[size=21]من كتاب
يوسف موسى خنشت
العُرس
كان محتوماً على
من يعمل العرس في ذلك العهد أن يجعل موعده بين كانون أول وشباط . لأن
الناس يكونون أوانئذٍ قد فرغوا من جميع أشغالهم الزراعية ومن تأمين ما
يحتاجون إليه من المؤونة لقضاء فصل الشتاء , فيمسي البيت ذاخراً بالأشياء
التي يجب أن تبذل في الأعراس , ويكون في استطاعة الناس أن يشتركوا في
الأفراح التي تـُقام في البلد , بدون أن يستهدفوا لضياع شئ من أشغالهم .
فيكون العرس حافلاً بالأهل والأقارب والأصحاب وسائر أهل البلد , من مسيحيين
ومسلمين , وكلٌّ منهم يشعر بما يجب عليه ليحافظ على اتقان أفراح هذا العرس
. ولما كانت جبال القلمون في تلك الأيام لا تزال سائدة فيها السذاجة
والبساطة , وأبوابها مغلقة بوجه كل تمدن حديث , ظلَّ أهلوها محافظين على
عوائدهم القديمة لا يعرفون واسطة للفرح والإنبساط إلا الأعراس . فيهبون
للتمتع بأفراحها بشوق وصدق وإخلاص .
فيشمل الفرح
عامة الأهالي , كأن العرس لكل واحد منهم . ولم تكن الأعراس بالأمر الهين
الذي يُـقـْضَى في وقت يسير , بل كانت تستغرق مدة من الزمان لا تنقص عن
الشهر , تـُقـْضَى ما بين مذاكرات ومداولات واستعدادات للأفراح المقبلة على
الشكل الآتي :
المَشُوْرَة
الصَّغِيْرَة
تبدأ المذاكرة
بين أهل العروسين قبل العرس بعشرة أيام . فيعينون موعده . فيدعو أبو العريس
عندئذٍ أهله وأقرباءَه الأخصّاء ليلاً , ويخبرهم بتقرير موعد العرس ,
ويستشيرهم ليرى هل يجب أن يعملوا العرس كبيراً أم صغيراً . فإذا قرَّ رأيهم
على أن يكون كبيراً اغتنموا هذه الفرصة ليصالحوا كل من كان معهم على شئ من
الشقاق والنفور , لكي يشترك جميع أهل البلد في الأفراح . ويعينون يوماً
يُدعَى فيه مشايخ البلد ووجهاؤها والأقارب والأصحاب للمشورة الكبيرة .
المَشُوْرَة
الكَبِيْرَة
تتوارد الناس
صباح اليوم المعيَّن إلى بيت العريس بدعوة منه . ويجلسون في غرفة كبيرة قام
في زاويتها موقد قد صُـفـَّـت عليه أباريق القهوة والشاي الحلبي , كما
ذكرنا قبلاً . وبعد ما يكمل عدد الجمهور وتدار عليهم القهوة والشاي مراراً ,
يسأل الشيخ الوجيه بينهم أبا العريس قائلاً : (( يا أبا فلان , الله
يصبّحك بالخير . دَعَوتـَنا لمنزلك العامر وها نحن قد لبينا دعوتك فماذا
تريد منا ؟ )) .
فيجيبه أبو
العريس : (( أهلاً وسهلاً بكم . شرفتونا والنوبة حلت البركة . بدنا
نستـِّـر هالصبي ( ويعني بذلك أنه يريد أن يزوج ابنه ) . عقبال الأفراح
عندكم جميعاً . والرجل لا يقدر على القيام بأمر ما بدون أهله . وأريد أن
تمدّونا برأيكم ليتم هذا الشئ بمعرفتكم ورضاكم جميعاً . لأن الأفراح لا تتم
إلا بأهلها ( ويشير بيده إلى الحضور ) . وأنا بدونكم لا أقدر على شئ ))
فيجيبه الحضور :
(( كلنا قدَّامك وبخدمتك يا أبا فلان . وأنت صاحب الفضل على الجميع . وما
يصعب عليك يهون علينا إن شاء الله )) . فيجيبهم : (( بارك الله فيكم . وإن
شاء الله نكافيكم بيوم الأفراح عندكم )) .
فيسأله الشيخ :
(( هل تريد أن تعمل عرساً كبيراً أم صغيراً ؟ )) فيجيبه : (( أنا تحت أمركم
. ولكننا أنا وأمه مشتَهين ومتشوقين أن نقيم فرحةً كبيرة في ديارنا قبل
موتنا )) . فيقول الحضور : (( نحن حاضرين والشر غايب . إبشر بكل ما تتمنى
وتريد )) .
ثم يسألونه هل
يريد أن يدعو أحداً من القرى المجاورة . فإذا أجابهم بالإيجاب عيَّـنوا
شخصين أو ثلاثة منهم لدعوة أهل القرى وأرسلوهم على الفور . ويعينون أيضاً
يوماً لجلب الحطب والشيح , وموعد دعوة العرس العامة ؟ ويكلفون لجنة من أهل
العريس مع والده لأخذ خاطر الحزانى في البلد . ومن العادات التي كانت جارية
حينئذٍ أنه إذا توفي أحد من الأهالي أيام العرس , فعلى أهل العرس ان
يقوموا يتعزيتهم ويشاركوهم في حزنهم . وعلى أهل المتوفى أن يوفدوا إلى بيت
العريس من يشجعهم على المضيّ في عرسهم بقوله لهم : (( إن أفراحكم سبقت
أحزاننا . فالعريس ولدنا . والمتوفى ولدنا . فسيروا بأفراحكم على بركات
الله . فهو يُتـَمِّمُها على خير وينجينا مما هو أعظم )) .
ويتعهد المشايخ
بأن يحافظوا على الأمن والسكينة أثناء العرس ويحولوا دون وقوع مشاجرات بين
شباب الحارات . فكثيراً ما كان يحدث مثل هذه الخلافات لبعض الضغائن أو
لترهات صبيانية لا أهمية لها .
وتنتهي الشورى
ويصير وقت الغذاء فيمد السماط على الأرض في وسط الغرفة وعليه الطعام , وهو
من البرغل المطبوخ بالسمن مع اللحم , ومن الكشك المصلّح باللحم والسمن ,
والأرز المطبوخ بالحليب , والبيض المقليّ ومعه الكشك المجبول , والزيتون
والدبس والحلاوة الطحينية والجبن . فيتناول الحضور طعام الغداء ويشربون
القهوة ثم يذهب كلٌ إلى أشغاله . ويذهب كل من المكلفين الدعوة لحضور العرس
والأخذ بالخاطر وغير ذلك لقضاء العمل المفروض عليه .
وتذهب أيضاً أم
العريس وأم العروس لأخذ خاطر النساء الحزينات , ودعوة بعض العيال إلى حضور
العرس . ومن ذلك الوقت يأخذ الشباب في استعارة ألبسة العرس ممن يوجد لديه
منها , وهم المتزوجون في السنة الفائتة أو التي قبلها . وتستعير الصبايا
أيضاً (( المصاغ )) والألبسة اللازمة لهنَّ . وفي النهار نفسه تأتي النساء
القريبات إلى بيت العريس . فيخبزن الخبز الضروري اللازم للعرس , وهو لا يقل
عن أربعة أو خمسة أمداد من الطحين . ويساعدن أهل العرس على قضاء حاجاتهم ,
مُهَيئات زاداً لمن يذهب لجلب الحطب والشيح , مؤونة يوم كامل , وهي حلاوة
من الطحين المحمص بالسمن مع الدبس . فيأتي الشبان بعد العشاء ويأخذون زادهم
كل على انفراد .
جَلْب الشِّيْح
يذهب الشباب بعد
منتصف الليل إلى الجبال الشرقية حاملين بنادقهم خوفاً من غارات البدو
عليهم أولاً , ثم لكي يستعملوها عند رجوعهم من الجبال بإقامة (( العراضة ))
عند دخولهم البلد . ويرجعون عصر النهار التالي , بالشيح والحطب فيسبق واحد
منهم - بحملٍ منه ورافعاً علماً أبيض أو أحمر ويأخذه إلى بيت العروس .
فتعطيه هذه طاقية من البياض المطرَّز بالحرير الأبيض تطريزا دقيقاً جميلاً
قد امتاز به أهل النبك وجوارها , وهي مما يلبسه الشاب تحت الكوفية والعقال .
ويخبر الناس
بقرب وصول (( الحطَّـابة والشيَّـاحة )) . فيخرج الخيَّـالة بخيلهم ورماحهم
, والشبان بعراضاتهم , يضربون الطبول , ويهزجون ويحدون حداء العرب ,
والنساء بزفتهنَّ يضربن الدف ويرقصن سحجاً ويزغردنَ . ويسير الجميع بموكب
حافل إلى خارج البلد لملاقاة الحطَّـابة . ويرجعون جميعاً بعراضة ولعب خيل
وإطلاق البارود , حتى يبلغوا البلدة حيث تكون النساء على السطوح وفي
النوافذ يزغردن ويرمين على الموكب القضامة والزبيب . فعندما يصلون إلى دار
العريس يدخلون الحطب والشيح إلى البيت , ويرسلون إلى بيت (( الشيخ )) أي
المختار حملاً من الحطب وحملاً من الشيح .
ويرسل الخيالة
خيلهم إلى بيوتهم ويلتحقون بباقي الشباب فيشاركونهم في الدبكة والرقص حتى
الغروب .
حينئذٍ يقف واحد
بباب الدار يمنع الناس من الخروج قبل العشاء . فيأكلون ويعودون إلى الدبكة
والسحجة و (( التعليلة )) . وأخيراً ينصرف الشبان إلى المعاركة والمغالبة ,
بينما الرجال يستمرون على إنشاد المعنَّـى والزجل والعتابا حتى آخر الليل .
ويكون هذا النهار موعد الحمام الأول للعروس , ويسمونه (( الحمام الكدَّابي
)) وفي أثنائه ينصرف المكلفون أن يدعوا الأهالي جميعاً إلى حضور العرس ,
وقد قضوا مهمتهم . ويكلف أهل العرس لفيفاً من أقاربهم ليهتموا بتهيئة
الطعام والقيام بخدمة المدعوين على المائدة في حفلات العرس . وهؤلاء يُطلق
عليهم إسم (( الحوَّاسين )) .
