هل يمكن اجبار الطفل على الصيام؟
بالتأكيد أنتي تريدين أن يتعلم طفلك الصوم .. لا بل تريدين منه محاولة الصيام الكامل... وأنا أعرف أن حجتك في هذا المجال جاهزة ألا وهى أنك تعرفين أو سمعت عن أطفال صاموا في هذا العمر.
ولكن لابد توضع الأمور في نصابها.. ولكل قاعدة شواذ.. فهناك ـ مثلا ـ أطفال تكلموا في المهد, وقد سمعت من بعض الرواة ـ والعهدة عليهم ـ عن أطفال مشوا في عمر ستة أشهر, وآخرين حفظوا القرآن الكريم في عمر ست سنوات, وقد قرأت عن كرامات أحد الصالحين:
أن هذا الرجل الصالح ولد في ليلة الثلاثين من شعبان, وكان الناس قد اختلفوا في أمر رؤية رمضان؛ فذهبوا إلى شيخهم يطلبون منه الفتوى.. فقال الشيخ: انظروا ما كان من أمر الصبي الذي ولد هذه الليلة.. فقالوا: إنه صام منذ ولادته عن ثدي أمه.. فقال الشيخ: هذه بشرى من الله بحلول شهر الصوم.. وصام القوم تبعا لصيام الصبي!! فإذا كنت ـ يا أم مصطفى ـ تطمعين في أن ينضم طفلك إلى ما يسمى بـ"موسوعة جينس للأرقام القياسية" وذلك بصومه في عمر خمس سنوات؛ فلقد سد عليه الباب هذا الطفل الذي صام في اليوم الأول من العمر!!
وأما إذا كنت تقصدين بهذا العمل وجه الله - وهذا طبعا وبالتأكيد هو قصدك - فلك أن تعلمي أن التقرب إلى الله لا يتم بالطاعات فقط، ولكن أيضا يتم بالاستفادة من الرخص التي منحها الله لعباده.. وفى الحديث الشريف "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه".
وهناك رخصة بالإفطار للمريض الذي لا يقدر على الصوم, بل إن الفقهاء ذهبوا إلى حد تحريم الصوم على المريض إذا كان لا يطيق الصوم أو غلب على ظنه الهلاك أو الضرر بسب الصيام ... ومعيار المرض المبيح للفطر معيار شخصي مع الوضع في الاعتبار بأخذ رأي طبيب مسلم ذي ثقة في دينه وعلمه.. ولما كان القياس أساسا من أسس الفقه فإننا نقيس صيام الطفل ذي السنوات الخمس والست والسبع بصيام المريض الذي يخشى تضرره من الصيام.
وأخشى أن يكون صوم الأطفال في هذه السنوات المبكرة ـ كصوم المريض الذي يخشى وقوع الضرر ـ فيه معصية لله؛ لأن الله حرم إيذاء النفس.. وما فرض الله علينا الطاعات بقصد الإيذاء؛ ولكن بقصد التهذيب والتطهر والتقرب إليه.. والصوم كعبادة من العبادات هو" تهذيب بالجوع" وليس "تعذيباً بالجوع".
وفى الحديث الشريف "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".. فإذا كانت بداية تعليم الصلاة في عمر سبع سنين، وهى عبادة ليس بها مشقة.. فكم يا ترى تكون بداية تعلم الصوم على ما به من مشقة؟!
ومن الناحية الطبية فإني ـ كطبيب مسلم ـ أرى أن الضرر في صيام الأطفال في هذا العمر المبكر حادث لا محالة، فمنع الطعام عن الطفل ما يقرب من اثنتي عشرة ساعة قد يعرض الطفل للجفاف ونقص السكر في الدم والإعياء وقلة التركيز وكذلك سوء التغذية في حالة صوم الطفل لفترات طويلة... كما أنه من الصعب تعديل دورة نوم الأطفال في هذا العمر حيث إن الكرى يداعب أعينهم مع نسمات الليل الأولى حيث يكون من الصعب إرغام الطفل أن يسهر حتى موعد السحور.. ومن الأصعب إيقاظه للسحور إذا ما داهمه النوم.. وإذا قال قائل: دع الطفل يصم فإن جاع أكل. فإن أخشى ما أخشاه أن يجوع الطفل ويكابر في عدم تناول الطعام، فيحدث ما لا تحمد عقباه.
