ملحمة جلجامش
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لم تأخذملحمة جلجامش شكلها النهائي ، ويُحتمل أن أحد الشعراء العباقرة قد استطاع أن يعيدصياغة الملحمة من جديد في نهاية الألف الثاني بحيث أصبحت كما هي عليه الآن ذاتمحتوى وشكل موحدين .
و ككـل الأبطـال العظـام جـرت أحـداث غيـر اعتياديـةعنـد ميـلاد جلجامش.
كان جده يخشى تاجه نتيجة تنبؤ، فألقى بحفيده من علىبرج، إلا أن صقراً قد لقفه وأخذه إلى بستان ليربيه، ولكن التنبؤ يتحقق رغم كل شيء ،حيث ينتصر جلجامش الفتى على جده وينصب نفسه ملكاً على أوروك . لقد كان البطل الفتىظاهرة رائعة :
(( بعد أن خلق جلجامش ، وأحسن الإله العظيم خلقه، جعل الآلهةالعظام صورة جلجامش كاملة تامة. كان طوله أحد عشر ذراعاً وعرض صدره تسعـةأشبـار…ثلثان منـه إله ، ثلثه الأخـر نسـر. وهيئـة جسمـه لا نظيـرلهـا)).
أجل كان جلجامش ملكاً صارماً. وشكى أهل أوروك بأنه يرسلهم إلى جبهاتالقتال ولا يدعهم في الهدوء والاستقرار لحظة واحدة. وعليهم جميعاً أن يعملوا فيبناء سور المدينة. وبلغت شكواهم رب السماء آنوا. وبمساعـدة الإلهة ( أرورو ) تـمخلق بطـل قوي باسـم أنكيدو.
وأخيراً سمع الإله شكواهم فاستدعى آلهة السماءرب (( أوروك )) (وقالوا لها) : ألم تخلقِِ أنتِ هذا الوحش الجبّار؟ الذي لا يضاهيفتك أسلحته سلاح آخر، والذي تستيقظ رعيته على ضربات الطبل، جلجامش الذي لم يتركابناً طليقاً لابنه وما فتى يضطهد الناس بمظالمه ليل نهار على أنه هو (راعي) أوروك،السور والحمى، هو راعيهم ولكنه يضطهدهم، وهو قوي جميل وحكيم. ولما أستمـع ( أنـو ) الجـليل إلـى شكـواهـم دعـوا أوروك العظــيمة وقالـوا لها : يا (أوروك) ، أنت التيخلقتِ هذا الرجل بأمر ( أنليل )، فاخلقي الآن غريماً له يضارعه في قوة اللب والعزموليكونا في صراع مستديم لتنال (أوروك) السلام والراحة.
حالما سمعت (أوروك) ذلك تصورت في لبها صورة لآنو وغسلت (أورورو) يديها وأخذت قبضة من طين ورمتها فيالبرية وفي البرية خلقت (أنكيدو) الصنديد، نسل نينورتا القوي يكسو الشعر جسمه، وشعررأسه كشعر المرأة. ونمت فروع شعر رأسه جدائل متوجة كشعر نصابا. لا يعرف الناس ولاالبلاد ويلبس لباساً مثل سموقان ومع الظباء يأكل العشب ويستقي مع الحيوان من مواردالماء…….
ويستدرج أنكيدو، بعد أن تفشل محاولات صيده من قبل الصيادين إلىالمدينة بواسطة العاهرة (شموخة) وهناك تجري مصارعة عنيفة بين البطلين ينتصر فيهاجلجامش فيعترف هذا بقوة غريمه فتنشأ بينهما صداقة.
ويبدأن فيما بعدبمغامراتهما في غابة الأرز المسحورة التي يحرسها العفريت خمبابا. وهناك ينتصران علىخمبابا بمعاونة الإله (شمش) ويعودان إلى أوروك والبهجة تغمر قلبيهما. وتحاول عشتارأن تغريه لتجعل منه زوجها. إلا أنه يرفض ذلك لأنه يعرف المصائر التي آل إليها عشاقعشتار. وراح يحتقرها بالكلمات التالية:
أي خير سأناله إذا أخذتك (زوجة) ؟؟،أنتِ ! ما أنتِ إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد، أنتِ كالباب الخلفي لا يحفظ منريح ولا من عاصفة، أنتِ قصر يتحطم في داخله الأبطال، أنتِ فيل يمزق (رحله)، أنتِقربة تبلل حاملها، أنتِ حجر مرمر ينهار جداره، أنتِ حجر (يشب) يستقدم العدو ويغريه؟وأنتِ نعل يقرص قدم منتعله. أي من العشاق الذين اخترتهم من أحببته علىالدوام؟!.
وغضبت عشتار من هذا الجواب القاسي، فالتجأت غاضبة إلـى رب السماء (آنو) راجية منه أن يخلق ثورا سماوياً يبعث الدمار على الأرض: (( أخلق لي يا أبتِ،ثوراً سماوياً ليهلك جلجامش وإذا لم تخلق لي الثور السماوي سأحطم باب العالم الأسفلوأفتحه على مصراعيه وأدعُ الموتى يقومون فيأكلون الأحياء.. ويصبح الأموات أكثرعدداً من الأحياء.. )).
واستجاب الإله لدعائها فأطلق ثور السماء الذي راحيبعث الرعب بين الناس، فاضطر جلجامش وأنكيدو لكبح جماحه:
((فطارد (أنكيدو) ثور السماء ليمسك به وأمسك به من ذيله وضبطه بكلتا يديه وجلجامش مثل قصاب ماهر طعنالثور السماوي طعنة قاتلة وغرس حسامه ما بين السنام والقرنين، وبعد أن أجهزا علىالثور السماوي اقتلعا قلبه وقرّباه إلى الإله (شمش) وسجدا له وقعد الأخوان كلاهماواستراحا.. )).
وبعد أن راحت الأحلام المرعبة التي تقلق أنكيدو ويتصور نفسهبين الموتى في العالم الأسفل، داهمه مرض سرعان ما قضى على حياته. وحزن جلجامش حزناًشديداً على صديقه وراح يبكيه:
{ اسمعوني أيها الناس من أجل أنكيدو، خلِّيوصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى، إنه الفأس التي في جنبي وقوس يدي والخنجر الذي فيحزامي والمجن الذي يدرأ عني، وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي، لقد ظهر شيطان رجيم وسرقهمني، خلِّي وأخي الأصغر الذي اقتنص ح**ر الوحش في التلال والنمور في الصحاري، (أنكيدو) صاحبي وأخي الصغير الذي اقتنص الوحش في النجاد، تغلبنا معاً على الصعابوارتقينا أعالي الجبال ومسكنا بالثور السماوي ونحرناه، قهرنا خمبابا الساكن في غابةالأرز، فأي سِنَةٍ (من النوم) هذه التي غلبتك وتمـكنت منـك؟ طـوال الظـلام فلاتسمـعني وأخذ الخوف من الموت يغزو قلب جلجامش وراح يولي وجه شطر طريق الخلود الصعب، حيث البشر العقارب يحرسون المداخل والمخارج لشمش.
وبعد الرجاء والابتهالاستطاع أن يحصل منهم على الموافقة لعبور الجبل المظلم. وبعد اجتياز المصاعبوالمخاطر الكثيرة يبلغ جلجامش هدفه ، وكان استقبال ( أتونا بشتم ) له ليس سيئاًفيسأله هذا عن سبب مجيئه ، ويجيبه جلجامش: (( صاحبي وخلّي الذي أحببته حباً جماً ،الذي رافقني في جميع الصعاب ، قد أدركه مصير البشرية ، وأنا الآن سأكون مثله فأهجعهجعة لا أقوم من بعدها أبد الدهر )) .
ويواصل جلجامش سؤاله لمعرفة سر الخلود : (( قلّ لي كيف دخلت في مجمع الآلهة ونلت الحياة " الخالدة " ؟ )) .
وبعدأن يروي له ( أتونا بشتم ) قصة الطوفان يطلب منه أن لا ينام ستة أيام وسبع ليالٍحتى ينال الحياة الخالدة ، ولكن وهو لا يزال قاعداً على عجزه إذا بسنة من النومتأخذه وتتسلط عليه كالضباب فألتفت ( أتونا بشتم ) إلى امرأته وخاطبها قائلاً :
(( انظري وتأملي هذا الرجل القوي الذي ينشد الحياة ! لقد أخذته سنة منالنوم وتسلطت عليه كالضباب )) .
فأجابت زوجة ( أتونا بشتم ) زوجها وقالت له :
(( ألمس الرجل كي يستيقظ ، ويعود أدراجه سالماً في الطريق الذي جاء منه ،ليعد إلى وطنه من الباب الذي خرج منه )) .
فأجاب ( أتونا بشتم ) امرأتهوقال لها :
(( لما كان الخداع من سمة البشرية فإنه سيخدعك . فهلمي اخبزي لهأرغفة الخبز ))
حمورابي
حمورابي هو الملك السادس في السلالةالعمورية التي حكمت بابل ، وقد حكم ما بين ( 1730 168) ق.م لمدة ثلاثين عاماً ،وأسس الإمبراطورية البابلية الأولى التي امتدت بين ما يسمى الآن (الخليج العربي) إلى ديار بكر، ومن جبال زاغروس إلى البحر الأبيض المتوسط .
وكان حمورابيملكاً حاذقاً على مستوى كبير من الدهاء والسياسة والقوة العسكرية ، وقي أيامحمورابي أصبح الإله مردوخ أهم إله بابلي ، وارتقت الآداب والعلوم والفنون إلىذروتها. ولعل أهم ما أشتهر به حمورابي شريعته المعروفة التي وجدت مدونة على مسلة منالديورانت الأسطواني الشكل والتي اكتشفت في سوس عام (1901-1902)م وهي الآن محفوظةفي متحف اللوفر.
وكان العيلاميون قد نقلوها من بابل إلى عيلام حوالي عام 1100ق.م فيما نقل من غنائم الحرب آنذاك. وفي أعلى هذه المسلة نقش بارز يمثل الإلهشمش إله العدالة وهو يملي شريعته على حمورابي الذي يظهر واقفاً في خشوع للدلالة علىأن نصوص الشريعة هي من كلام الإله.
يقول /ول ديورانت/ أن هذه القوانين رتبتترتيباً يكاد يكون هو الترتيب العلمي الحديث ، فقسمت إلى قوانين خاصة بالأملاكالمنقولة ، وبالأملاك العقارية ، وبالتجارة ، وبالصناعة ، وبالأسرة وبالأضرارالجسمية وبالعمل. أن هذه القوانين تكون في مجموعها شريعة أكثر رقياً وأكثر تمدناًمن الشرائع الأخرى. وقل أن يجد الإنسان في تاريخ الشرائع كله ألفاظاً أرق وأجمل منالألفاظ التي يختتم بها البابلي العظيم شريعته وهي: (( إن الشرائع العادلة التي رفعمنارها الملك الحكيم حمورابي ، والتي قام بها في الأرض دعائم ثابتة وحكومة طاهرةصالحة.. أنا الحاكم الحفيظ الأمين عليها. في قلبي حملت أهل سومر وأكد. وبحكمتيقيدتهم ، حتى لا يظلم الأقوياء الضعفاء ، وحتى ينال العدالة اليتيم والأرملة ،فليأت إي إنسان مظلوم له قضية أمام صورتي أنا ملك العدالة ، وليقرأ النقش الذي علىأثري هذا يكون هادياً له في قضيته ، ولعله يفهم منه حالته! ولعله يريح قلبه ويقول: حقاً إن حمورابي حاكم كالوالد الحق لشعبه ، لقد جاء بالرخاء إلى شعبه مدى الدهر كله، وأقام على الأرض حكومة طاهرة صالحة ، ولعل الملك الذي يكون في الأرض فيما بعد وفيالمستقبل يرعى ألفاظ العدالة الذي نقشتها على أثري )).
الحضارةالآشورية ( ما قبل الميلاد )
المؤسسات الآشورية :
1 ـ الجيش :
كان الملك يسير في المعركة في طليعة جيشه ولباسه تنورة وعلى كتفه اليسرىقطعة من نسيج أو جلد ماعز وكانت تقي رأسه خوذة مخروطية الشكل تطول فتغطي رقبته , سواء نازل الملك خصمه مترجلاً أو مستقلاً عربته فالرمح كان سلاحه .
كانالجنود على عدة أنواع منها : جنود الصدام وعلى رأسهم الملك مترجلا وهم الذينينازلون العدو وكان الهجوم على شكل صفوف منتظمة كل صف من سبعة أنفار واحد منهم يحملسلاح الدفاع وهو درع كبير مستطيل الشكل ويحمل كل من الستة الباقون رمحاً , أماالنوع الثاني من الجنود هم جنود المطاردة وهم الذين خلف الملك المستقل عربته كانوايطاردون العدو وهم مسلحون بالفؤوس والحراب فإذا انتهى القتال وكان النصر حليف الملكأمر بذبح عجل إبتهاجاً بهذا الفوز العظيم .
وكان جنود الفرق الثقيلة منالمشاة يغطون رؤوسهم بخوذ مخروطية الشكل ولكل منها دفتان أماميتان لحماية الأذانويلبسون فوق ستراتهم دروعاً محبوكة من الصدف ويحتذون جزمات عالية مشدودة بسيور منالجلد وكانت هذه الفرق تتألف من نبالين ورماحين وكانت رماحهم طويلة ويلبسون دروعاًمنها ما هو مصنوع من المعدن ومنها ما هو مصنوع من الخيزران .
الخيالة : كانسلاحهم رماح قصيرة وكان لكل فارس خادم راكب مثله على الجواد ومهمته قيادة جوادالفارس إبان المعركة ولكن مع تطور فن ركوب الخيل اختفى خادم الفارس .
كمااستخدم الآشوريون في الحرب المركبة وكانت تتألف نم دواليب ضخمة وصندوق خشبي مزخرفمرتكز مباشرة على محور الدواليب وكان يجره خيلين أو أكثر وكان يستقل المركبة ثلاثةرجال : سائق المركبة ـ ومقاتل إما بالرمح أو بالقوس وثالث يحمي صاحبيه بترسه .
2 ـ الأسرة :
في المجتمع الآشوري كانت الأسرة منذ أقدم العصور تقومعلى دعامة متينة من الوحدة الزوجية الملطفة فلم يكن يحق للرجل أن يتزوج أكثر منامرأة واحدة وإن تعدد الزوجات لم تقره الشريعة باعتبار أن الرجل لا يستطيع معاملةامرأتين معاملة واحدة .
وكان الزواج يعتمر على وثيقة مدونة ويحدد فيها الزوجأمام شهود حقوق الزوجة والتزاماتها ومقدار المال الذي ينبغي أن يدفعه لها الزوج عندتخليه عنها ونوع العقاب الذي تتعرض له المرأة عند خروجها عن الأمانة الزوجية .
وكان الزوج هو الذي يملأ سائر شروط العقد الزوجي على أنه كان لا بد من عقداتفاق بين الزوج وذوي الفتاة قبل تدوين هذا العقد . تعقد الخطوبة في حفلة يصبالخطيب أثنائها العطور على رأس الخطيبة ويقدم إليها الحلي وبعض النفقة ومنذ تلكاللحظة تأخذ الفتاة بالانتساب إلى أسرة خطيبها .
3 ـ التشريع :
أهمالاكتشافات في التشريع هو العثور على مجموعة حمورابي القانونية ويطلق هذا الاسم علىقطعة من الصخر مزخرفة بنقش بارز يمثل شمش إله الشمس رب العدالة وهو يملي علىحمورابي الأحكام العادلة ونصوص هذه الشريعة محفورة على مدار هذا الحجر ويضم تقريباً ( 250 ) مادة تشريعية .
وإن قانون العقوبات الآشوري يتقاضى على العموم إثباتالجريمة بالدليل الحسي ومن جملة العقوبات التي يمكن إنزالها بالمجرم ـ الموت ـالتمثيل بالمجرم ببتر عضو أو أكثر من أعضائه ـ الغرامة النقدية ـ الضرب بالعصاوالسخرة .
4 ـ التنظيم الاقتصادي :
البيع والشراء :
كان البيعفي آشور نقداً بالفضة أو الرصاص أو البرونز فإن لم يقبض البائع ثمن السلعة كاملاًأعطى المشتري سند قبض بالثمن كله وأخذ منه سند دين بالقيمة الباقية .
إن سندالبيع يبتدئ بالإشارة إلى ختم البائع أو إلى اظفر إبهامه ثم ينتقل إلى التعريفتعريفاً كاملاً ومفصلاً بالسلعة المباعة وثمنها بالكامل وإن السلعة قد أصبحت فيحوزة المشتري ولم يبق ثمة مجال للجدل أو المساومة ويلي ذلك البند الجزائي وينتهيسند البيع بتعداد أسماء الشهود وترقيمه بتاريخ النهار الذي نظم به .
برج بابل
أسطورة أم ... حقيقة
ـ تعارف الأقدمون علىإن عجائب الدنيا سبع... وبرج بابل احد هذه العجائب .
وأول ذكر ورد لبرج بابلما جاء في سفر التكوين : (( وكانت الأرض كلها لساناً واحداً , ولغة واحدة , وحدث فيارتحالهم شرقاً إنهم وجدوا بقعة , في أرض (( شيفار )) وسكنوا هناك . وقال بعضهملبعض : (( هلم نضع لبناً , ونشويه شياً )) فكان لهم اللبن مكان الحجر , وكان لهمالحمر مكان الطين .
وقالوا : (( هلم نبن لأنفسنا مدينة و (( برجاً )) رأسهبالسماء , ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه الأرض , فنزل الرب لينظر الىالمدينة , والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما )) وقال الرب : (( هو ذا شعب واحد , ولسان واحد لجميعهم , وهذا ابتداؤهم بالعمل , والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أنيعملوه . هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم , حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض . )) فبددهمالرب ,من هناك , على وجه كل الأرض, فكفوا عن بنيان المدينة , لذلك دعي اسمها (( بابل )) لأن الرب , هناك بلبل لسان كل الأرض , ومن هناك , بددهم الرب على وجه كلالأرض )) .
قصة معادة ...
ولكن , على مر العصور , نجد أن هذه القصة ـقصة هذا الإنسان الباني الذي تحدى الإله الخالق ـ لم تلبث أن أعيدت , وتكررتإعادتها , بحسب نزعة كل عصر من العصور.
ففي العصور الوسطى , كان المغزىالخلقي السائد هو أن الكبرياء تسبق السقوط , وفي عصر النهضة الملأ بالحركة , الواثقة بنفسها , كانت هذه القصة رمزا لتمجيد البطولة , والطموح الإنساني , وفي عصرغزو الفضاء وانشطار الذرة , كان بإمكان هذه القصة أن تعبر عن شك جديد في النتائجالعلمية التي توصل إليها الإنسان .
كما أن هذه القصة ـ دون سواها من القصص , قد أوحت الى الفنانين بالكثير , منها ما يمثل برج بابل في اعتلائه , ومنها ما يمثلالبرج , وقد صار صعيداً جرزا .
وهكذا ظلت هذه القصة موضوعاً خصيباً يوحيبالإبداع والاختراع , فهل , يا ترى , ترمز الى الطموح الإنساني الدافق بدون انقطاع ,الذي يهدف الى خلق عمارات عالية , ما شاء لها العلو , خالدة ما شاء لها الخلود؟
أم , يا ترى , تعطينا الصورة الخفية لألوف العمال الذين وجدوا أنفسهم , فجأة , غير متفاهمين , ينطقون بلغات متعددة , وألسن غير موحدة ؟
ومهما كانالأمر, فإن قصة برج بابل تعبر عن الخيال الفني , وتخلق صور شتى لذلك البرج , يتبارىالفنانون في تصويرها , كل بحسب موهبته ! فبعضهم يرى في البرج تجسيداً سابقاً لبرج (( بيزا )) المائل .وبعضهم يرى فيه نضداً مرصوفاً بحجارة مصفوفة .وبعضهم يرى فيهشبه قطعة حلوى تهدى في الأعراس . وبعضهم ـ وهم قلة ـ يحاولون أن يعرفوا ـ من خلالوصفه ـ حقيقة هذا البرج .
وصف هيرودوت للبرج ...
من هذه الرؤى قصةالاسكندر الكبير الذي اكتشف خرائب هذا البرج , فأراد استعادة بنائه , وسخر لذلكعشرة آلاف عامل . ولكن العمل توقف بعد موت الاسكندر .
وفي سنة 332 ق.م وردعلينا وصف آخر للبرج ’ اشتهر بقدمه , لصاحبه المؤرخ اليوناني الشهير (( هيرودوت )) . وهو وصف يعود تاريخه الى سنة 460 ق.م , حين زار هذا المؤرخ مدينةبابل.
ومما ورد فيه:
(( وفي وسط الهيكل , برج مرصوف بالحجارة , قامعليه : طوله يبلغ 190 متراً , وعرضه أكبر من طوله . وعلى هذا البرج يمتد برج آخر, وفوق هذا البرج برج سواه , حتى يصل العدد سبعة أبراج , برجاً على برج . وبالإمكانالصعود الى هذه الأبراج بواسطة درج حلزوني , يلتف بعضه على بعض )).
هذهالمقالة عن مجلة العربي الكويتية العدد 172 آذار 1973
بقلم : خليلالهنداوي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لم تأخذملحمة جلجامش شكلها النهائي ، ويُحتمل أن أحد الشعراء العباقرة قد استطاع أن يعيدصياغة الملحمة من جديد في نهاية الألف الثاني بحيث أصبحت كما هي عليه الآن ذاتمحتوى وشكل موحدين .
و ككـل الأبطـال العظـام جـرت أحـداث غيـر اعتياديـةعنـد ميـلاد جلجامش.
كان جده يخشى تاجه نتيجة تنبؤ، فألقى بحفيده من علىبرج، إلا أن صقراً قد لقفه وأخذه إلى بستان ليربيه، ولكن التنبؤ يتحقق رغم كل شيء ،حيث ينتصر جلجامش الفتى على جده وينصب نفسه ملكاً على أوروك . لقد كان البطل الفتىظاهرة رائعة :
(( بعد أن خلق جلجامش ، وأحسن الإله العظيم خلقه، جعل الآلهةالعظام صورة جلجامش كاملة تامة. كان طوله أحد عشر ذراعاً وعرض صدره تسعـةأشبـار…ثلثان منـه إله ، ثلثه الأخـر نسـر. وهيئـة جسمـه لا نظيـرلهـا)).
أجل كان جلجامش ملكاً صارماً. وشكى أهل أوروك بأنه يرسلهم إلى جبهاتالقتال ولا يدعهم في الهدوء والاستقرار لحظة واحدة. وعليهم جميعاً أن يعملوا فيبناء سور المدينة. وبلغت شكواهم رب السماء آنوا. وبمساعـدة الإلهة ( أرورو ) تـمخلق بطـل قوي باسـم أنكيدو.
وأخيراً سمع الإله شكواهم فاستدعى آلهة السماءرب (( أوروك )) (وقالوا لها) : ألم تخلقِِ أنتِ هذا الوحش الجبّار؟ الذي لا يضاهيفتك أسلحته سلاح آخر، والذي تستيقظ رعيته على ضربات الطبل، جلجامش الذي لم يتركابناً طليقاً لابنه وما فتى يضطهد الناس بمظالمه ليل نهار على أنه هو (راعي) أوروك،السور والحمى، هو راعيهم ولكنه يضطهدهم، وهو قوي جميل وحكيم. ولما أستمـع ( أنـو ) الجـليل إلـى شكـواهـم دعـوا أوروك العظــيمة وقالـوا لها : يا (أوروك) ، أنت التيخلقتِ هذا الرجل بأمر ( أنليل )، فاخلقي الآن غريماً له يضارعه في قوة اللب والعزموليكونا في صراع مستديم لتنال (أوروك) السلام والراحة.
حالما سمعت (أوروك) ذلك تصورت في لبها صورة لآنو وغسلت (أورورو) يديها وأخذت قبضة من طين ورمتها فيالبرية وفي البرية خلقت (أنكيدو) الصنديد، نسل نينورتا القوي يكسو الشعر جسمه، وشعررأسه كشعر المرأة. ونمت فروع شعر رأسه جدائل متوجة كشعر نصابا. لا يعرف الناس ولاالبلاد ويلبس لباساً مثل سموقان ومع الظباء يأكل العشب ويستقي مع الحيوان من مواردالماء…….
ويستدرج أنكيدو، بعد أن تفشل محاولات صيده من قبل الصيادين إلىالمدينة بواسطة العاهرة (شموخة) وهناك تجري مصارعة عنيفة بين البطلين ينتصر فيهاجلجامش فيعترف هذا بقوة غريمه فتنشأ بينهما صداقة.
ويبدأن فيما بعدبمغامراتهما في غابة الأرز المسحورة التي يحرسها العفريت خمبابا. وهناك ينتصران علىخمبابا بمعاونة الإله (شمش) ويعودان إلى أوروك والبهجة تغمر قلبيهما. وتحاول عشتارأن تغريه لتجعل منه زوجها. إلا أنه يرفض ذلك لأنه يعرف المصائر التي آل إليها عشاقعشتار. وراح يحتقرها بالكلمات التالية:
أي خير سأناله إذا أخذتك (زوجة) ؟؟،أنتِ ! ما أنتِ إلا الموقد الذي تخمد ناره في البرد، أنتِ كالباب الخلفي لا يحفظ منريح ولا من عاصفة، أنتِ قصر يتحطم في داخله الأبطال، أنتِ فيل يمزق (رحله)، أنتِقربة تبلل حاملها، أنتِ حجر مرمر ينهار جداره، أنتِ حجر (يشب) يستقدم العدو ويغريه؟وأنتِ نعل يقرص قدم منتعله. أي من العشاق الذين اخترتهم من أحببته علىالدوام؟!.
وغضبت عشتار من هذا الجواب القاسي، فالتجأت غاضبة إلـى رب السماء (آنو) راجية منه أن يخلق ثورا سماوياً يبعث الدمار على الأرض: (( أخلق لي يا أبتِ،ثوراً سماوياً ليهلك جلجامش وإذا لم تخلق لي الثور السماوي سأحطم باب العالم الأسفلوأفتحه على مصراعيه وأدعُ الموتى يقومون فيأكلون الأحياء.. ويصبح الأموات أكثرعدداً من الأحياء.. )).
واستجاب الإله لدعائها فأطلق ثور السماء الذي راحيبعث الرعب بين الناس، فاضطر جلجامش وأنكيدو لكبح جماحه:
((فطارد (أنكيدو) ثور السماء ليمسك به وأمسك به من ذيله وضبطه بكلتا يديه وجلجامش مثل قصاب ماهر طعنالثور السماوي طعنة قاتلة وغرس حسامه ما بين السنام والقرنين، وبعد أن أجهزا علىالثور السماوي اقتلعا قلبه وقرّباه إلى الإله (شمش) وسجدا له وقعد الأخوان كلاهماواستراحا.. )).
وبعد أن راحت الأحلام المرعبة التي تقلق أنكيدو ويتصور نفسهبين الموتى في العالم الأسفل، داهمه مرض سرعان ما قضى على حياته. وحزن جلجامش حزناًشديداً على صديقه وراح يبكيه:
{ اسمعوني أيها الناس من أجل أنكيدو، خلِّيوصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى، إنه الفأس التي في جنبي وقوس يدي والخنجر الذي فيحزامي والمجن الذي يدرأ عني، وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي، لقد ظهر شيطان رجيم وسرقهمني، خلِّي وأخي الأصغر الذي اقتنص ح**ر الوحش في التلال والنمور في الصحاري، (أنكيدو) صاحبي وأخي الصغير الذي اقتنص الوحش في النجاد، تغلبنا معاً على الصعابوارتقينا أعالي الجبال ومسكنا بالثور السماوي ونحرناه، قهرنا خمبابا الساكن في غابةالأرز، فأي سِنَةٍ (من النوم) هذه التي غلبتك وتمـكنت منـك؟ طـوال الظـلام فلاتسمـعني وأخذ الخوف من الموت يغزو قلب جلجامش وراح يولي وجه شطر طريق الخلود الصعب، حيث البشر العقارب يحرسون المداخل والمخارج لشمش.
وبعد الرجاء والابتهالاستطاع أن يحصل منهم على الموافقة لعبور الجبل المظلم. وبعد اجتياز المصاعبوالمخاطر الكثيرة يبلغ جلجامش هدفه ، وكان استقبال ( أتونا بشتم ) له ليس سيئاًفيسأله هذا عن سبب مجيئه ، ويجيبه جلجامش: (( صاحبي وخلّي الذي أحببته حباً جماً ،الذي رافقني في جميع الصعاب ، قد أدركه مصير البشرية ، وأنا الآن سأكون مثله فأهجعهجعة لا أقوم من بعدها أبد الدهر )) .
ويواصل جلجامش سؤاله لمعرفة سر الخلود : (( قلّ لي كيف دخلت في مجمع الآلهة ونلت الحياة " الخالدة " ؟ )) .
وبعدأن يروي له ( أتونا بشتم ) قصة الطوفان يطلب منه أن لا ينام ستة أيام وسبع ليالٍحتى ينال الحياة الخالدة ، ولكن وهو لا يزال قاعداً على عجزه إذا بسنة من النومتأخذه وتتسلط عليه كالضباب فألتفت ( أتونا بشتم ) إلى امرأته وخاطبها قائلاً :
(( انظري وتأملي هذا الرجل القوي الذي ينشد الحياة ! لقد أخذته سنة منالنوم وتسلطت عليه كالضباب )) .
فأجابت زوجة ( أتونا بشتم ) زوجها وقالت له :
(( ألمس الرجل كي يستيقظ ، ويعود أدراجه سالماً في الطريق الذي جاء منه ،ليعد إلى وطنه من الباب الذي خرج منه )) .
فأجاب ( أتونا بشتم ) امرأتهوقال لها :
(( لما كان الخداع من سمة البشرية فإنه سيخدعك . فهلمي اخبزي لهأرغفة الخبز ))
حمورابي
حمورابي هو الملك السادس في السلالةالعمورية التي حكمت بابل ، وقد حكم ما بين ( 1730 168) ق.م لمدة ثلاثين عاماً ،وأسس الإمبراطورية البابلية الأولى التي امتدت بين ما يسمى الآن (الخليج العربي) إلى ديار بكر، ومن جبال زاغروس إلى البحر الأبيض المتوسط .
وكان حمورابيملكاً حاذقاً على مستوى كبير من الدهاء والسياسة والقوة العسكرية ، وقي أيامحمورابي أصبح الإله مردوخ أهم إله بابلي ، وارتقت الآداب والعلوم والفنون إلىذروتها. ولعل أهم ما أشتهر به حمورابي شريعته المعروفة التي وجدت مدونة على مسلة منالديورانت الأسطواني الشكل والتي اكتشفت في سوس عام (1901-1902)م وهي الآن محفوظةفي متحف اللوفر.
وكان العيلاميون قد نقلوها من بابل إلى عيلام حوالي عام 1100ق.م فيما نقل من غنائم الحرب آنذاك. وفي أعلى هذه المسلة نقش بارز يمثل الإلهشمش إله العدالة وهو يملي شريعته على حمورابي الذي يظهر واقفاً في خشوع للدلالة علىأن نصوص الشريعة هي من كلام الإله.
يقول /ول ديورانت/ أن هذه القوانين رتبتترتيباً يكاد يكون هو الترتيب العلمي الحديث ، فقسمت إلى قوانين خاصة بالأملاكالمنقولة ، وبالأملاك العقارية ، وبالتجارة ، وبالصناعة ، وبالأسرة وبالأضرارالجسمية وبالعمل. أن هذه القوانين تكون في مجموعها شريعة أكثر رقياً وأكثر تمدناًمن الشرائع الأخرى. وقل أن يجد الإنسان في تاريخ الشرائع كله ألفاظاً أرق وأجمل منالألفاظ التي يختتم بها البابلي العظيم شريعته وهي: (( إن الشرائع العادلة التي رفعمنارها الملك الحكيم حمورابي ، والتي قام بها في الأرض دعائم ثابتة وحكومة طاهرةصالحة.. أنا الحاكم الحفيظ الأمين عليها. في قلبي حملت أهل سومر وأكد. وبحكمتيقيدتهم ، حتى لا يظلم الأقوياء الضعفاء ، وحتى ينال العدالة اليتيم والأرملة ،فليأت إي إنسان مظلوم له قضية أمام صورتي أنا ملك العدالة ، وليقرأ النقش الذي علىأثري هذا يكون هادياً له في قضيته ، ولعله يفهم منه حالته! ولعله يريح قلبه ويقول: حقاً إن حمورابي حاكم كالوالد الحق لشعبه ، لقد جاء بالرخاء إلى شعبه مدى الدهر كله، وأقام على الأرض حكومة طاهرة صالحة ، ولعل الملك الذي يكون في الأرض فيما بعد وفيالمستقبل يرعى ألفاظ العدالة الذي نقشتها على أثري )).
الحضارةالآشورية ( ما قبل الميلاد )
المؤسسات الآشورية :
1 ـ الجيش :
كان الملك يسير في المعركة في طليعة جيشه ولباسه تنورة وعلى كتفه اليسرىقطعة من نسيج أو جلد ماعز وكانت تقي رأسه خوذة مخروطية الشكل تطول فتغطي رقبته , سواء نازل الملك خصمه مترجلاً أو مستقلاً عربته فالرمح كان سلاحه .
كانالجنود على عدة أنواع منها : جنود الصدام وعلى رأسهم الملك مترجلا وهم الذينينازلون العدو وكان الهجوم على شكل صفوف منتظمة كل صف من سبعة أنفار واحد منهم يحملسلاح الدفاع وهو درع كبير مستطيل الشكل ويحمل كل من الستة الباقون رمحاً , أماالنوع الثاني من الجنود هم جنود المطاردة وهم الذين خلف الملك المستقل عربته كانوايطاردون العدو وهم مسلحون بالفؤوس والحراب فإذا انتهى القتال وكان النصر حليف الملكأمر بذبح عجل إبتهاجاً بهذا الفوز العظيم .
وكان جنود الفرق الثقيلة منالمشاة يغطون رؤوسهم بخوذ مخروطية الشكل ولكل منها دفتان أماميتان لحماية الأذانويلبسون فوق ستراتهم دروعاً محبوكة من الصدف ويحتذون جزمات عالية مشدودة بسيور منالجلد وكانت هذه الفرق تتألف من نبالين ورماحين وكانت رماحهم طويلة ويلبسون دروعاًمنها ما هو مصنوع من المعدن ومنها ما هو مصنوع من الخيزران .
الخيالة : كانسلاحهم رماح قصيرة وكان لكل فارس خادم راكب مثله على الجواد ومهمته قيادة جوادالفارس إبان المعركة ولكن مع تطور فن ركوب الخيل اختفى خادم الفارس .
كمااستخدم الآشوريون في الحرب المركبة وكانت تتألف نم دواليب ضخمة وصندوق خشبي مزخرفمرتكز مباشرة على محور الدواليب وكان يجره خيلين أو أكثر وكان يستقل المركبة ثلاثةرجال : سائق المركبة ـ ومقاتل إما بالرمح أو بالقوس وثالث يحمي صاحبيه بترسه .
2 ـ الأسرة :
في المجتمع الآشوري كانت الأسرة منذ أقدم العصور تقومعلى دعامة متينة من الوحدة الزوجية الملطفة فلم يكن يحق للرجل أن يتزوج أكثر منامرأة واحدة وإن تعدد الزوجات لم تقره الشريعة باعتبار أن الرجل لا يستطيع معاملةامرأتين معاملة واحدة .
وكان الزواج يعتمر على وثيقة مدونة ويحدد فيها الزوجأمام شهود حقوق الزوجة والتزاماتها ومقدار المال الذي ينبغي أن يدفعه لها الزوج عندتخليه عنها ونوع العقاب الذي تتعرض له المرأة عند خروجها عن الأمانة الزوجية .
وكان الزوج هو الذي يملأ سائر شروط العقد الزوجي على أنه كان لا بد من عقداتفاق بين الزوج وذوي الفتاة قبل تدوين هذا العقد . تعقد الخطوبة في حفلة يصبالخطيب أثنائها العطور على رأس الخطيبة ويقدم إليها الحلي وبعض النفقة ومنذ تلكاللحظة تأخذ الفتاة بالانتساب إلى أسرة خطيبها .
3 ـ التشريع :
أهمالاكتشافات في التشريع هو العثور على مجموعة حمورابي القانونية ويطلق هذا الاسم علىقطعة من الصخر مزخرفة بنقش بارز يمثل شمش إله الشمس رب العدالة وهو يملي علىحمورابي الأحكام العادلة ونصوص هذه الشريعة محفورة على مدار هذا الحجر ويضم تقريباً ( 250 ) مادة تشريعية .
وإن قانون العقوبات الآشوري يتقاضى على العموم إثباتالجريمة بالدليل الحسي ومن جملة العقوبات التي يمكن إنزالها بالمجرم ـ الموت ـالتمثيل بالمجرم ببتر عضو أو أكثر من أعضائه ـ الغرامة النقدية ـ الضرب بالعصاوالسخرة .
4 ـ التنظيم الاقتصادي :
البيع والشراء :
كان البيعفي آشور نقداً بالفضة أو الرصاص أو البرونز فإن لم يقبض البائع ثمن السلعة كاملاًأعطى المشتري سند قبض بالثمن كله وأخذ منه سند دين بالقيمة الباقية .
إن سندالبيع يبتدئ بالإشارة إلى ختم البائع أو إلى اظفر إبهامه ثم ينتقل إلى التعريفتعريفاً كاملاً ومفصلاً بالسلعة المباعة وثمنها بالكامل وإن السلعة قد أصبحت فيحوزة المشتري ولم يبق ثمة مجال للجدل أو المساومة ويلي ذلك البند الجزائي وينتهيسند البيع بتعداد أسماء الشهود وترقيمه بتاريخ النهار الذي نظم به .
برج بابل
أسطورة أم ... حقيقة
ـ تعارف الأقدمون علىإن عجائب الدنيا سبع... وبرج بابل احد هذه العجائب .
وأول ذكر ورد لبرج بابلما جاء في سفر التكوين : (( وكانت الأرض كلها لساناً واحداً , ولغة واحدة , وحدث فيارتحالهم شرقاً إنهم وجدوا بقعة , في أرض (( شيفار )) وسكنوا هناك . وقال بعضهملبعض : (( هلم نضع لبناً , ونشويه شياً )) فكان لهم اللبن مكان الحجر , وكان لهمالحمر مكان الطين .
وقالوا : (( هلم نبن لأنفسنا مدينة و (( برجاً )) رأسهبالسماء , ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه الأرض , فنزل الرب لينظر الىالمدينة , والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما )) وقال الرب : (( هو ذا شعب واحد , ولسان واحد لجميعهم , وهذا ابتداؤهم بالعمل , والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أنيعملوه . هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم , حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض . )) فبددهمالرب ,من هناك , على وجه كل الأرض, فكفوا عن بنيان المدينة , لذلك دعي اسمها (( بابل )) لأن الرب , هناك بلبل لسان كل الأرض , ومن هناك , بددهم الرب على وجه كلالأرض )) .
قصة معادة ...
ولكن , على مر العصور , نجد أن هذه القصة ـقصة هذا الإنسان الباني الذي تحدى الإله الخالق ـ لم تلبث أن أعيدت , وتكررتإعادتها , بحسب نزعة كل عصر من العصور.
ففي العصور الوسطى , كان المغزىالخلقي السائد هو أن الكبرياء تسبق السقوط , وفي عصر النهضة الملأ بالحركة , الواثقة بنفسها , كانت هذه القصة رمزا لتمجيد البطولة , والطموح الإنساني , وفي عصرغزو الفضاء وانشطار الذرة , كان بإمكان هذه القصة أن تعبر عن شك جديد في النتائجالعلمية التي توصل إليها الإنسان .
كما أن هذه القصة ـ دون سواها من القصص , قد أوحت الى الفنانين بالكثير , منها ما يمثل برج بابل في اعتلائه , ومنها ما يمثلالبرج , وقد صار صعيداً جرزا .
وهكذا ظلت هذه القصة موضوعاً خصيباً يوحيبالإبداع والاختراع , فهل , يا ترى , ترمز الى الطموح الإنساني الدافق بدون انقطاع ,الذي يهدف الى خلق عمارات عالية , ما شاء لها العلو , خالدة ما شاء لها الخلود؟
أم , يا ترى , تعطينا الصورة الخفية لألوف العمال الذين وجدوا أنفسهم , فجأة , غير متفاهمين , ينطقون بلغات متعددة , وألسن غير موحدة ؟
ومهما كانالأمر, فإن قصة برج بابل تعبر عن الخيال الفني , وتخلق صور شتى لذلك البرج , يتبارىالفنانون في تصويرها , كل بحسب موهبته ! فبعضهم يرى في البرج تجسيداً سابقاً لبرج (( بيزا )) المائل .وبعضهم يرى فيه نضداً مرصوفاً بحجارة مصفوفة .وبعضهم يرى فيهشبه قطعة حلوى تهدى في الأعراس . وبعضهم ـ وهم قلة ـ يحاولون أن يعرفوا ـ من خلالوصفه ـ حقيقة هذا البرج .
وصف هيرودوت للبرج ...
من هذه الرؤى قصةالاسكندر الكبير الذي اكتشف خرائب هذا البرج , فأراد استعادة بنائه , وسخر لذلكعشرة آلاف عامل . ولكن العمل توقف بعد موت الاسكندر .
وفي سنة 332 ق.م وردعلينا وصف آخر للبرج ’ اشتهر بقدمه , لصاحبه المؤرخ اليوناني الشهير (( هيرودوت )) . وهو وصف يعود تاريخه الى سنة 460 ق.م , حين زار هذا المؤرخ مدينةبابل.
ومما ورد فيه:
(( وفي وسط الهيكل , برج مرصوف بالحجارة , قامعليه : طوله يبلغ 190 متراً , وعرضه أكبر من طوله . وعلى هذا البرج يمتد برج آخر, وفوق هذا البرج برج سواه , حتى يصل العدد سبعة أبراج , برجاً على برج . وبالإمكانالصعود الى هذه الأبراج بواسطة درج حلزوني , يلتف بعضه على بعض )).
هذهالمقالة عن مجلة العربي الكويتية العدد 172 آذار 1973
بقلم : خليلالهنداوي