وإذا اتفق أن
أحد المسلمين أَقام عرسه في أيام الصيام عند المسيحيين فعليه أن يهيّئ لهم
من المآكل ما لا يفسد عليهم صيامهم . وكذلك إذا اتفق عرس أحد المسيحيين في
شهر رمضان فعلى صاحب العرس , أن يهيّئ طعام الفطور أي العشاء للمسلمين في
وقته تماماً , أي عند المغرب , لكي لا يجعل لهم سبباً ليتخلفوا عن حضور
العرس , ولئلا يبقى لأحد من أهالي البلدة عذر لعدم الإشتراك في الأفراح
العامة . ذلك إنهم كانوا يعتبرون العرس ناقصاً إذا لم يشترك فيه جميع أهل
البلدة , ما عدا الحزانى ( أي الذين فقدوا قريباً أحد أقربائهم ) .
الذَبَاْئِح
وفي اليوم
التالي تصبح دار العريس شبيهة بمطعم , وبدارٍ للأفراح وللدبكة والرقص ,
وبمحل للألعاب الرياضية . وتصير كعبة للأهالي يجب على كلٍّ منهم أن يؤمها
ويعرض نفسه لمساعدة أهل العرس ومشاركتهم في أتعابهم كما يشاركهم في أفراحهم
. ويستثنى من ذلك المتقدمون في السن من الوجهاء البعيدي النسب .
وعلى أهل العرس
أن يجعلوه مستكمل الشروط حاوياً جميع أنواع الفرح موافقاً لأميال الجميع ,
مسلمين ومسيحيين , رجالاً ونساءً , كباراً وصغاراً , ولا سيما إذا كانوا من
الشيوخ أي المخاتير أو الأعيان أو الوجهاء المثرين .
فترى في دار
العرس الفسيحة أناساً يرقصون , وغيرهم يدبكون , وآخرين يسحجون , وشباناً
يتبارون في الألعاب الرياضية : مثل قذف الحجر , والنطّ , والمغالبة , ورفع
الأثقال , وقذف البرتقال , وغيرها . وترى الصبيان يلعبون بالكعاب والجوز و
(( الدحاحل )) أي الكرات , والبنات الصغار يلعبن بالخرز و (( الخشطبة ))
الحصى وغيرها . وترى بين الشبان واحداً مشغولاً باختيار خطيبة له , وآخر
يختبر صفات خطيبته , وغيره لا شغل له سوى الإنتقاد وملاحظة خطيبته أو
شقيقته أو إبنة عمه أو إبنة خاله لئلا تفرط إحداهن في علاقاتها الحرة .
وترى هنا بائع
البرتقال , وهناك بائع القضامة , وهنالك عطاراً وغيره من الباعة . حتى أنك
لترى الأولاد الصغار يُعدُّون بالمئات يلعبون ألعاباً متنوعة في تلك الدار
وفيما يجاورها .
وفي صباح هذا
النهار تـُذبَح الذبائح في الدار نفسها , على إطلاق البارود و (( التراويد
)) والزغاريد . ويهيأ الطعام عند أهل كلٍّ من العروسين . لأن النساء
والبنات جميعاً يأكلن في بيت العروس ما عدا نساء وبنات أهل العريس . وتذهب
النساء اللواتي يدعوهن أهل العريس مع أمه وخالته وعمته إلى بيت العروس
ليأخذنها مع الصبايا بناتهنَّ إلى الحمام الثاني (( الصحيح )) بإذنٍ من
ذويها . وعندما يصل موكبهن إلى الحمام تقف إمرأة من أخصاء بيت العريس في
مدخل الحمام حاملة الصابونة , فتعطي لكل واحدة منهن قطعة يبلغ وزنها نصف
أوقية , وتعطي العروس أربع قطع تزن الواحدة أوقية . وعند الظهر يرِدُ
الطعام إلى الحمام من بيت العريس ومن بيت العروس , لها ولكل من معها , مع
أن كل واحدة من المستحمات تأتي بطعامها من بيت أهلها أو من بيت خطيبها .
وتأخذ النساء
والبنات في تحميم العروس ويغنين لها من هذه الأغاني :
شعرك طويل أحب
النوم في ظلـُّه أحلف يمين الشتا والصيف ما حلُّـه
راح أبوكِ إلى
الباشا وبيَّـنله شعرة من البـِيْض تسوى عسكرك كلـُّه
شعرك سناسل
ذهب يحيّـر الولهان ما بين شعرة وشعرة ينبت الريحان
يسلم أبوكِ
بعزه هالرفيع الشان بَـيّ الأصيله عِـلِي شانه بكل زمان
يا عروسه يا
بيضه ويا غضه يا سمكة البحر تسبح في حوض فضه
كم قدموا ناس
إلى بيك ولم يرضى بالله اصلحوا بيننا لا عاشت البغضه
يا عروسه ما
احلى معانيكِ انتِ ذهب خاص جنس العيب ما فيكِ
انتِ أصيله
وكل الناس تشهد لك يا جنة الخلد نيال الحظي فيكِ
يا عروسه ويا
أم العيون السود يا بنت أمير العرب يال مالكيش وجود
وان كان مررتي
على بيك ويا عروس و يقول يامرحبا ها كل شي موجود
بيضه وحمره
وكرة مال حط لها والطير لو كان بأعلى الجو حط لها
مهرة أخوك على
كفي بنقلها دشرت شغلي وجيت اليوم اغسلها
ورد العرايس
عند العصر بيندّي يا بلبل الصبح عالأغصان بيهدي
أحكيكِ يا نور
العين ما تردي وحياة أبوك وأخوك تحفظي ودّي
وتظل النساء
يغنين لها من هذه الأغاني والأهازيج والزغاريد إلى أن يتم تحميمها .
الغَدَاْء
عندما يقرب
الظهر يتوارد الرجال والشبان أفواجاً إلى بيت العريس لتناول الغداء .
فتستقبلهم أربع نساء يقفن قريباً من مدخل الدار , يزغردن ويغنين لكل من
الداخلين أغنية توافق مقامه .
فيغنين للمطران
مثلاً :
أيـــــهــا
قلوستك وزرّيــه أيـــــهــا وخاتمك وقيـــــه
أيـــــهــا
بنترجاك يا سيدنا أيـــــهــا تبارك عالرعيـه
لولولوليش ( وتعاد بعد كل من الأدوار التالية )
أيها سيدنا
مبعوثَ لـيك مبعوثَ لـيـك أيـــــهــا وباعت البطرك يسلم عليك
أيـــــهــا
باعتلك بدله على طولك أيـــــهــا على طرافها صلبان تلبق عليك
أيـــــهــا
سيدنا لبقتلك البطركيه أيـــــهــا ما أحلى وقفتك بباب الملوكيه
أيـــهــا ما
أحلى وقفتك وقراية أناجيلك أيـــــهــا ياليت أمك جابت مثلك ميه
وإذا كان الداخل
من الأئمة أو من مشايخ الطرق والرؤساء الروحيين من المسلمين فتقول
المزغردات :
أيـــــهــا
شيخ فلان يا شيخ البلادِ أيــهــا سيفك مسقط بوسط الحرب بينادي
أيـــهــا كل
المشايخ لأبو فلان تشهد له أيــهــا يا سور عكا حاوي جميع البلاد
أيــهــا نحن
بني جد والشيخ علي جدنا أيــهــا نحن قبب العالية مافي حدا يهدنا
أيـهــا نحنا
أسود الكاسره ما حدا يردنا أيــهــا نحن الشيوخ الحاكمه مافي حدا قدّنا
أيــهــا شيخ
فلان هالبلاد بلادك أيــهــا انت السمرمر و العدو جرادك
أيــهــا
ناديت لك يا شيخ الله ينصرك أيــهــا يا سبع حامي سهلتك وبلادك
وإذا كان من
المخاتير المشايخ تقول له المزغردة :
أيهــا شيخ
فلان جاك الحكم من استنبول أيها مع(قبَّـه جي)ترك مصرور في ورق مصقول
أيها واللي
بتدعي على عسكرك مكسور أيها تقبر صباها ولا يرحم لها مقبور
وإذا كان من
مشايخ المسيحيين تقول له :
أيــهــا شيخ
فلان ويا شيخ النصاره أيــهــا قبضة سيوفهم فضه كساره
أيــهــا صيغ
سيوفهم وأنعم عليهم أيــهــا هما مكسبك ما هم خسارة
أيــهــا شيخ
فلان يا سياجنا أيــهــا يا ناصب الميزان يا حقاني
أيـهــا في
غيابكم تبقى البلاد مخيفة أيـهــا في حضوركم تبقى البلاد بأمانِ
وإذا كان من
موظفي الحكومة فتقول له :
أيــهــا فلان
يا سبع السرايا أيــهــا دخلت الشام رَملت الصبايا
أيــهــا سيفك
هالطويل الله يديمه أيـهـا على رقاب العدا يهري المنايا
وإذا كان من
أولاد المشايخ الشباب فتقول :
أيــهــا فلان
وأخوه أيــهــا يا لولو لضموه
أيــهــا ويا
تمر عراقي أيــهــا ومن بغداد جلبوه
وإذا كان من
الوجوه الأعيان تقول :
أيــهــا لمن
هالباب الكبير العالي أيــهــا لأبو فلان دباح الحيالِ
أيــهــا انت
الذي فضلك علينا كلنا أيــهــا من يوم كنا بالقماط صغارِ
وهكذا يغنين لكل
من الشيوخ والشبان أو الحكام ما يليق به وما يعرفنهُ من هذه الأغاني .
فمنها المديح ومنها فخر ومنها حماسة وتعديد مناقب صحيحة أو غير صحيحة ,
لكنها مجاملات يتبادلونها في مثل هذه الأوقات . فهذا سبع السرايا أو سبع
الغاب , وذاك خيال الزرقاء أو الحمره , وفلان سيفه ورمحه مشرعان , والآخر
كرَمه معروف وسفرته ممدودة ومنسفه كبير . فيدخل الزجل طروباً مترنِّحاً
معتقداً بصحة ما قالت النساء عنه فيقول لهنَّ : (( يسلم تمَـكم ( أي يسلم
فمكم ) . عقبال فرحة أولادكم والعزبان عندكم )) . ثم تدخل الغرفة التي يأكل
فيها الرجال ثلاث نساء ويأخذن يغنين لهم من الأغاني المختصة بهذا الوقت ,
وهي ترحيب وتشجيع على الأكل وإظهار لكرم صاحب العرس , كالأغاني التالية :
أيــهــا
صحتين وصحَّـه أيــهــا وأربع عوافي معها
أيــهــا
واللي ما تقول لكم صحَّـه أيــهــا جوزها يدبحها لولولوليش
أيــهــا
سفرتنا يا ام الشراشيبي أيــهــا كلما نقصتي زيدي
أيــهــا
شوباش يا سفرتنا أيــهــا ما عليكِ إلاّ الأجاويدِ لولولوليش
ويمزجن الفكاهة
بالترحيب فيقلنَ :
أيــهــا
تقاتلت أنا وحماتي أيــهــا ضربتني في الوقية
أيــهــا
تغدوا يا جماعة أيــهــا ولا تسرقوا الزبديه لولولوليش
أيــهــا أهلا
وسهلا أيــهــا وبعينكم هالكحلا
أيــهــا ويا
نخله طويله أيــهــا في باب داركم هالاعلى لولولوليش
ويكون الطعام
حينئذٍ من البيض المقلي بالسمن . وقد صب عليه الكشك المجبول بالماء , وهو
يشبه اللبن الخاثر . ومن اليقطين المطبوخ باللحم المفروم والحمص والبصل
وحامض السماق . ومن الارز بالدبس والأرز بالحليب والجبن والزيتون .
يتوارد الرجال
زرافات زرافات إلى غرفة الطعام يأكلون مما بسط في وسطها على (( شراشف )) (
سُـمُـط ) . وإذا نفد نوع من الطعام أسرع أحد القائمين بالخدمة إلى تأمين
حاجة الضيوف منه قائلاً : (( هاتوا أحمر )), فيبادروه بالأرز مطبوخاً
بالدبس . وإذا نفذ القرع نادى قائلاً : (( هاتوا حامض )) . وإذا نفذ الأرز
بالحليب هتف قائلاً : (( هاتوا أبيض )) وهكذا إلى أن يتغدى الجمهور كله .
وفي هذه الأثناء تكون الدبكات قائمة على قدمٍ وساق . ويشترك فيها الرجال
والنساء والشباب والشابات , فرقاً تتبارى لتعزيز دبكتها أو رقصتها أو
سحجتها .
مُلاَقَاْة الضِّيُوْف
وبينما هم على
ذلك يأتيهم من يخبرهم بأن أهل القرية الفلانية المدعوين جاؤوا إلى العرس .
فتعلوا التراويد والزغاريد . ويخرج جميع من في الدار من رجالٍ ونساء
لملاقاتهم إلى خارج البلدة , بعراضاتهم وزفـَّاتهم , يحدون الحداء الحماسي
ويهزجون بالترحيب ويطلقون البارود ويلعبون على الخيل حتى يلتقوا مع عراضة
الضيوف وزفتهم . فيرجعون بهم ويدعو كل من الرجال المستقبلين بعض الضيوف إلى
بيته . ويأخذ منه عربوناً على ذلك منديلاً أو عباءَةً لئلا يخلف في وعده
ويستضيف سواه . وينثنون أدراجهم إلى البلدة كما جاؤوا منها إلى أن يصلوا
إلى بيت العريس . فيتركون الهدايا من السمن والحنطة وذبائح الغنم والماعز
والحطب في بيت العريس , ويذهب كل منهم مع الذي (( استعرضه )) أي دعاه ليحل
ضيفاً في بيته وينام عنده تخفيفاً عن بيت العريس . على أن طعام الجميع يكون
من بيت العريس ظهراً ومساءً . وهكذا يستقبلون المدعوين من باقي القرى حين
يحين وقت جلب العروس من الحمام .
جَلْب العَرُوْس مِنَ الحَمَّاْم
كان الشبان
يؤلفون عراضة ويذهبون إلى الحمام بعراضتهم هذه لجلب العروس . وحينئذٍ تكتسب
الخطيبة صفة العروس الحقيقية لأنهم يلبسونها عندما تخرج من الحمام أزاراً
أبيض ويحجبون وجهها بمنديل شفاف , وتمشي إلى جانبيها النساء وأمامهن الشبان
بعراضتهم والبنات بزفتهنَّ , ويسيرون موكباً إلى دار العروس . فيرجع
الشبان إلى دار العريس , وتدخل النساء والبنات مع العروس إلى دار أهلها ,
فيدبكن وهن ينشدن الأغاني التي توافق الدبكة الهادية
مثل : قولون لـَـمْ السالف لغيرها ما وَالـَف
أو : بدي حلو وبدي مُـرّ وبدي حامض لفاني
أو : لموا العشيره واجمعوا الخلانِ يا نار قلبي والهوى رماني
أو : يا أسمر اللونِ ليش الجفا يا عيوني
وتعدّد واحدة
منهنَّ على كل أغنية ما تحفظه من نظم الأدباء . وإذا كانت من اللواتي ينظمن
فتنظم شيئاً قليلاً حتى يسترحن , ثم يغيرن الدبكة إلى أخرى مستعجلة تدعو
إلى الوثب والنط والحركة السريعة فيغنين عليها هكذا :
يا أم الحطة
حطيتي بقليبي نار
أو : ايش كلفك يا زين لوح الميجنا
أو : ورد خد المحسنه من قلـّبه غيـر أنا
أو : يا دوس عالبيدر يا شبيب يا مغـنـدر
أو : حليوه وين كنت اليوم عيونك شاردة للنوم
أو يَسْحَجُون
فيغنون :
يا شايل
الصندوق من قاعته ردوا على الصندوق صناعته
أو : برهوم وايشلك عندنا حوران والنقره لنا
أو : شايل السيف مع جوز الرداني
أو : حنا الحروب وتريد الحروبيه
أو : يا نجمة البراقه والقمر طل بساقه
وعند ذلك يتسلل
بعض الشبان ذوي النفوذ إلى ما بين النساء , هذا بحجةٍ تافهة وذاك بعذر واهٍ
فيدبكون معهن خلسةً ويرجعون إلى بيت العريس . ويظلون على هذا المنوال حتى
يتعشى رجال بيت العروس , وهم قلائل , فيكونون مثلاً عمها وخالها وأبناءهم
وبعض الأنسباء والأخصاء . فتنصرف النساء والبنات إلى تناول عشائهن مع
العروس ثم يدخلن وإياها إلى غرفة يؤلفون فيها (( تعليلة )) فيرقصن رقصاً
عربياً , أزواجاً وأفراداً , ينتظرن مجئ بيت العريس بالحنَّـاء .
أما في بيت
العريس فينصرف الشبان , بعضهم للدبكة والبعض الآخر للسَحْجة . ويأخذ
المدعوون يتوافدون إلى بيت العريس ليتناولوا طعام العشاء . فتمد السُـمُـط
ويُبسط عليها الطعام . فيتقدم الرؤساء الروحيون والضيوف والشيوخ والوجهاء
إلى غرفة الطعام حيث تكون النساء مزغردات كما في أثناء الغداء . ثم يليهم
الشبان والنساء والصبايا والأولاد . وأخيراً يصرخ رجل من أهل العريس بأعلى
صوته قائلاً مرتين أو ثلاثاً : (( الذي باقي بلا عشاء ياهو يأتي للعشاء )) .
ثم يعود ويصرخ مرتين أو أكثر : (( العيش يا جوعان )) . وعندما يفرغ الرجال
من تناول طعامهم يجلسون فر غرفة خاصة بهم يشربون القهوة والدخان ويتجاذبون
أطراف الحديث ويتذاكرون في إرسال الحنَّـاء إلى بيت العروس كالعادة ,
بينما الشبان يسترسلون في دبكاتهم ورقصاتهم إلى أن يُـعلن ميعاد إرسال
الحنَّـاء .
أخذ الحناء
ولا يكاد يُـعلن
ذلك حتى يتجمع الشباب فرقاً , ينشدون التراويد , وتزغرد النساء ويعلو
الضوضاء . ويدخل شاب إلى غرفة الرجال قائلاً : (( الذي يخف عليه يتفضل لأخذ
الحنَّـاء للعروس معنا )) . فيذهب من يشاء من الرجال . وتكون الحنَّـاء
مجبولة موضوعة في وعاء نحاس , مزينة بالشموع والإجَّاص الملكي أو الشتوي .
فيسيرون , وقد حملَت أمامهم المشاعل والأنوار , وفي مقدمتهم الضيوف ومشايخ
البلد ووجهاؤها , وراءَهم الشباب بعراضاتهم يحدون ويهزجون . وتأتي النساء
والبنات بعدهم بزفتهن , بينما المشايخ يحافظون على الأمن والسكينة خوفاً من
وقوع حادثٍ بين الشباب . وعند وصولهم بقرب دار العروس يخف أهلها , رجالاً
ونساء , لاستقبال موكب الحنَّـاء . بالزغاريد والترحيب . فتدخل النساء غرفة
خاصة بهنّ والرجال غرفة أخرى كبيرة مختصة بهم . وتدار القهوة والشاي ,
ويقدم التبغ والتنباك . أما النساء فيحطن بالعروس ويغنين لها ويرقصن .
وتجلس بقربها والدة العريس وعمته وخالته وتأخذ أم العريس منشدةً :
يا كـِنْـتِي
يا كـِنـَّة الزينه سبحان الله هلِّـي وصلك لينا
حلفت ما لبسك
إلا حريرينا من عند عمك ان كان الشبر بألفينا
ثم : طلت من القصر ريحة ندها فايح تشبه غزال الذي من مرقده
رايح
امرق على
الورد لاقي الورد لك لايح يا صيت بيـِّـك و مثل العنبر فايح
أو : أصابعك طوال والحِنَّـا عليهم عال يا اخت فلان يا لتسوي
خزاين مال
وحياة بيِّـك و
هالينشاف فيه الحال يسوى لحكم القضاو كل شي بيحوى مال
أو : يا عروسه ريتها مباركه الحنَّـا يا للي سبيتي الحواري
الساكنه بالجنه
يا للي سبيتي
الحواري في بَهَا حسنك وجبين مثل البدر يا ناس جننا
أو : نحنا بنات العرب ما نركب إلا خيل وسيوفنا مسقطه و كمامنا
للديل
عدوّ بيك يدق
بوابنا بالليل نُـرمّل حريمه ندوسه في نعال الخيل
أو : يا عروسه
ويا تفاح مليسي أنا جلبتك من أرض الشام على كيسي
نرداً عليَّ
وان جلست مجاليسي لنقطك بالذهب ليفرغ الكيسِ
أو : بنت
الأكابر و يا بنت الاجاويدِ عا باب بيك الخدامين وعبيدِ
من شان عينك
تراني اليوم فرحانه وكرمال بيِّـك لحنِّـيك أنا بإيدي
أو : ياما
مشينا ورا الكحله ومشَّـينا ياما مشينا ودق النعل باجرينا
ياما مشينا
ورا بـَيِّـك ويوعدنا هذه الاكابر بيصبح وعدهم دينا
وغير ذلك من
الأغاني المختصة بوقت الحناء . وتظل نساء بيت العريس يغنين مقدار ساعة من
الزمن , وهن جالسات إلى جانبها , بينما باقي النساء والبنات يدبكن بين
الشباب في صحن الدار وهذه ساعة يغتنمها الشبان والبنات فيدبكون معاً مغنين
هكذا :
مكسب هالساعة مكسب واكسبوها يا شباب
حتى يستلم
الرجال بدلات العريس وطقم الحمام مع قطعة من الصابون المطيب تقدمه العروس
إلى العريس ولفائف الحنَّـاء . ويرجع موكب بيت العريس كما جاء بعراضاته
وزفـَّاته إلى البيت .
