلميذه اليشاع النبي .
أما
الطبقة الثانية من الرسومات فيعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر وابرز ما
ظهر منها هو مشهد معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى جانبه نجد صور
سمعان العامودي .تتميز رسومات الطبقة الثانية برهافة الحس الفني الروحاني
وبالاسلوب المتبع فيعكس تأثير تطور الفن البيزنطي في المنطقة .
الطبقة الثالثة من الرسومات يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر فقد نجد في
بادئ الامر كتابةً باللغة العربية تم كتابتها في العام 1504 يوناني أي سنة 1216م ، يقول نصها : عمر سركيس أبن القس ، رحمه الله الموضع المبارك آمين .
تتميز الطبقة الثالثة من الرسومات بالطابع السرياني الاصيل وبالكتابات السريانية وبالبساطة في الالوان ايضاً .
أذاً
، تزين حوائط كنيسة مار موسى الحبشي صورٌ وجداريات ذات المعنى اللاهوتي
الواضح منها مثلاً صورة الشارة التي يظهر فيها شروق الشمس المشير على أن
المسيح ، شمس البر . كما نجد رسماً للرب يسوع المسيح الضابط الكل ، وصور
الرسل منهم بطرس وبولس وصورة الانجيليين الاربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا
.
أما قدس الاقداس فيؤلف مضماراً تصورياً شبه مستقل ، على حاجز
الهيكل من الخارج نجد رسم العذارى عشر أما الصورة التي أمامنا الان نرى
فيها السيدة العذراء مريم وافقةً ويداها مرفوعتان وولدها الالهى قائم في
أحشائها .
من
اللواحات البارزة أيضاً في دير مار موسى لوحة الدينونة حيث نرى المسيح
الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة ، كما يظهر في اللوحة
المسيح وهو يسلم بطرس المسيح وعن يساره بولس الرسول ،ويظهر في الصورة مذبح
عليه صليب في وسطه إكليل شوك .
ظل دير مار موسى الحبشي مزدهرا منذ
تأسيسه حتى القرن الثامن عشر والدليل على ذلك بعض المخطوطات والوثائق
والجداريات التي وجدت في الدير في تلك الفترة.كما أننا نجد أيقونات تحمل
صورة مار موسى الحبشي وكأنه فارس يمتطي حصانا أحمر اللون.من الاماكن التي
نجد فيها هذه الصورة أيضا،كنيسة مار سركيس وباخوس في قرية صدد،وهي عبارة عن
رسم جدراني يعود تاريخه الى القرن الثاني عشر.وصورة خشبية أخرى توجد في
كنيسة السريان الكاثوليك في النبك،وأخرى في مطرانية الروم الكاثوليك في
حمص.بعد ما ساءت أحوال الدير وانطفأت فيه ألحياة الرهبانية،عاد الامل من
جديد في أواخر القرن العشرين بتضامن بعض المكرسين ليضيئوا الحياة الرهبانية
بشموع القداسة ،شاركت جماعة من العلمانيين،في مدينة النبك،هؤلاء المكرسين على اصلاح وترميم الاجزاء المتهدمة من الدير وقاموا باخلاء المكان من رعاة الماعز.
بدأت
عملية الترميم في صيف1984 بتعاون مشترك بين أبناء رعية النبك للسريان
الكاثوليك والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.كما تعهدت وزارة الخارجية الايطالية ارسال خبراء من معهد الترميم في روما للهدف ذاته.
أول
من قدم الى الدير ليضيء شمعة الحياة الرهبانية هو الشماس يعقوب مراد من
أبرشية حلب ومن بعده توافد الاخوة والاخوات جاؤوا من بلدان مختلفة ملتزمين
الحياة المكرسة بالعمل والصلاة واستقبال الزوار وتقديم المساعدة الروحية
لهم.انتهجت هذه الجماعة الحاضرة في كنف دير مار موسى الحبشي،في صلواتها
،ليتورجية واحدة ،هي الليتورجية الانطاكية المستخدمة في الكنيسة السريانية
الانطاكية.
من هو مار موسى الحبشي ؟
في
كتب سير القديسين المتداولة في الكنائس المسيحية نجد ذكراً لإثنين من
القديسين عرفا بهذا الاسم . أولاً : مار موسى الحبشي الملقب بالاسود .
هو من قديسين القرن الرابع الميلادي ولقب بالاسود لسواد لون بشرتهِ إذ كان
بالفعل حبشياً ، كما قيل إنه كان عبداً قوي البُنية ، سكيراً ، يتلذذ
بالعنف ويتمتع بالقتل ولهذا خافه الناس وتجنبوه ، دفعته شراسته وجبروت بأن
يصير رئيس عصابة مكونة من سبعين لصاً ينهبون ويسلبون ويعذبون ويقتلون
ضحاياهم .
في
إحدى الليالي ، أيقظه ضميره على ما يفعله فقصد أحد أباء الصحراء ليرشده
إلى الطريق الصحيح ومنذ ذلك الوقت إنزوى في أحد اديار برية شهيت (مصر ) إلى
أن صار مثالاً في التقوى والشجاعة الروحية وظل يواصل والاصوام . نال من
الله مواهب متعددة وفضائل سامية إلى أن ذاع صيته فقصده الناس من كل مكان .
نال إكليل الشهادة عام 408م إثر هجوم من البربر على برية الاسقيط حيث يقيم
موسى الاسود مع إخوانه النساك ، فقد قُتل من قتل منهم وتشرد الاخرون .
تذكره الكنيسة في صلواتها وتحتفل بعيد إستشهاده في 18 حزيران ، اما رفاته فموجودة في دير البراموس .
أما
مار موسى الناسك الذي نحن بصدده الان ، فهو من أشهر قديسي القرن السادس
الميلادي تميز بالورع والتقوى واستهوته الحياة النسكية ، وهو أيضا من سلالة
ملوك الحبشة وحيداً لأبويه ، هرب من منزل والديه ليلة زفافه تاركاً
البلاط الملكي قاصداً البراري والصحاري ينام في الكهوف يتحدى الاخطار
والوحوش الضارية باحثاُ عن نساك يتدرب على ايديهم ويعتكف معهم متعبداً لربه
، فوصل في بادئ الامر إلى صحاري صعيد مصر وأقام فى أحد أديرتها وتشح هناك
بالاسكيم الرهباني ، ومن هناك قصد بيت المقدس ثم بلاد الشام حتى وصل إلى
بلدة قارة في دير مار يعقوب المقطع ، عاش هناك حياة الزهد حتى فاحت رائحته
الطيبة فهجر الدير متوجهاً إلى كهف صخري في وادي المغر في الجبل المدخن
بجوار مدينة النبك حيث أقيم ديره المعروف باسمه : دير مار موسى الحبشي .
في
أثناء هجوم هرقل أحد أباطرة بيزنطية في عام 640م على الاديرة التي تتبع
التعليم الارثوذكسي ، قُتل الرهبان ومن جملتهم مار موسى الحبشي . فقد أمر
الامبراطور بقطع رأسه وهكذا نال اكليل الشهادة .
يُذكر ان والد مار
موسى ملك الحبشة ، عندما علم باستشهاد إبنه جاء متخفياً إلى النبك وزار
قبره وفي أثناء ذلك شاهد الملك أن إبهام يده منفصلة عن جسده فأمر الملك
بإحضار البنائين وشيدا ديراً فوق معبد إبنه وظل إصبع مار موسى محفوظ في
كنيسة الدير حتى سنة 1940م حيث نقل الى كنيسة السريان في النبك .
وجرت الايات والعجائب على يد القديس الشهيد مار موسى الحبشي وساهمت بشكل
واضح في إبراز مكانة الدير وشهرته بين الاديار الباقية وجعلت منه محطة
وصولٍ وإنطلاق للزائر من أي بلدٍ كان لينطلق إلى القدس سيراً على الاقدم
كما كان يفعل الرهبان قديماً . فموقع مار موسى إستراتيجي يوازي موقع دير
السيدة في صيديانا لذا فهو يستقطب إليه من كل موقع ومكان بما فيهم المسلمون
الذين يقومون برحلات حجٍ تقويه للتقرب والانفتاح على حياة الله والتساكن
معه في سلام النفس والروح .
تسعى مجموعة كبيرة من الرهبان إلى عيش
الحياة النسكية في أحضان دير مار موسى كما كانت الحياة قديماً التي كانت
مزدهرة طيلة ثلاثة عشر قرن من الزمن ، هذه الجماعة تبنت في مسيرتها
الجديدة اللفة العربية وذلك بهدف التقرب من المسلمين من جهة ومن جهة أخرى
للطقس السرياني الانطاكي ، وسبب أخر لتبني اللغة العربية هو التأصل في عمق
الحياة الصوفية الشرقية .
تعمل هذه الجماعة على إعادة
الحياة الرهبانية إلى مكانتها الاولى وإعادة مكانة الدير الروحية لقلب
الكنيسة السريانية الانطاكية بهدف تقديس النفوس ، وعيش حياة المشورة
الانجيلية كل يوم بين أفرادها .
تنمو الجماعة وتكثر معها الزيارات والحج إلى المكان المبارك للدخول إلى بوابة التاريخ الرهباني وصولاً إلى باب الملكوت للعيش مع الله .
مكتبة دير مار موسى الحبشي :
في نهاية حديثنا عن تاريخ دير مار موسى الحبشي ، لابد لنا أن نتوقف عند ما
تحتويه مكتبة دير ما موسي من كنوز وكتابات ابائية وتراثية ، فمكتبة الدير
ضخمة تضم العديد من المخطوطات والكتب النادرة ، والنفيسة الوجود ويعود
الغنى في المراجع إلى وجود الرهبان والمتعبدين الذين سلكوا طريق الرهبنة
والتعبد في قلب دير مار موسى هؤلاء الرهبان عملوا بكل همة ونشاط على نسخ
وتأليف كل ماهو غالي ونفيس فأغنوا مكتبة الدير والكنيسة بالكتب الثمنية .
كما
جعلوا أيضا من مكتبة دير مار موسى مكتبة زاخرة بالمخطوطات العربية
والسريانية منها الدينية ومنها التاريخية ، ولكن مع كل أسف توزعت المخطوطات
في أماكن متعددة من العالم وتعرضت أيضاً للسلب والنهب ومن قبل الغزاة .
من
أبزر المخططات التي يمكن أن نأتي على ذكرها مخطوط لإنجيل نفيس مكتوب
بالخط الاسطرنجيلي المنمق وهو مخطوط على رق الغزال حالياً المخطوطة توجد في
دير الشرفة – لبنان ومما قيل عن هذه المخطوطة ، أن عرب العنزة قاموا
بسرقتها من دير مار موسى الحبشي مع غيرها من مخطوطات إلى مدينة حلب ،
وهناك إشتراها منهم المطران يوسف بهنام سنة 1881م وأوقفها لمكتبة دير
الشرفة .
مخطوطة أخرى توجد اليوم في صدر المتحف البرايطاني تحت رقو
585 وعدد صفحاتها 468 هذا بالاضافة إلى المخطوطات التي تشمل مقاطع ليتورجيا
خاصة الصلوات الاحتفلية في أيام الاعياد والمناسبات ومن أبرز هذه
المخطوطات مخطوطة خاصة بالصوم الاربعيني وتوجد اليوم في مكتبة باريس تحت
رقم 159 . ومخطوطات أخرى توجد في اكسفورد يعود تاريخ كتابتها إلى العام
1625م ، وهذا بالاضافة إلى الاف المخطوطات النفيسة المتعلقة بتاريخ الكنيسة
وسير القديسين المحفوظة في خزانة مكتبة دير الشرفة للسريان الكاثوليك
لبنان ، خزانة بطريركية السريان الارثوذكس –دمشق .
يسعي الاب باولو
اليسوعي إلى إعادة وبث الروح الرهبانية وعيش حياة التقوى والحياة الروحية
النسكية، والجهاد المتواصل كي ينال دير مار موسى موقعة الروحي القديم
ومكانته النسيكية بين الاديار المنتشرة في كافة ارجاء المعمورة .ويهدف
أيضاً الاب باولو أن يستعيد الدير موقعة الجغرافي ليكون محطة وصول للحجاج ومحطة أنطلاق لهم إلى مدينة القدس مدينة السلام وهذه هى مكانة الدير القديمة .
عد أن تجتاز خمسة عشر كيلو متراً في الوديان القاحلة.. وتصعد إلى سفوح
جبال القلمون وتدهشك البادية باتساعها وقحطها.. تصل إلى بستان وارف
الظلال.. عماده أشجار اللوز البري ثم المشمش والزيتون، إنه في حرم دير
مارموسى الحبشي، وفي الطريق الصاعدة إليه على ارتفاع ألف وثلاثمئة متر!!
وعلى الرغم من صغر البستان.. فإن قيمته الكبرى تكمن في رمزيته ودلالاته..
ولعل جدواه على هذا الصعيد مذهلة، إذ يتوق أن يكون قدوةً في المنطقة
القاحلة الجافة ذات الأمطار الضئيلة 135 ملم فقط.
منذ تسع سنوات.. طُرِح
موضوع إقامة محمية زراعية رعوية في حرم "دير مار موسى الحبشي"، في سياق
ندوة الربيع الأولى التي أقامها رئيس الدير الأب باولو داعياً كل فعاليات
النبك وممثلين عن وزارة الزراعة ولا سيما مديرية الحراج.
وعلى الرغم من
ظهور معترضين على المحمية بحجة أنهم يملكون أسهماً في تلك الأرض أو أنهم
من واضعي اليد عليها، زُرعت ونمت وكبرت.. وظل هؤلاء المعترضون يعرقلون مسار
هذا العمل الخيّر على الرغم من أن مسوغاتهم واهية جداً.. إلا أن القانون
يجيز لهم انتظار إنجاز أعمال التحديد والتحرير وحسم المسألة قضائياً، وفي
سياق السعي إلى دعم هذا المشروع.. سُميت المحمية منطقة وقاية زراعية.. كي
تحظى بالحماية.. وقِيل في هذه الندوة التاسعة "ندوة الربيع البيئية
التاسعة": إن السيد وزير الزراعة أصدر قراراً نص على اعتبار تلك الأرض من
حرم الدير محمية زراعية مما أبهج الجميع وفي المقدمة لجنة المحمية، التي
تضم أغلب الفعاليات العامة والخاصة في النبك.
تنمية المراعي وحمايتها
إذاً،
غدت المحمية شرعيةً مئة بالمئة تطبق على من ينتهك حرمتها، ويحطب أشجارها
تحطيباً جائراً.. ويطلق أغنامه أو ماعزه للرعي فيها، العقوبات القانونية،
وهذاإنجاز كبير ليس للدير بل لمنطقة النبك ذات البادية الشاسعة.. لأن
المحمية سوف تكبر وستغري على إقامة محميات أخرى ولا سيما وأن أشجار اللوز
البري- القزمة- مقاومة للجفاف والصقيع ودرجات الحرارة المتدنية، علماً بأن
المنطقة باردة جداً في الشتاء وغالباً ما تغطيها الثلوج.
إن انتشار
أشجار للوز البري والزيتون في تلك المنطقة.. سوف يؤمن مصدر دخل جيد للسكان،
وسيحمي لتربة من الانجراف وسيساهم في تلطيف الجو وخفض الحرارة في الصيف.
صحيح
..إن هذه البادية السورية ولا سيما في منطقة النبك تعاني من قلة الأمطار
ومن ضحالة التربة غير الخصبة.. والزراعة فيها تقتصر على الهضاب قرب النبك
إلا أن الرعي الجائر أدى إلى التدهور البيئي الشديد مما أحدث خللاً شديداً
على صعيد التنوع الحيوي النباتي ولا سيما الرعوي.
، أما أهم التعديات على التنوع الحيوي وعلى البيئة فهي :
أ- حراثة المراعي وهذا محرم لأن تربتها ضحلة.
ب- الرعي الزائد عن الحد والجائر.
الان ولسوء الحظ ومن بداية السنة تم اعلان رفع الحماية عن محمية دير مارموسى
ولاسباب غير مفهومة
وبالتالي هي رصاصة الرحمة على مشروع كان اكثر من مهم وعلى مايبدو ان هناك متضررين من وجود المحمية واستطاعوا ان يقولوا كلمتهم
على كل حال الامر لاينفي تميز الدير والقائمين عليه
وبه يتجلى عظمة الانسان وابداعه
اصبح مسير دير مارموسى من المسيرات التقليدية لفريق الرواد كونه من المسيرات المميزة
واصبح شبه سنوي بخطتنا
المشي تقريبا 17 كم تزيد وتنقص قليلا والزمن الذي نستغرقه حوالي 3 ساعات مشي عدا الاستراحات
وعادة يكون فطورنا بجوار مدينة النبك وغدائنا بجوار الدير
وهنا ورغم الزيارات الكثيرة للدير نعلن اننا كل مرة نجد شيئا جديد ان كان على صعيد العمار او الاشياء او حتى الاشخاص
الدير بتجدد مستمر وتطور مضطرد
انطلقنا من النبك بعد تدريبات رياضية وتمارين لياقة باشراف الخبير الدكتور سمير يونس
وهدفها تهيئة الجسم للمشي وتلافيا لاي اصابة او تعضيل
وخلال وجبة الفطور لمحنا احد انواع الطيور الحرة وقد قام الاصدقاء بالتقاط صور مميزة له (على الاغلب هو باشق)
ونثني هنا كفريق على كرم المعاملة الذي نلاقيه من القائمين على الدير ودماثة الخلق وهذا السلوك عام ومع كل الزوار دون تمييز
عد
دير مار موسى الحبشي من أبرز الاماكن والاديرة المسيحية الموجودة على
الاراضي السورية وبالتحديد في منطقة جبل القلمون أو الجبل المدخن .
كما
يعد أيضاً من ابرز المراكز السريانية قد تأسس في بداية القرن التاسع عشر
حيث قد تضاءل عدد الرهبان فيه واخذ يتضاءل دوره مع مرور الايام وعلى أغلب
الظن إنطفئت منه الحياة الرهبانية. لم نجد الوثائق الكافية التى تحدثنا عن
الدير بوجهٍ شامل ولكننا نجد بعض مراجع سريانية وعربية تأتي على ذكر الدير
وتخبرنا عن المسيرة الرهبانية فيه .
يُروى أن اميراً حبشياً ترك
بلاط الملك ليعيش الحياة الرهبانية ، فجاء إلى مصر أولاً وتدرب على حياة
النسك ثم رحل إلى فلسطين ومنها إلى سوريا وسكن في بادئ الامر في دير ما
يعقوب المقطع في بلدة قارة التابعة لمحافظة النبك .
لمحة تاريخية وجغرافية :
يقع دير مار موسي في الجبل المدخن أو الجبل المقلوب على بُعد 30كم من
مدينة النبك التي تبعد عن دمشق العاصمة 90كم ، شيد الدير في القرن السادس
ثم تم تجديده في عام 1556م وصار كرسياً اسقفياً وكان من بين صفوف رهبانة
بطريركان نذكر منهم البطريرك يعقوب الاول المعروف بابن المذوق ومن مواليد الاحمدية كان قد ترهب في دير مار موسى ونصب بطريركاً سنة 1512م ،
كما
جلس على كرسي هذا الدير اساقفة شهدَ لهم بالفضيلة والحياة التقوية عملوا
جاهدين على تنظيم ادراة وشؤون الدير ، كان اخر الاساقفة هو ايوانس الياس
الموصللي 1797-1832م قدم من دير مار متى الشيخ في مدينة الموصل –العراق .
مقياس
البلاد الحضارية ينبع من ماتركته الشعوب من معالم اثرية ومن ابرز هذه
المعالم هو دير مار موسى الحبشي الذي يعتبر مقياس اساسي يعبر عن حضارة
السريان وكنوزها وابداعتها ، فكان الدير في بدء الامر وحسب افتراض البعض
عبارة عن قلعة رومانية صغيرة بها برج صغير وسور يقع غرب الدير وهما من
الطراز الروماني ، مع وجود بعض الاحجار الكبيرة جداً والتي توحي بأن العمل
هناك كان ضخماً توفرت فيه امكانيات بشرية ومادية .من جهة أخرى لايمكننا أن
نقر بوجود دير في ذلك المكان باسم مار موسى وانما المؤكد بأنه كان ديراً
سريانياً وهذا الافتراض مستنداً على مخطوطة مخفوظة في المتحف البريطاني تحت
رقم 14559 دون فيها تاريخ الدير سنة575م بالاضافة إلى قطعة نقود معدنية
وجدت في مغارة قريبة من الدير أثناء اعمال الترميم والتجديد والقطعة هى
بقيمة فلس مصكوكة في نيقوميدية في السنة الخامسة من حكم الامبراطور جوستن
الذي حكم البلاد من العام 565-578م .
كان
دير مار موسى منذ ان تأسس تابع للكنيسة السريانية الارثوذكسية وكان آهلاً
بالنساك والمتعبدين وعامراً بالرهبان وأشهر النساخ والخطاطين .
يقصد
دير ما موسى المؤمنون كي يتنسمون نسمات التقوى والفضلية كما يقصدة
الفنانون وعشاف الجدرنيات لما فيه من كنوز جدارنية ونقوش فنية رائعة الجمال تتزين بها حوائط الدير .
يبدو
لنا من خلال البحث والدراسة أن دير مار موسى كان الرهبان فيه في مسيرة
حياتهم الروحية والديرية ينتهجون نظام اللافرا الذي كان الرهبان في أديرة
فلسطين . ولافرا كلمة يونانية تعني الطريق الصغير لكنه أتخذ مع الرهبان
معنى الدير المؤلف من كنيسة ومكان اجتماع ومائدة تحيط بها منتشرة على مسافة
واسعة قلالي الرهبان التي تربطها بالكنيسة شبكة طرقات صغيرة .
هناك
كان الرهبان يعيشون حياة النسك الكامل حيث ، في بادئ الامر ، يُعطى النساك
غرفةً مستقلةً في قلب الدير لفترةٍ من الزمن ومن بعدها ، يأخذ قلايةً
منفرةً يعيش فيها حياة النسك ، وفي أيام الآحاد والاعياد يجتمع الرهبان
للصلاة وتقدمة القرابين .
كان
دير مار موسى ذا مكانةً عالية في منطقة القلمون( محافظة النبك سوريا)
نظراً لصلته بأديرة القدس ونجد إثباتاً على ذلك ما قد عُثر عليه من مخطوطات
ونصوص في القرن الثالث عشر والرابع عشر تؤكد لنا أهمية الدير وموقعة
بالنسبة لكنيسة السريان الارثودكس ، قبل أن ينتقل إلى ملكية الكنيسة السريانية الكاثوليكية في العام 1832م ، حينما أعلن الاسقف غريغوريوس متى إنضمامه إلى الكنيسة الكاثوليكية .
يُظهر
لنا التاريخ بأن دير موسى الحبشي قد تعرض إلى السلب والنهب من لصوص قدموا
خصيصاً لسرقته وخرابه فشوه فيه جمال الصور والجداريات حتى أن الحياة
الرهبانية إنطفئت فيه .
ويذكر ايضا البطريرك مار افرام الاول
برصوم أن دير مار موسى كان أهلاً بالسكان النساك حتى سنة 1832م ، إلا أن
الحياة الرهبانية خمدت فيه نتيجة ظروفٍ سياسيةٍ .
لدير مار موسى
الحبشي كنيسة جميلة يعلو بابها صلبانٌا دوارنية منقوشة ومن هذا الباب نصل
إلى رواق الكنيسة الجنوبي ، فالبناء يحتوي على ثلاثة اروقة تمتد من الغرب
إلى الشرق ، ويرتفع الرواق الاوسط منتيهاً شرقاً بمحراب كبير تتوجه نصف قبة
تهلوها نافذة كبيرة ، كما الربع الشرقي من الرواق الاوسط حاجز من الخشب
والحجر يرتفع عن مستوى أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات ،يفصل قدس الاقداس أو
الهيكل عن صحن الكنيسة .
يعود بناء الكنيسة إلى منتصف
القرن الحادي عشر كما تثبت ذلك بعض النقوش الموجودة على الجدران ويعود نقش
الصلبان على الاعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه وتمثل غاليبيتها صليب النور
. زينت جدران الكنيسة صور من نمط الفريسكو ، رُسمت فوق بعضها البعض في
ثلاث طبقات ، وهناك كتابة تبين لنا تاريخ الرسم ، تعود إلى السنة 1058-1095م وتقول الكتابة " خلص المصور يوم الاحد في رأس تموز سنة 488م .
تبهرك
الرسومات والجداريات التي تقف أمامها مندهشاً ، ولكن بكل أسف طمثت هذه
الاعمال برسومات اخرى فوق منها مما جعل البعض منها مشوهاً والبعض الاخر
واضحاً على سبيل المثال نجد صورة شخصٍ شعره طويل يصارع اسداً وعلى أغلب
الظن هو شمشمون الجبار .
كما نجد على الجدار الشمال من حاجز الهيكل
من الخارج جهة صحن الكنيسة أشكالاً هندسية مع مربعات بيضاء اللون وربما
تمثل هذه الصورة خيمة العهد وحجاب قدس الاقداس . وهناك صورة أخرى قد تمثل
ايليا النبي صاعداً إلى السماء بمركبةٍ ناريه وبيمينه يُعطي رداءه إلى
تلميذه اليشاع النبي .
أما
الطبقة الثانية من الرسومات فيعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر وابرز ما
ظهر منها هو مشهد معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى جانبه نجد صور
سمعان العامودي .تتميز رسومات الطبقة الثانية برهافة الحس الفني الروحاني
وبالاسلوب المتبع فيعكس تأثير تطور الفن البيزنطي في المنطقة .
الطبقة الثالثة من الرسومات يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر فقد نجد في
بادئ الامر كتابةً باللغة العربية تم كتابتها في العام 1504 يوناني أي سنة 1216م ، يقول نصها : عمر سركيس أبن القس ، رحمه الله الموضع المبارك آمين .
تتميز الطبقة الثالثة من الرسومات بالطابع السرياني الاصيل وبالكتابات السريانية وبالبساطة في الالوان ايضاً .
أذاً
، تزين حوائط كنيسة مار موسى الحبشي صورٌ وجداريات ذات المعنى اللاهوتي
الواضح منها مثلاً صورة الشارة التي يظهر فيها شروق الشمس المشير على أن
المسيح ، شمس البر . كما نجد رسماً للرب يسوع المسيح الضابط الكل ، وصور
الرسل منهم بطرس وبولس وصورة الانجيليين الاربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا
.
أما قدس الاقداس فيؤلف مضماراً تصورياً شبه مستقل ، على حاجز
الهيكل من الخارج نجد رسم العذارى عشر أما الصورة التي أمامنا الان نرى
فيها السيدة العذراء مريم وافقةً ويداها مرفوعتان وولدها الالهى قائم في
أحشائها .
من
اللواحات البارزة أيضاً في دير مار موسى لوحة الدينونة حيث نرى المسيح
الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة ، كما يظهر في اللوحة
المسيح وهو يسلم بطرس المسيح وعن يساره بولس الرسول ،ويظهر في الصورة مذبح
عليه صليب في وسطه إكليل شوك .
ظل دير مار موسى الحبشي مزدهرا منذ
تأسيسه حتى القرن الثامن عشر والدليل على ذلك بعض المخطوطات والوثائق
والجداريات التي وجدت في الدير في تلك الفترة.كما أننا نجد أيقونات تحمل
صورة مار موسى الحبشي وكأنه فارس يمتطي حصانا أحمر اللون.من الاماكن التي
نجد فيها هذه الصورة أيضا،كنيسة مار سركيس وباخوس في قرية صدد،وهي عبارة عن
رسم جدراني يعود تاريخه الى القرن الثاني عشر.وصورة خشبية أخرى توجد في
كنيسة السريان الكاثوليك في النبك،وأخرى في مطرانية الروم الكاثوليك في
حمص.بعد ما ساءت أحوال الدير وانطفأت فيه ألحياة الرهبانية،عاد الامل من
جديد في أواخر القرن العشرين بتضامن بعض المكرسين ليضيئوا الحياة الرهبانية
بشموع القداسة ،شاركت جماعة من العلمانيين،في مدينة النبك،هؤلاء المكرسين على اصلاح وترميم الاجزاء المتهدمة من الدير وقاموا باخلاء المكان من رعاة الماعز.
بدأت
عملية الترميم في صيف1984 بتعاون مشترك بين أبناء رعية النبك للسريان
الكاثوليك والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.كما تعهدت وزارة الخارجية الايطالية ارسال خبراء من معهد الترميم في روما للهدف ذاته.
أول
من قدم الى الدير ليضيء شمعة الحياة الرهبانية هو الشماس يعقوب مراد من
أبرشية حلب ومن بعده توافد الاخوة والاخوات جاؤوا من بلدان مختلفة ملتزمين
الحياة المكرسة بالعمل والصلاة واستقبال الزوار وتقديم المساعدة الروحية
لهم.انتهجت هذه الجماعة الحاضرة في كنف دير مار موسى الحبشي،في صلواتها
،ليتورجية واحدة ،هي الليتورجية الانطاكية المستخدمة في الكنيسة السريانية
الانطاكية.
من هو مار موسى الحبشي ؟
في
كتب سير القديسين المتداولة في الكنائس المسيحية نجد ذكراً لإثنين من
القديسين عرفا بهذا الاسم . أولاً : مار موسى الحبشي الملقب بالاسود .
هو من قديسين القرن الرابع الميلادي ولقب بالاسود لسواد لون بشرتهِ إذ كان
بالفعل حبشياً ، كما قيل إنه كان عبداً قوي البُنية ، سكيراً ، يتلذذ
بالعنف ويتمتع بالقتل ولهذا خافه الناس وتجنبوه ، دفعته شراسته وجبروت بأن
يصير رئيس عصابة مكونة من سبعين لصاً ينهبون ويسلبون ويعذبون ويقتلون
ضحاياهم .
في
إحدى الليالي ، أيقظه ضميره على ما يفعله فقصد أحد أباء الصحراء ليرشده
إلى الطريق الصحيح ومنذ ذلك الوقت إنزوى في أحد اديار برية شهيت (مصر ) إلى
أن صار مثالاً في التقوى والشجاعة الروحية وظل يواصل والاصوام . نال من
الله مواهب متعددة وفضائل سامية إلى أن ذاع صيته فقصده الناس من كل مكان .
نال إكليل الشهادة عام 408م إثر هجوم من البربر على برية الاسقيط حيث يقيم
موسى الاسود مع إخوانه النساك ، فقد قُتل من قتل منهم وتشرد الاخرون .
تذكره الكنيسة في صلواتها وتحتفل بعيد إستشهاده في 18 حزيران ، اما رفاته فموجودة في دير البراموس .
أما
مار موسى الناسك الذي نحن بصدده الان ، فهو من أشهر قديسي القرن السادس
الميلادي تميز بالورع والتقوى واستهوته الحياة النسكية ، وهو أيضا من سلالة
ملوك الحبشة وحيداً لأبويه ، هرب من منزل والديه ليلة زفافه تاركاً
البلاط الملكي قاصداً البراري والصحاري ينام في الكهوف يتحدى الاخطار
والوحوش الضارية باحثاُ عن نساك يتدرب على ايديهم ويعتكف معهم متعبداً لربه
، فوصل في بادئ الامر إلى صحاري صعيد مصر وأقام فى أحد أديرتها وتشح هناك
بالاسكيم الرهباني ، ومن هناك قصد بيت المقدس ثم بلاد الشام حتى وصل إلى
بلدة قارة في دير مار يعقوب المقطع ، عاش هناك حياة الزهد حتى فاحت رائحته
الطيبة فهجر الدير متوجهاً إلى كهف صخري في وادي المغر في الجبل المدخن
بجوار مدينة النبك حيث أقيم ديره المعروف باسمه : دير مار موسى الحبشي .
في
أثناء هجوم هرقل أحد أباطرة بيزنطية في عام 640م على الاديرة التي تتبع
التعليم الارثوذكسي ، قُتل الرهبان ومن جملتهم مار موسى الحبشي . فقد أمر
الامبراطور بقطع رأسه وهكذا نال اكليل الشهادة .
يُذكر ان والد مار
موسى ملك الحبشة ، عندما علم باستشهاد إبنه جاء متخفياً إلى النبك وزار
قبره وفي أثناء ذلك شاهد الملك أن إبهام يده منفصلة عن جسده فأمر الملك
بإحضار البنائين وشيدا ديراً فوق معبد إبنه وظل إصبع مار موسى محفوظ في
كنيسة الدير حتى سنة 1940م حيث نقل الى كنيسة السريان في النبك .
وجرت الايات والعجائب على يد القديس الشهيد مار موسى الحبشي وساهمت بشكل
واضح في إبراز مكانة الدير وشهرته بين الاديار الباقية وجعلت منه محطة
وصولٍ وإنطلاق للزائر من أي بلدٍ كان لينطلق إلى القدس سيراً على الاقدم
كما كان يفعل الرهبان قديماً . فموقع مار موسى إستراتيجي يوازي موقع دير
السيدة في صيديانا لذا فهو يستقطب إليه من كل موقع ومكان بما فيهم المسلمون
الذين يقومون برحلات حجٍ تقويه للتقرب والانفتاح على حياة الله والتساكن
معه في سلام النفس والروح .
تسعى مجموعة كبيرة من الرهبان إلى عيش
الحياة النسكية في أحضان دير مار موسى كما كانت الحياة قديماً التي كانت
مزدهرة طيلة ثلاثة عشر قرن من الزمن ، هذه الجماعة تبنت في مسيرتها
الجديدة اللفة العربية وذلك بهدف التقرب من المسلمين من جهة ومن جهة أخرى
للطقس السرياني الانطاكي ، وسبب أخر لتبني اللغة العربية هو التأصل في عمق
الحياة الصوفية الشرقية .
تعمل هذه الجماعة على إعادة
الحياة الرهبانية إلى مكانتها الاولى وإعادة مكانة الدير الروحية لقلب
الكنيسة السريانية الانطاكية بهدف تقديس النفوس ، وعيش حياة المشورة
الانجيلية كل يوم بين أفرادها .
تنمو الجماعة وتكثر معها الزيارات والحج إلى المكان المبارك للدخول إلى بوابة التاريخ الرهباني وصولاً إلى باب الملكوت للعيش مع الله .
مكتبة دير مار موسى الحبشي :
في نهاية حديثنا عن تاريخ دير مار موسى الحبشي ، لابد لنا أن نتوقف عند ما
تحتويه مكتبة دير ما موسي من كنوز وكتابات ابائية وتراثية ، فمكتبة الدير
ضخمة تضم العديد من المخطوطات والكتب النادرة ، والنفيسة الوجود ويعود
الغنى في المراجع إلى وجود الرهبان والمتعبدين الذين سلكوا طريق الرهبنة
والتعبد في قلب دير مار موسى هؤلاء الرهبان عملوا بكل همة ونشاط على نسخ
وتأليف كل ماهو غالي ونفيس فأغنوا مكتبة الدير والكنيسة بالكتب الثمنية .
كما
جعلوا أيضا من مكتبة دير مار موسى مكتبة زاخرة بالمخطوطات العربية
والسريانية منها الدينية ومنها التاريخية ، ولكن مع كل أسف توزعت المخطوطات
في أماكن متعددة من العالم وتعرضت أيضاً للسلب والنهب ومن قبل الغزاة .
من
أبزر المخططات التي يمكن أن نأتي على ذكرها مخطوط لإنجيل نفيس مكتوب
بالخط الاسطرنجيلي المنمق وهو مخطوط على رق الغزال حالياً المخطوطة توجد في
دير الشرفة – لبنان ومما قيل عن هذه المخطوطة ، أن عرب العنزة قاموا
بسرقتها من دير مار موسى الحبشي مع غيرها من مخطوطات إلى مدينة حلب ،
وهناك إشتراها منهم المطران يوسف بهنام سنة 1881م وأوقفها لمكتبة دير
الشرفة .
مخطوطة أخرى توجد اليوم في صدر المتحف البرايطاني تحت رقو
585 وعدد صفحاتها 468 هذا بالاضافة إلى المخطوطات التي تشمل مقاطع ليتورجيا
خاصة الصلوات الاحتفلية في أيام الاعياد والمناسبات ومن أبرز هذه
المخطوطات مخطوطة خاصة بالصوم الاربعيني وتوجد اليوم في مكتبة باريس تحت
رقم 159 . ومخطوطات أخرى توجد في اكسفورد يعود تاريخ كتابتها إلى العام
1625م ، وهذا بالاضافة إلى الاف المخطوطات النفيسة المتعلقة بتاريخ الكنيسة
وسير القديسين المحفوظة في خزانة مكتبة دير الشرفة للسريان الكاثوليك
لبنان ، خزانة بطريركية السريان الارثوذكس –دمشق .
يسعي الاب باولو
اليسوعي إلى إعادة وبث الروح الرهبانية وعيش حياة التقوى والحياة الروحية
النسكية، والجهاد المتواصل كي ينال دير مار موسى موقعة الروحي القديم
ومكانته النسيكية بين الاديار المنتشرة في كافة ارجاء المعمورة .ويهدف
أيضاً الاب باولو أن يستعيد الدير موقعة الجغرافي ليكون محطة وصول للحجاج ومحطة أنطلاق لهم إلى مدينة القدس مدينة السلام وهذه هى مكانة الدير القديمة .
عد أن تجتاز خمسة عشر كيلو متراً في الوديان القاحلة.. وتصعد إلى سفوح
جبال القلمون وتدهشك البادية باتساعها وقحطها.. تصل إلى بستان وارف
الظلال.. عماده أشجار اللوز البري ثم المشمش والزيتون، إنه في حرم دير
مارموسى الحبشي، وفي الطريق الصاعدة إليه على ارتفاع ألف وثلاثمئة متر!!
وعلى الرغم من صغر البستان.. فإن قيمته الكبرى تكمن في رمزيته ودلالاته..
ولعل جدواه على هذا الصعيد مذهلة، إذ يتوق أن يكون قدوةً في المنطقة
القاحلة الجافة ذات الأمطار الضئيلة 135 ملم فقط.
منذ تسع سنوات.. طُرِح
موضوع إقامة محمية زراعية رعوية في حرم "دير مار موسى الحبشي"، في سياق
ندوة الربيع الأولى التي أقامها رئيس الدير الأب باولو داعياً كل فعاليات
النبك وممثلين عن وزارة الزراعة ولا سيما مديرية الحراج.
وعلى الرغم من
ظهور معترضين على المحمية بحجة أنهم يملكون أسهماً في تلك الأرض أو أنهم
من واضعي اليد عليها، زُرعت ونمت وكبرت.. وظل هؤلاء المعترضون يعرقلون مسار
هذا العمل الخيّر على الرغم من أن مسوغاتهم واهية جداً.. إلا أن القانون
يجيز لهم انتظار إنجاز أعمال التحديد والتحرير وحسم المسألة قضائياً، وفي
سياق السعي إلى دعم هذا المشروع.. سُميت المحمية منطقة وقاية زراعية.. كي
تحظى بالحماية.. وقِيل في هذه الندوة التاسعة "ندوة الربيع البيئية
التاسعة": إن السيد وزير الزراعة أصدر قراراً نص على اعتبار تلك الأرض من
حرم الدير محمية زراعية مما أبهج الجميع وفي المقدمة لجنة المحمية، التي
تضم أغلب الفعاليات العامة والخاصة في النبك.
تنمية المراعي وحمايتها
إذاً،
غدت المحمية شرعيةً مئة بالمئة تطبق على من ينتهك حرمتها، ويحطب أشجارها
تحطيباً جائراً.. ويطلق أغنامه أو ماعزه للرعي فيها، العقوبات القانونية،
وهذاإنجاز كبير ليس للدير بل لمنطقة النبك ذات البادية الشاسعة.. لأن
المحمية سوف تكبر وستغري على إقامة محميات أخرى ولا سيما وأن أشجار اللوز
البري- القزمة- مقاومة للجفاف والصقيع ودرجات الحرارة المتدنية، علماً بأن
المنطقة باردة جداً في الشتاء وغالباً ما تغطيها الثلوج.
إن انتشار
أشجار للوز البري والزيتون في تلك المنطقة.. سوف يؤمن مصدر دخل جيد للسكان،
وسيحمي لتربة من الانجراف وسيساهم في تلطيف الجو وخفض الحرارة في الصيف.
صحيح
..إن هذه البادية السورية ولا سيما في منطقة النبك تعاني من قلة الأمطار
ومن ضحالة التربة غير الخصبة.. والزراعة فيها تقتصر على الهضاب قرب النبك
إلا أن الرعي الجائر أدى إلى التدهور البيئي الشديد مما أحدث خللاً شديداً
على صعيد التنوع الحيوي النباتي ولا سيما الرعوي.
، أما أهم التعديات على التنوع الحيوي وعلى البيئة فهي :
أ- حراثة المراعي وهذا محرم لأن تربتها ضحلة.
ب- الرعي الزائد عن الحد والجائر.
الان ولسوء الحظ ومن بداية السنة تم اعلان رفع الحماية عن محمية دير مارموسى
ولاسباب غير مفهومة
وبالتالي هي رصاصة الرحمة على مشروع كان اكثر من مهم وعلى مايبدو ان هناك متضررين من وجود المحمية واستطاعوا ان يقولوا كلمتهم
على كل حال الامر لاينفي تميز الدير والقائمين عليه
وبه يتجلى عظمة الانسان وابداعه