ومن الناحية التربوية فإننا نخشى أن يكون الصيام المبكر مدعاة إلى تعليم الطفل الكذب والتدليس, حيث إنه قد يحرص أن يظهر أمام الأسرة صائما, ثم يخلو إلى نفسه وتحت وطأة الجوع والعطش فيصيب شيئا من الطعام.
لذا فإننا وبناء على ما سبق من أسباب فقهية وطبية وتربوية نرى ـ والله أعلم ـ أن الأولى ترك صيام الطفل حتى سن الثامنة وأن تتاح له الفرصة للتمرن على الصوم من الثامنة إلى البلوغ، فإن نجح في الصوم خلال هذه الفترة فلا بأس وإن فشل فلا بأس, على أن يلزم الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم و تلزم الصبية إذا بلغت الحيض.. وهذا هو عمر احتمال الصوم طبيا وعمر التكليف فقهيا... مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الفصول والظروف المناخية.
وأخيرا فإني أقول: اللهم إني اجتهدت بموجب ما منحتني من علم في مسألة أعطي الطبيب حق الاجتهاد فيها.. فإن أصبت فأجري عندك, وإن أخطأت فاغفر لي وسامحني, فما قصدت إلا الإصلاح ما استطعت.
أما أنت يا أم مصطفى فلا تثريب عليك يغفر الله لك فما قصدت بسؤالك إلا وجه الله الكريم.
وكل عام وأنت ومصطفى وأمتنا المسلمة المؤمنة الصابرة بخير وسلام.
وصوما مقبولا لك.. وإفطارا شهيا لمصطفى
والسلام عليكم ورحمة الله
بالتأكيد أنتي تريدين أن يتعلم طفلك الصوم .. لا بل تريدين منه محاولة الصيام الكامل... وأنا أعرف أن حجتك في هذا المجال جاهزة ألا وهى أنك تعرفين أو سمعت عن أطفال صاموا في هذا العمر.
ولكن لابد توضع الأمور في نصابها.. ولكل قاعدة شواذ.. فهناك ـ مثلا ـ أطفال تكلموا في المهد, وقد سمعت من بعض الرواة ـ والعهدة عليهم ـ عن أطفال مشوا في عمر ستة أشهر, وآخرين حفظوا القرآن الكريم في عمر ست سنوات, وقد قرأت عن كرامات أحد الصالحين:
أن هذا الرجل الصالح ولد في ليلة الثلاثين من شعبان, وكان الناس قد اختلفوا في أمر رؤية رمضان؛ فذهبوا إلى شيخهم يطلبون منه الفتوى.. فقال الشيخ: انظروا ما كان من أمر الصبي الذي ولد هذه الليلة.. فقالوا: إنه صام منذ ولادته عن ثدي أمه.. فقال الشيخ: هذه بشرى من الله بحلول شهر الصوم.. وصام القوم تبعا لصيام الصبي!! فإذا كنت ـ يا أم مصطفى ـ تطمعين في أن ينضم طفلك إلى ما يسمى بـ"موسوعة جينس للأرقام القياسية" وذلك بصومه في عمر خمس سنوات؛ فلقد سد عليه الباب هذا الطفل الذي صام في اليوم الأول من العمر!!
وأما إذا كنت تقصدين بهذا العمل وجه الله - وهذا طبعا وبالتأكيد هو قصدك - فلك أن تعلمي أن التقرب إلى الله لا يتم بالطاعات فقط، ولكن أيضا يتم بالاستفادة من الرخص التي منحها الله لعباده.. وفى الحديث الشريف "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه".
وهناك رخصة بالإفطار للمريض الذي لا يقدر على الصوم, بل إن الفقهاء ذهبوا إلى حد تحريم الصوم على المريض إذا كان لا يطيق الصوم أو غلب على ظنه الهلاك أو الضرر بسب الصيام ... ومعيار المرض المبيح للفطر معيار شخصي مع الوضع في الاعتبار بأخذ رأي طبيب مسلم ذي ثقة في دينه وعلمه.. ولما كان القياس أساسا من أسس الفقه فإننا نقيس صيام الطفل ذي السنوات الخمس والست والسبع بصيام المريض الذي يخشى تضرره من الصيام.
وأخشى أن يكون صوم الأطفال في هذه السنوات المبكرة ـ كصوم المريض الذي يخشى وقوع الضرر ـ فيه معصية لله؛ لأن الله حرم إيذاء النفس.. وما فرض الله علينا الطاعات بقصد الإيذاء؛ ولكن بقصد التهذيب والتطهر والتقرب إليه.. والصوم كعبادة من العبادات هو" تهذيب بالجوع" وليس "تعذيباً بالجوع".
وفى الحديث الشريف "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".. فإذا كانت بداية تعليم الصلاة في عمر سبع سنين، وهى عبادة ليس بها مشقة.. فكم يا ترى تكون بداية تعلم الصوم على ما به من مشقة؟!
ومن الناحية الطبية فإني ـ كطبيب مسلم ـ أرى أن الضرر في صيام الأطفال في هذا العمر المبكر حادث لا محالة، فمنع الطعام عن الطفل ما يقرب من اثنتي عشرة ساعة قد يعرض الطفل للجفاف ونقص السكر في الدم والإعياء وقلة التركيز وكذلك سوء التغذية في حالة صوم الطفل لفترات طويلة... كما أنه من الصعب تعديل دورة نوم الأطفال في هذا العمر حيث إن الكرى يداعب أعينهم مع نسمات الليل الأولى حيث يكون من الصعب إرغام الطفل أن يسهر حتى موعد السحور.. ومن الأصعب إيقاظه للسحور إذا ما داهمه النوم.. وإذا قال قائل: دع الطفل يصم فإن جاع أكل. فإن أخشى ما أخشاه أن يجوع الطفل ويكابر في عدم تناول الطعام، فيحدث ما لا تحمد عقباه.
ومن الناحية التربوية فإننا نخشى أن يكون الصيام المبكر مدعاة إلى تعليم الطفل الكذب والتدليس, حيث إنه قد يحرص أن يظهر أمام الأسرة صائما, ثم يخلو إلى نفسه وتحت وطأة الجوع والعطش فيصيب شيئا من الطعام.
لذا فإننا وبناء على ما سبق من أسباب فقهية وطبية وتربوية نرى ـ والله أعلم ـ أن الأولى ترك صيام الطفل حتى سن الثامنة وأن تتاح له الفرصة للتمرن على الصوم من الثامنة إلى البلوغ، فإن نجح في الصوم خلال هذه الفترة فلا بأس وإن فشل فلا بأس, على أن يلزم الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم و تلزم الصبية إذا بلغت الحيض.. وهذا هو عمر احتمال الصوم طبيا وعمر التكليف فقهيا... مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الفصول والظروف المناخية.
وأخيرا فإني أقول: اللهم إني اجتهدت بموجب ما منحتني من علم في مسألة أعطي الطبيب حق الاجتهاد فيها.. فإن أصبت فأجري عندك, وإن أخطأت فاغفر لي وسامحني, فما قصدت إلا الإصلاح ما استطعت.
أما أنت يا أم مصطفى فلا تثريب عليك يغفر الله لك فما قصدت بسؤالك إلا وجه الله الكريم.
وكل عام وأنت ومصطفى وأمتنا المسلمة المؤمنة الصابرة بخير وسلام.
وصوما مقبولا لك.. وإفطارا شهيا لمصطفى
والسلام عليكم ورحمة الله