حِنَّاْء العَرِيْس الكِدَّاْبِيَّة
بعد وصول الموكب
إلى بيت العريس بقليل يجتمع الشبان حول العريس , حاملين الحنَّاء المجبولة
وشموع العريس ومروّدين , بينما النساء يزغردن . ويتقدمون مع العريس إلى
أوجه ضيف من الضيوف , مبالغة في إكرامه واعتباره . فيأخذ الضيف من الحناء
بقدر الجوزة بين أصابعه , ويضعها في كف العريس ويطبقها عليها ويلفها بمنديل
لفَّـاً سطحياً قائلاً : (( الله يتممها على خير )) . فيتحولون عنه إلى
الضيوف الباقين , فإلى رجال البلد بحسب وجاهتهم , فإلى الشبان ذوي المكانة
بينهم أو الذين هم من غير حيهم . وترى حينئذ جميع الذين في الغرفة فرَقاً
(( يروّدون )) وهذه حفلة الحنَّـاء (( الكدَّابية )) , أي الرمزية .
وكانوا يعتبرون
هذه المراسيم واجبة ضرورية جدَّاً لا بد منها لإرضاء الناس كلهم . لأن
الحناء الحقيقية تتأخر إلى ما بعد حمام العريس . وإذا اتفق أن يهملوا تقديم
العريس بين يدي واحد من الحضور الوجهاء في البلد , فإنه يخرج من العرس
حالاً غاضباً ناقماً , ويضطر أهل العرس إلى مراضاته . ففي الغد يذهب العريس
مصطحباً معه وفداً من الوجوه إلى بيت الغاضب ليستعطف خاطره , ويرجعون به
بعراضة فخمة جداً . ويعملون ذلك لئلا يشوب العرس أي شائبة . وهكذا في كل من
مراسيم العرس .
حَمَّاْم العَرِيْس
بعد برهة قليلة
يرسل بيت العريس وفداً يدعو من يريد من رجال العروس للاستحمام مع العريس .
ثم يأخذه الشباب في موكب حافل بالعراضات والحداءالحماسي المشبع بالافتخار
والأهازيج الحربية المملوءة تهديداً ووعيداً كما سيأتي بيانه .
وهي منقولة عن
عربان البادية أو عن جبل الدروز والبعض من نظمهم . فيبدأون هكذا :
سيروا على ما قدَّر الله والكاتـبـه ربك يصير
و ان هوَّن الله ندبحه ونُــفـخت طبول الوزير
يــا نازلاً تل الكتيبة يا شين قول لي وايش بلاك
خايف على روحك تروح و حريمتك تقعد بلاك
يا قاعداً و الشر عالق والكون دشرته وراك
يا أم الوحيد إبكي عليه و الموت ما شيّـم حدا
وان كان ما بكيتي عليه لا بد ما تبكي غدا
يا شمَّر بيعوا خيلكم جتكم شلافنا ورِماح
ردوا البيارق عاليمين وخدوا الاعادي بالصياح
يا راعي الشلف العريض خدلك عمود وخلّـها
شلـفـاتـنـا دق العجم و مخضبة بدمها
من شافها ما قدر ينام كل النهار بهمها
يا حارضاً سوق المنايا عيباً على اللي ما يبيع
و العز بظهور السبايا والعمر عند الله وديع
يا فيصل ربعك ضيَّـعوك واسري على ضو القمر
لو تعتلم باللي خدوك لبَّاسة الجوخ الحمَـر
يا حبسه حنا ما درينا والعذر يا عيون المها
حنا على الباشا غزينا ومن أجلكِ عفنا الحيا
ياما حلى ركب الخيول يا ما حلى هدب سيول
يا ما حلى لا ترحلوا يا ما حلى جاكم نذير
لذلك كان
يرافقهم المشايخ إلى الحمام خوفاً من وقوع مشاجرة يؤدي إليها ما يكون بين
الشبان من ضغائن وأحقاد سابقة تتولد من أهازيجهم وحدائهم لإيقاظها .
وكثيراً ما كان يحدث من المشاجرات بالرغم ممَّـا يبذله المشايخ والرجال
العقلاء من جهد لحفظ السكينة والسلام .
ولا يكادون
يدخلون الحمام حتى يتسابق الشبان إلى غسل العريس وتنظيفه . ويقدم أوانئذٍ
أولاد المشايخ والوجهاء البرتقال للعريس وللشبان أيضاً , تأييداً لزعامتهم
وإظهاراً لكرمهم وحفاوتهم بالعريس . وحينما ينتهي الشبان من غسل العريس
والإستحمام يحمل أحد أولاد المشايخ الدف ويقف بمدخل الحمام . وأول من يتقدم
إليه العريس يضع له في الدف (( زهراوي )) أو نصفه أو ربعه بحسب حالته
الماديَّـة .
وكذلك الشبان ,
يضع كل منهم ما تسمح به نفسه من النقود الرائجة . فهذا يدفع قرشاً وذاك
نصفه , وذاك ربعه , حتى يدفع كل من اغتسل . ويكون ذلك مثل (( نقوط ))
للحمام لا دخل به بالأجرة . لأن العريس يكون مستأجراً الحمام (( من بابه ))
كما يقولون , لاستحمام العروس وموكبها والعريس وموكبه , بمقدار ريال أو
ريالين مجيديين نقداً , يقدم معها سريجتين أو ثلاث من التبن للوقيد .
ثم يبرحون
الحمام بعراضاتهم إلى الدار فيستقبلهم أهلها بالزغاريد والأهازيج , وحالاً
تـُمَد السُـمُط ويبسط عليها الطعام . فيأكلون ويستريحون قليلاً , ثمَّ
يعلنون حنَّـاء العريس الصحيحة .
حِنَّاْء
العَرِيْس الصَّحِيْحَة
يجتمع الشباب
وهم يرددون ويهزجون . وتأتي النساء مزغردات , تتقدمهن والدة العريس وأخواته
وعماته وخالاته وأقرباؤه . فيأخذون يغنون له الأغاني المختصَّـة بحناء
العريس ,
مثل هذه :
يا عريساً ومد
الكف وتحنَّى وحياة عميرك ولا تجرح حدا منا
وحياة عميري
وما بجرح حدا منكم يا سيف بَـيّي على رقاب العدى غنَّـى
فعندما تذكر
المغنية إسم أبيه تزغرد النساء جميعهن : لولولوليش
ويأخذ الشباب
يرددون مع النساء ما يغنين به , والمغنية تكرر اللازمة وتقول بدلاً من ((
سيف بيّي )) (( سيف عمي )) و (( سيف خالي )) و(( سيف أبو فلان )) و (( سيف
الشيخ فلان )) على رقاب العدا غنَّـى . ثم يبدلون اللازمة بغيرها فتقول
المغنية :
يا عريساً ويا
دباح الحيالِ وامرق بخيلك على وردٍ وريحانِ
امرق بخيلك عا
راس العين واسقيها وان كان مافي عليق بيَّـك بيكفيها
ويأخذ الشباب
يرددون اللازمة كما في المرة الأولى , والمغنية تعدد الشطر الأخير وتقول ((
عمك بيكفيها )) و (( خالك بيكفيها )) و (( الشيخ فلان وأبو فلان بيكفيها
)) حتى يذكروا جميع الأقارب والأصحاب والوجهاء الغائبين والحاضرين . ثم
يستبدلون اللازمة بهذه :
إيش هالكفوف
اللي تليق لها الحنا وإيش هالعيون الغزال ما تستحي منا
سنّ سيفك يا
فلان واتكنى لا عاش عدوَّك ولا مال القريب منا
ويذكرون أسماء
الذين أشرنا إليهم من الأقارب والأصحاب والمحبين وغيرهم , حتى تتم حناء
العريس .
فيأخذ الشبان
أيضاً الحناء وحينئذ يُـعرَف الشبان الذين يكونون مثل شباب العريس وحاشيته .
فالذي يتحنى منهم فهو من الحاشية ويسمونه (( عزام )) . والعزام هو الذي
يتزين في صباح اليوم الثاني ويوكل إليه مع رفقائه أمر دعوة الأهالي إلى
حضور حفلة الحلاقة والتلبيسة والغداء والعشاء وجلب العروس . وعلى ((
العزامين )) أيضاً أن يحافظوا على العريس مخافة أن يختطفه الذين لا يتحنون
ولا يتزينون . وهؤلاء يطلق عليهم إسم ((البرشان)) ( جميع أبرش ). وهم لا
يزالون يحاولون اختطافه في الفترة التي تمتد من انتهاء الحنَّـاء إلى أن
يلبس بدلة العرس , فيمتنع عنهم اختطافه ويتاح لهم أن يخطفوا عقاله فقط .
فإذا تمكنوا من خطف العريس أو عقاله لا يرجعونه إلا مقابل ذبيحة أو هدية أو
ما يقابل ثمن الذبيحة . ويظل هذا الأمر متاحاً لهم حتى دخوله على عروسه .
وكثيراً ما كانوا يتمكنون من اختطاف عقاله فيضطر شباب العريس إلى افتدائه
بما ذكر . ولذلك يفرض على العزامين أن لا يفارقوا عريسهم بتةً وأن يناموا
حوله متلاصقين في تلك الليلة .
حِنَّاْء العَرُوْس
بينما يكون
العريس وشبابه في الحمام تهتم النساء والبنات بحناء العروس . فتجتمع البنات
حولها ويأخذن يربطن أصابعها بخيطان من القطن , أو يرسمن على يديها وروداً و
(( عروقاً )) ورسوماً بديعة بمذوِّب الشمع العسلي , لكي يحنِّـيها فوق هذه
الرسوم . فإذا زالوا عن يديها هذه الرسوم تظهر الحناء بديعة جداً . ويغنين
لها الأغاني المختصة بحنائها كهذه :
أصابعك طوال
والحنّا عليهم عال يا أخت فلان يا لتسوي خزاين مال
وحياة بيك
وهالينشاف فيه الحال يسوى لحكم القضا ولكل مافي رجال
وإذا كانت
العروس سمراء تقول المغنية :
ما أحلى السمر
لو وقفوا بباب الدار والنقش في كفكِ غنى بيوت شعار
هاتوا اللبن
والعسل لنقطع الاسعار لحسة من العسل تسوى من اللبن قنطار
[color:3c8b
فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا
وإن بقيت بين إخوتك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا
خالد نصر
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل