أهازيج "عرس القلمون" وعادات يحن لها الأجداد
"ميشيل خنشت": التآخي ميزة العرس "النبكي"
الثلاثاء 26 تموز 2011
كان محتوماً على من يعمل العرس في ذلك العهد أن يجعل موعده بين شهري
كانون أول وشباط. لأن الناس يكونون آنئذٍ قد فرغوا من جميع أشغالهم
الزراعية ومن تأمين ما يحتاجون إليه من المؤونة لقضاء فصل الشتاء، فيمسي
البيت ذاخراً بالأشياء التي يجب أن تبذل في الأعراس، ويكون باستطاعة الناس
أن يشتركوا في الأفراح التي تـُقام في البلد، بدون أن يؤدي ذلك لضياع شيء
من أشغالهم.
|
فيكون العرس حافلاً بالأهل والأقارب والأصحاب وسائر أهل البلد من
مسيحيين ومسلمين، وكلٌّ منهم يشعر بما يجب عليه ليحافظ على إتقان أفراح هذا
العرس.
هذا ما جاء في كتاب الباحث "يوسف خَنَشَتْ" الذي تحدث عن تراث وفلكلور
وعادات سكان "النبك"، ولمعرفة تفاصيل ما يجري في العرس موقع eSyria التقى
السيد "ميشيل خَنَشَتْ" ليرفدنا بما يملك من ذاكرة حاضرة ويقظة حول العرس
"النبكي" كما يحلو لهم المقال، والسيد "ميشيل" صاحب صوت شجي وهو الذي أحيا
الكثير من الأعراس.
البداية هي "المشورة الصغيرة" وعنها يقول: «يتداول الأمر بين أهل العروسين
قبل الإعلان عن الموافقة بعشرة أيام، والمشورة الصغيرة تتم بدعوة والد
العريس لأقربائه المقربين ليلاً ليخبرهم بنية زواج ابنه من "فلانة"
ويستشيرهم بطريقة العرس هل يريدونه كبيراً أم صغيراً، فإن أرادوه كبيراً
حلت كل الخلافات إن وجدت فيما بين الأقرباء، من ثم يحددون يوماً يُدعَى فيه
مشايخ البلد ووجهاؤها والأقارب والأصحاب للمشورة الكبيرة».
و"المشورة الكبيرة" تتجلي بحضور عدد كبير من الناس لبيت والد العريس
ليطلعهم على نيتهم في تزويج ابنهم، ويكمل السيد "ميشيل": «فيسأل الشيخ
الوجيه بينهم أبا العريس قائلاً: "يا أبا فلان، الله يصبّحك بالخير.
دَعَوتـَنا لمنزلك العامر وها نحن قد لبينا دعوتك فماذا تريد منا؟ فيجيبه
أبو العريس: "أهلاً وسهلاً بكم، شرفتونا والنوبة حلت البركة. بدنا نستـِّـر
هالصبي"، عقبال الأفراح عندكم جميعاً، ويطلب والد العريس المعونة والرضا
على هذا الأمر، فيلقى كل التأييد والتأكيد على الوقوف إلى جانبه، فيشكرهم
على موقفه هذا. فيسأله الشيخ إن كان يريده عرساً كبيراً أم صغيراً، فيضع
الرجل قراره تحت تصرفهم معرباً عن نيته بعرس كبير كما تتمنى ذلك والدته
ويكون له الموافقة على إقامة عرس كبير، فتلقى رغبته كل التأييد».
ويتابع: «بعد ذلك يتعهد المشايخ بأن يحافظوا على الأمن والسكينة أثناء
العرس ويحولوا دون وقوع مشاجرات بين شباب الحارات فكثيراً ما كانت تحدث مثل
هذه الخلافات لبعض الضغائن أو لترهات صبيانية لا أهمية لها».
وتنتهي المشورة ويصير وقت الغذاء فيمد السماط على الأرض في وسط الغرفة وعليه الطعام، وغالباً ما يكون من "البرغل"
|
عرس من سورية |
المطبوخ بالسمن مع اللحم.
ومن العادات المستعملة في تلك الأيام ما يعرف بـ"جلب الشيح" وعنها يتحدث
السيد "ميشيل" فيقول: «يذهب عدد من الشباب بعد منتصف الليل إلى الجبال
الشرقية ويرجعون عصر النهار التالي بـ"الشيح" و"الحطب" فيسبق واحد منهم -
بحملٍ منه رافعاً علماً أبيض أو أحمر يأخذه إلى بيت العروس، فتعطيه هذه
"طاقية" من البياض المطرَّز بالحرير الأبيض يلبسه الشاب تحت الكوفية
والعقال، بعد هذه الطقوس واحتفال الأهل بقدوم موعد العرس يكون يوم "جلب
الشيح" موعداً لـ"الحمام الكدابي" وفيه ينصرف المكلفون أن يدعوا الأهالي
جميعاً إلى حضور العرس، ويطلق على هؤلاء اسم "الحوّاسين"، بعد ذلك يقدم
والد العريس الطعام للحضور وهنا تنحر الذبائح، وتنطلق الدبكات والألعاب
الرياضية الشعبية مثل: "قذف الحجر"، و"النطّ"، و"المغالبة"، و"رفع
الأثقال"، و"قذف البرتقال"، وغيرها».
ومما كان معمولاً به في العرس هو "حنة العروس" وهو طقس لازم ترافقه
الأهازيج والغناء، يتحدث عن هذا اليوم فيقول: «في الوقت الذي يكون فيه
العريس في "حمّام السوق" تقام مراسم "الحنة" في بيت العروس، فتجتمع النساء
والبنات حولها يربطن لها أصابعها بخيطان من القطن، ويرسمن على الأيدي
وروداً يستخدمون الشمع المذاب في هذه الرسومات. ومن الأغاني المختصة بحناء
العروس:
"أصابعك طوال والحنّا عليهم عال
يا أخت فلان يلتسوى خزاين مال
وحياة بيك وهالينشاف فيه الحال
يسوى لحكم القضا ولكل مافي رجال".
وتكثر الأغاني حسب شكل العروس إن كانت بيضاء البشرة أو سمراء، وتبقى
الفتيات عند العروس حتى وقت متأخر من الليل ومن صديقاتها من تنام عندها.
ليأتي صباح يوم جديد هو موعد لحمام العروس ظهيرة يوم الذبائح، وعنه يتحدث
السيد "ميشيل" فيقول: «تذهب النساء إلى "حمام السوق" ليلحق بهن الطعام من
بيتي العريس والعروس، وتأخذ النساء والبنات في "تحميم" العروس وهنّ يغنين
لها من هذه الأغاني:
"شعرك طويل أحب النوم في ظلـُّه/ أحلف يمين الشتا والصيف ما حلُّـه/ راح
أبوكِ إلى الباشا وبيَّـنله/ شعرة من البـِيْض تسوى عسكرك كلـُّه".
كذلك يرددون: "شعرك سناسل ذهب يحيّـر الولهان/ ما بين شعرة وشعرة ينبت الريحان/ يسلم أبوكِ بعزه هالرفيع
|
الربابة رفيقة الأعراس أيام زمان |
الشان/ بَـيّ الأصيله عِـلِي شانه بكل زمان".
وأغنية أخرى تقول كلماتها: يا عروسه يا بيضة ويا غضه/ يا سمكة البحر تسبح
في حوض فضه/ كم قدموا ناس إلى بيّك ولم يرضى/ بالله اصلحوا بيننا لا عاشت
البغضه". والمقصود بالبغضة "البغضاء".
وإذا كانت العروس فائقة الجمال وأرادوا مدحها فإنهم يغنون:
"يا عروسه ما أحلى معانيكي/ إنتي ذهب خاص جنس العيب ما فيكي/ إنتي أصيله وكل الناس تشهد لك/ يا جنة الخلد نيال اللي حظي فيكي".
ويتابع: «وعندما يقرب الظهر يتوارد الرجال والشبان أفواجاً إلى بيت العريس
لتناول الغداء. فتستقبلهم أربع نساء يقفن قريباً من مدخل الدار، يزغردن
ويغنين لكل من الداخلين أغنية توافق مقامه، منها على سبيل المثال:
أويها.. لمين هالباب الكبير العالي
أويها.. لأبو فلان دباح الحيالِ
أويها.. انت الذي فضلك علينا كلنا
أويها.. من يوم كنا بالقماط صغارِ.
وعلى هذا المنوال يعدون الكثير من الكلمات تتلوها الزغاريد علامة الفرح والاستقبال والسعادة بالقادم إلى هذا العرس».
ونصل إلى الساعات الأخيرة من كل هذه التحضيرات التي سبقت يوم الزفة، وهي لن
تكون كذلك إن لم تترافق بـ"عراضة" وغناء، ويشرح يوم الزفة السيد "ميشيل"
وهو الذي خبرها وعاصرها جيداً فيقول: «في هذا اليوم تضاء المشاعل أمام
وجهاء القوم الذين يسيرون إلى بيت العروس لزفها، ونسمع النساء وهنّ يغنين:
"تمايلي بنـت السخا والجود/ أهلك كبار وبُسطهم ممدودِه/ الله يديملنا أبـوكي بظهرنا/ حتى تظلّ ظهورنا مشـدودِه".
ثم تتحول المغنية إلى غيرها فتقول: "يا عروسه بالنبي المصطفـى/ دبّلي عيونك
ولا تعطي قفا/ وان مررتِ على أبوكي يا عروس/ يدبحلك ميتين كبـش معلفا"».
انتهى العرس، وما بقي بعد ليلة الزفاف أو "الدخلة" هو يوم المباركة التي
يقدمها الأهالي للعروسين، كيف تتم المباركة يقول السيد "ميشيل": «صبيحة
اليوم التالي تأتي امرأتان من أقرباء العروس لإعادة تزيينها وإصلاح ما اختل
من بياض وحمرة، ويلبسنها الألبسة الجديدة، من ثم يسير بها العريس إلى
والديه لتقديم الطاعة وتقبيل الأيدي، في هذا الوقت يتوافد عدد من الشبان
يحملون السيوف لتقديم المباركة. ومن ثم تعقد حلقات الدبكة فرحاً بالعروسين.
فتـُعلـَن حينئذٍ حفلة نقوط العروس المخصوص بها
و"النقوط" هي الهدية التي يهديها الصديق والنسيب والقريب للعروس ولها أن
تتصرف بها كيفما تشاء».
بعد كل هذا نجد أن ما يميز العرس في مدينة "النبك" هو التآخي الذي يجمع بين
المسلمين والمسيحيين، ويظهر هذا من خلال الاحترام لشعائر وطقوس وأعياد
الجانبين، خاصة في أشهر الصوم لدي الديانتين، فلا يقدم الطعام الذي يفسد
الصيام عند المسيحي، بينما يعمل المسيحي على تقديم وجبة الإفطار لدى
الصائم، أي "العشاء" في وقته، فالعرس يكون ناقصاً ما لم يشترك فيه كل أبناء
هذه المنطقة.