الاسلام ومعرفة أقدار الناس |
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه |
من فقه التعامل أن يعرف الرجل أقدار الناس ، فينزلهم منازلهم ، ولذا كان توجيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبادة بن الصامت أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه \" رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن . ولقد حثت الشريعة الإسلامية الصغار على احترامِ الكِبار وأمرِ الصّغار بإجلالِ الكِبارِ وتعظيمِهِم والرِّفقِ بهم وعَدمِ التّطاوُل عليهم أقوالاً وأفعالاً. هذه شريعةُ الإسلام تدعو المسلمَ إلى أن يكرِمَ أخاه المسلمَ الذي تقدَّمَه سِنًّا وسبقه في هذه الحياةِ، تدعوه إلى أن يحترمَه ويكرِمَه ويراعيَ له كِبَرَه وسابِقَتَه في الإسلام، فيجِلّ الكبيرَ ويحترمه، ويعرِف له قدرَه ومكانته، والكبيرُ مأمورٌ برحمةِ الصِّغار والعطفِ عليهم والرِّفق بهم والإحسانِ إليهم. هذه المنافعُ المتبادَلَة بين أفرادِ المجتمَعِ المسلِم تثبِّت أواصِرَ الحبِّ والوئام بين الجماعةِ المسلمة. ولقد حثنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على هذا الخلقِ الكريم ورَغَّبنا فيه، فيبيِّن لنا نبيُّنا أنَّ مَن أحسن إلى الكبيرِ في الدنيا هيَّأ الله لذلك المحسِنِ عند كِبَر سنِّه ورقَّةِ عَظمه من يجازيه بهذا العمَلِ الصّالح، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِن مسلمٍ يكرِم ذا الشَّيبةِ إلاَّ قيَّض الله له من يكرِمه في سِنِّه)) رواه الترمذي في البر (2022). وقال : ((إنَّ مِن إجلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ من المسلمين وحامِلِ القرآن غيرِ الغالي فيه والجافي عنه وذي السلطانِ المقسِط)) أخرجه أبو داود في الأدب (4843)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8/163) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه النووي في رياض الصالحين (173)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/118)، والألباني في صحيح الترغيب (98). وحينما أتاه صلى الله عليه وسلم جرير بن عبدالله البجلى ، وهو فى بيت مزحوم ، فلما لم يجد مكانا يجلس فيه ألقى إليه النبى صلى الله عليه وسلم برداءه ليجلس عليه ، فأخذه جرير فضمه ، ثم قبله ، ثم رده على النبى وقال : أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتنى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه \" رواه الطبراني في الصغير والأوسط : مجمع الزوائد ج8 ص 15 . وتحكى السيدة عائشة – رضى الله عنها – موقف آخر ، يدل على معرفة النبى صلى الله عليه وسلم لأقدار الناس فتقول : \" أتيت النبى بجريرة ( هى الحساء المطبوخ من الدقيق والدسم والماء ) قد طبختها له ، فقلت لسودة والنبى صلى الله عليه وسلم بينى و بينها كلى فأبت فقلت لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدى فى الجريرة ، فلطخت وجهها ، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم فوضع بيده لها ، وقال لها الطخى وجهها فضحك النبى لها ، فمر عمر فقال : يا عبد الله ! يا عبدالله ! فظن أنه سيدخل ، فقال : قوما فاغسلا وجوهكما ، قال عائشة : فمازلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم \" . رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح : مجمع الزائد ج4 ص 315 . وعن سهل بن سعد الساعدي , قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رجل. فَقَالَ النبي : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : رأيك في هذا.نقول : هذا من أشرف الناس , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , أَنْ يخطب ، وَإِنْ شَفَعَ , أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْ يُسْمَعَ لقوله , فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم , وَمَرَّ رَجُلٌ آخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : نقول : والله يا رسول الله , هذا من فقراء المسلمين , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , لمَ يُنْكَحَ , وَإِنْ شَفَعَ , لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ , أَنْ لاَ يُسْمَعَ لقوله , فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : لهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا. أخرجه البخاري 7/9(5091). عَنْ عَبَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُمْ يَقُولُونَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَدَّ فَرَحَهُمْ بِنَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ أَوْسَعُوا لَنَا فَقَعَدْنَا فَرَحَّبَ بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا لَنَا ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَنْ سَيِّدُكُمْ وَزَعِيمُكُمْ . فَأَشَرْنَا جَمِيعًا إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ عَائِذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهَذَا الأَشَجُّ . فَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الاِسْمُ لِضَرْبَةٍ بِوَجْهِهِ بِحَافِرِ حِمَارٍ فَقُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ فَتَخَلَّفَ بَعْدَ الْقَوْمِ فَعَقَلَ رَوَاحِلَهُمْ وَضَمَّ مَتَاعَهُمْ ثُمَّ أَخْرَجَ عَيْبَتَهُ فَأَلْقَى عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ بَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِجْلَهُ وَاتَّكَأَ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ الأَشَجُّ أَوْسَعَ الْقَوْمُ لَهُ وَقَالُوا هَا هُنَا يَا أَشَجُّ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وس لم وَاسْتَوَى قَاعِدًا وَقَبَضَ رِجْلَهُ هَا هُنَا يَا أَشَجُّ . فَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَوَى قَاعِدًا فَرَحَّبَ بِهِ وَأَلْطَفَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْ بِلاَدِهِ وَسَمَّى لَهُ قَرْيَةً قَرْيَةً الصَّفَا وَالْمُشَقَّرِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قُرَى هَجَرَ فَقَالَ بِأَبِى وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَعْلَمُ بِأَسْمَاءِ قُرَانَا مِنَّا . فَقَالَ إِنِّى قَدْ وَطِئْتُ بِلاَدَكُمْ وَفُسِحَ لي فِيهَا . قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الأَنْصَارِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَكْرِمُوا إِخْوَانَكُمْ فَإِنَّهُمْ أَشْبَاهُكُمْ في الإِسْلاَمِ أَشْبَهُ شَىْءٍ بِكُمْ أَشْعَارًا وَأَبْشَارًا أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلاَ مَوْتُورِينَ إِذْ أَبِى قَوْمٌ أَنْ يُسْلِمُوا حَتَّى قُتِلُوا . قَالَ فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحُوا قَالَ كَيْفَ رَأَيْتُمْ كَرَامَةَ إِخْوَانِكُمْ لَكُمْ وَضِيَافَتَهُمْ إِيَّاكُمْ . قَالُوا خَيْرَ إِخْوَانٍ أَلاَنُوا فُرُشَنَا وَأَطَابُوا مَطْعَمَنَا وَبَاتُوا وَأَصْبَحُوا يُعَلِّمُونَنَا كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيّ ِنَا صلى الله عليه وسلم فَأُعْجِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَفَرِحَ بِهَا . . \" أخرجه أحمد 3/432(15644) و4/206(17985). قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيىء فيهم زيد الخيل وهو سيدهم فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام فأسلموا وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما وصف لي رجل من العرب إلا وجدته دون ما وصف إلا زيد الخيل فإن وصفه لم يبلغ ما وصف به وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم الطائي في قومه من طيىء وكان نصرانيا فمضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخله إلى بيته وتناول وسادة من أدم حشوها ليف فطرحها وقال له اجلس عليها فقال بل أنت فاجلس عليها يا رسول الله فجلس رسول الله في الأرض وأجلسه على الوسادة ثم لم يزل يكلمه ويعرض عليه ما في دينه النصرانية مما أحدثوه فيه من الشرك ويعرض عليه الإسلام ويخبره أنه دين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وأنه لا يبقى عربي إلا دخل في طوعا أو كرها فقبل عدي الإسلام وأسلم وحسن إسلامه وتبعه قومه فأسلموا وحسن إسلامهم . ( ابن عبد البر : الدرر في اختصار المغازي 256). وروي أن علياً رضي الله عنه أعطى رجلاً حلّة ومائة دينار، فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: \"أنزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي\". وذكر الحافظ ابن كثير من خبر الأصبغ بن نباته:أن رجلاً جاء على بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله تعالى قبل أن أرفعها إليك، فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك، فقال على: اكتب حاجتك على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك، فكتب: إني محتاج، فقال لي: علىَّ بحُلة، فأتى بها، فأخذها الرجل فلبسها، ثم أنشأ يقول: كسوتني حُلة تبلي محاسنها * * * فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا إن نلت حسن ثنائى نلت مكرمة * * * ولست أبغى بما قد قلته بدلا إن الثنا ليحيي ذكر صاحبه* * * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا لا تزهد الدهر في خير تواقعه * * * فكل عبد سيجزي بالذي عملا فقال على: علىَّ بالدنانير، فأُتى بمائة دينار فدفعها إليه، فقال الأصبغ: يا أمير المؤمنين، حلة ومائة دينار قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم»وهذه منزلة هذا الرجل عندي. (البداية والنهاية (8/9). قيل: إن فتى جاء إلى سفيان بن عيينة من خلفه فجذبه وقال: يا سفيان حدثني فالتفت سفيان إليه وقال: يا بني من جهل أقدار الرجال فهو بنفسه أجهل. فهكذا يجب على المؤمن أن يقدر الناس على قدر أيمانهم وتقواهم لله عز وجل وليس مراكزهم وثرواتهم. هذا من سنته صلى الله عليه وسلم ومن مبادئ الإسلام الفاضلة. |
فإن نطقت بخيـر فهو لشخصك إحسانا . . . وإن نطقت بشر فهو على شخصك نكرانا
وإن بقيت بين إخوتك فنحـن لك أعوانـا . . . وإن غادرت فنحن لك ذاكرين فلا تنسـانــا
خالد نصر
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل