ضد الماركسية اللينينية مع ماركس و لينين
خاص الأفق الاشتراكي
سلامة كيلة
كان تبني أفكار ماركس وإنجلزيصطدم بالتسمية التي تُطلق على هذا التيار الذي تأسس من أجل تغيير العالم. إنجلزكان قد اقترح تسميتها: الاشتراكية العلمية، لكن المصطلح الذي تعمم –ربما عفوياً- هومصطلح الماركسية.
وإذا كان ماركس قد قال مرة، وفق ما نقل إنجلز، أنه ليس ماركسياً فلأن الأفكارالتي كان يتداولها ممن تسموا ماركسيين كانت تخرج عن مقصده، و"تحرّف" ما هدف إليه،حيث بدت أفكاره لهم كاقتصادوية مبتذلة. ورغم هذا "الاعتراض" فقد بات مصطلح الماركسية هو الرائج، وباتت الأحزاب الاشتراكية تميل إلى الإشارة إلى أنها تعتنق أفكار ماركس، بعد أن باتت هي المهيمنة في إطار التيار الاشتراكي العام. وكان هذاالتحديد هو تمييز لها عن ذاك التيار، لكنه كذلك كان تقديراً لمفتتح هذا الحقل الرحب.
ولينين كان من هؤلاء الذين اعتنقوا الماركسية، وكان هذا المصطلح هو ما يشيرإليه ويقول به حيث كان قد ترسّخ، خصوصاً، بعد وفاة ماركس. وكما ماركس كان يرفض في أواخر أيامه أن يُدخل مصطلح اللينينية، أو أن يربط بالماركسية، فماركس هو الذي أقام الأساس، وبالتالي لن يفعل الآخرون سوى إضافات كمية. فقد فهم الماركسية بأنهاالطريقة التي توصل إليها ماركس: أي الجدل المادي (الديالكتيك كما كان يكرر)،وأيضاً كثير من القوانين التي اكتشفها، أو دمجها في نظريته. لهذا كان يرى بأن كل التراكم التالي هو تراكم كمي في بنية تلك الأفكار تأسيساً على المنهجية تلك. بمعنى أن ماركس هو الذي توصل إلى "التحوّل النوعي" الذي أفضى إلى تبلور الماركسية، بينما لا نستطيع نحن سوى أن نوسع في التراكم الكمي، أي أن نبني على الأرضية التي أقامها ماركس. دون أن يحدث ذلك ما يسمح بتحقيق نقلة نوعية (ربما بعد زمن طويل)، وبالتالي دون أن نستطيع القول بـ "طور أعلى في الماركسية"، أو اعتبار أن اللاحق يجب السابق ويتضمنه.
طبعاً، كانت هناك مشكلة في الماركسية قبل لينين وخلال سنوات حياته. ولقد تمثلت في أن تياراً واسعاً من الماركسيين اعتقد بأن الماركسية هي القوانين والأفكار التي قال بها ماركس وإنجلز ولم يرَ الطريقة ذاتها، تلك التي شكلت أساس نشوء الماركسية. لهذا انطلق من أن "نظرية ماركس" مكتملة التبلور ومطلقة الصحة، ولهذا عمل على "تلخيص" أفكار ماركس وإنجلز، وتبسيطها، وقولبتها في منظومة مكتملة. وبهذا فقد حوّل جملة أفكار ماركس وإنجلز الى قوانين وأسس ومبادئ. وبات هو معنياً بالممارسة على ضوئها. هنا لم يعد من ضرورة لفهم الواقع ومتحولاته، بل تفرض الضرورة الممارسة ضمنه على ضوء تلك القوانين والأسس والمبادئ. وبالتالي باتت الآلية التي تحكم هذا التيارهو قياس الواقع على هذه المبادئ للتوصل إلى موقف، وحيث تقلص الواقع إلى أحداث وسياسات ومواقف قوى وطبقات، مما كان يؤسس لإعادة إنتاج المنهجية القديمة بدل الجدل المادي. لقد تحوّلت الماركسية إلى "نص مقدس" على "الماركسي" أن يعمل على تطبيقه في الواقع الذي بات يفهم انطلاقاً من تلك "القوانين" (أي تلك التي هي قوانين فعلاً،وتلك التي أُجبِرت على أن تكون قوانين رغم أنها نتاج لحظة محدَّدة).
فمثلاً يمكن أن نلمس كيف جرى التعامل مع نص يقول بأن الانتقال إلى الاشتراكية يفترض أن تستنفذ الرأسمالية مبررات وجودها، حيث فهم على أنه يجب أن تتفسخ الرأسمالية وتنهار لكي تحين لحظة انتصار الاشتراكية، وهو الأمر الذي عنى أن النفي لن يتحقق عبر الصراع بل من خلال موت الرأسمالية. ولأن الوضع لم يصل إلى هذه اللحظة (دون أن يتحدد معنى الاستنفاذ) فقد فتح ذلك إلى التكيف مع وجود الرأسمالية في الأمم الصناعية، بانتظار تعفنها. وهنا تسود العفوية، ويسود تكتيك ينطلق من مبدأ الضغط والاحتجاج والمطالبة فقط.
أو مثلاً حين يصبح الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية مشترطاً بانتصارالرأسمالية في الأمم التي كانت أسبقية التطور الرأسمالي في أوروبا قد فرضت عليها إعادة إنتاج التخلف، والحفاظ على البنى التقليدية (الإقطاعية)، توافقاً مع السيطرة الرأسمالية. وبالتالي يكون هدف الشيوعيين هو "تحقيق الرأسمالية" عبر دعم طبقة ليست موجودة في الواقع، أو كان وجودها هزيلاً: هي الطبقة الرأسمالية التي تحمل مشروع بناء المجتمع الصناعي الحديث. وهنا بدت إشارات ماركس كافية للقول بحتمية انتصارالرأسمالية قبل أن يفكر الشيوعيون بالاشتراكية. وهذا ما أنشأ العفوية، والميل إلى الضغط والاحتجاج والتكيف كذلك.
ولقد انبنت هذه السياسة انطلاقاً من إشارات ماركس إلى ارتقاء المجتمعات البشرية تأسيساً على بلورته التصور حول أنماط الإنتاج، والتي أشّر إليها في بعض النصوص كمثل، حيث أشار إلى المشاع والرق والإقطاع والرأسمالية وصولاً إلى الاشتراكية. لتصبح هذه الإشارة التي لم تعتمد على دراسة معمقة للتاريخ العالمي قانوناً يجب أن تمرّ عبره كل الأمم.
ومسائل عديدة أخرى تحوّلت إلى قوانين ليس نتيجة بحث منهجي، في الواقع، بل لأن ماركس قد أشار إليها فوردت في نص ما له.
وهنا نلمس كيف أن الماركسية باتت دون "روح"، فقدت "روحها" التي تتمثل في منهجيتها المادية الجدلية، وحيث كانت ماديتها تعني "التحليل الملموس للواقع الملموس" (وفق إشارة لينين) انطلاقاً من قوانين الجدل. ولهذا تفرض أن ندرس الواقع المتحوّل (في تحوّله) بغض النظر عن مواقف ماركس أو إنجلز أو لينين. لكي نصل إلى استنتاجات محدَّدة تخص كل لحظة، دون الركون إلى استنتاجات سابقة، رغم أنه يمكن أن تكون النتيجة واحدة (لكن يمكن أن تكون مختلفة كذلك).
وبالتالي باتت الماركسية هي منظومة أفكار وقوانين قال بها ماركس، أو لأن ماركس قال بها. ولقد وضعت في إطار منهجي سابق على ماركس والماركسية، وسابق على هيغل، هوبالتحديد المنطق الصوري، لأن التعامل مع الماركسية وفق هذه الصيغة ليس ممكناً إلا عبر منطق صوري. وفي هذا الإطار توسع البحث الكمي في الاقتصاد بصفته حقل منفصل عن مجمل بنية الماركسية المتمحورة حول منهجيتها، أو عبر ربط ميكانيكي لهذا الحقل في مجمل البنية. أو باخضاعه لاستنتاجات سابقة لماركس كونها باتت تعتبر "قوانين".
لينين كسر هذا المنطق، عبر العودة إلى الجدل (الديالكتيك). فقد عاد إلى هيغل والى ماركس، درس الجدل لدى هيغل ولدى ماركس. ولهذا ميّز بين القوانين والأفكار، بينما يمكن تحويله إلى قوانين وما كان نتاج ظرف محدَّد فرضت التطورات تجاوزه. ميّز بين القوانين التي تحكم الواقع (وهي الديالكتيك) والنتائج التي يمكن أن نصل إليها،وكذلك بين تلك النتائج التي يمكن أن تصبح قوانين وأسس ومبادئ، وتلك التي تجاوزتها الصيرورة وباتت تعبر عن تحليل ظرفي لوضع معين لم يعد قائماً. وهو الأمر الذي جعله يتجاوز جملة مفاهيم "كلاسيكية" في الماركسية، ويصطدم مع كل الماركسيين الكلاسيكيين. حيث لم يلمس بأن صيرورة التطور في بلد متخلف مثل روسيا تفرض "حتماً" انتصارالرأسمالية، على العكس من ذلك فقد وجد بأن الرأسمالية التي كانت تتشكل هي في تواشج وترابط مع الإقطاع والقيصرية، وأنها ليست معنية بتحقيق "الثورة الديمقراطية" التي هي ثورتها وفق ما أشارت التجربة الأوروبية. لهذا طرح السؤال حول: من يحقق الثورة الديمقراطية؟ وعبر "التحليل الملموس للواقع الملموس" توصل إلى أن العمال والفلاحين الفقراء هم مَنْ يجب أن تؤسس الماركسية مشروعها على فعلهم، وأن الماركسية عبر حزبها المحدَّد هي التي يجب أن تقود الصراع الطبقي من أجل ذلك.
ومن هذه الزاوية فتح لينين أفقاً واسعاً للماركسية، ربما لم يكن يتلمسه كله، لكن الواقع التالي أثبت ذلك. كما أنه فرض بلورة جملة تصورات وقوانين ومبادئ جديدة مختلفة عما كانت تتضمنه ماركسية ماركس، ومنها مفهوم الإمبريالية، مفهوم الحزب، دورالماركسية ذاتها، وكثير من الأفكار الهامة والعميقة. حيث أن تراجع دور الماركسية في الأمم الرأسمالية (وفي أوروبا خصوصاً) كان يقابله توسع دورها في الأمم المخلفة. وهذا ما كان يشير إلى أن فعل الماركسية ترابط مع مستويات الصراع الطبقي العالمي. لقد كان الصراع الطبقي في أوروبا يتراجع، بينما كان يتصاعد في الأمم المتخلفة. وربما كان تحليل لينين عن الإمبريالية يساعد على فهم هذه الحالة، التي باتت واضحة أكثرفيما بعد. وهو الأمر الذي "شطب" مفهوم الثورة الاشتراكية كما كان يتبلور مع ماركس وإنجلز، وأسس لفهم جديد ينطلق من التوضّع "النهائي" للرأسمالية كما نشأ نهاية القرن التاسع عشر (أي بعد وفاة ماركس).
وبالتالي، من هذه الزاوية فإن للينين موقع مهم في صيرورة تبلور الماركسية، لكن يجب أن نلحظ بأن كل إضافاته انبنت على عودته إلى الجدل المادي، والاستناد عليه في فهم الواقع الجديد. لقد كانت "روح" ماركس هي التي تحلل الواقع الجديد عبر لينين إذن. هذا ما أسميه التراكم الكمي على أرضية ما جاء به ماركس، الذي كان قد حقق نقلة نوعية حين بلور الجدل المادي، وأعاد تأسيس رؤية الواقع على ضوئه
خاص الأفق الاشتراكي
سلامة كيلة
كان تبني أفكار ماركس وإنجلزيصطدم بالتسمية التي تُطلق على هذا التيار الذي تأسس من أجل تغيير العالم. إنجلزكان قد اقترح تسميتها: الاشتراكية العلمية، لكن المصطلح الذي تعمم –ربما عفوياً- هومصطلح الماركسية.
وإذا كان ماركس قد قال مرة، وفق ما نقل إنجلز، أنه ليس ماركسياً فلأن الأفكارالتي كان يتداولها ممن تسموا ماركسيين كانت تخرج عن مقصده، و"تحرّف" ما هدف إليه،حيث بدت أفكاره لهم كاقتصادوية مبتذلة. ورغم هذا "الاعتراض" فقد بات مصطلح الماركسية هو الرائج، وباتت الأحزاب الاشتراكية تميل إلى الإشارة إلى أنها تعتنق أفكار ماركس، بعد أن باتت هي المهيمنة في إطار التيار الاشتراكي العام. وكان هذاالتحديد هو تمييز لها عن ذاك التيار، لكنه كذلك كان تقديراً لمفتتح هذا الحقل الرحب.
ولينين كان من هؤلاء الذين اعتنقوا الماركسية، وكان هذا المصطلح هو ما يشيرإليه ويقول به حيث كان قد ترسّخ، خصوصاً، بعد وفاة ماركس. وكما ماركس كان يرفض في أواخر أيامه أن يُدخل مصطلح اللينينية، أو أن يربط بالماركسية، فماركس هو الذي أقام الأساس، وبالتالي لن يفعل الآخرون سوى إضافات كمية. فقد فهم الماركسية بأنهاالطريقة التي توصل إليها ماركس: أي الجدل المادي (الديالكتيك كما كان يكرر)،وأيضاً كثير من القوانين التي اكتشفها، أو دمجها في نظريته. لهذا كان يرى بأن كل التراكم التالي هو تراكم كمي في بنية تلك الأفكار تأسيساً على المنهجية تلك. بمعنى أن ماركس هو الذي توصل إلى "التحوّل النوعي" الذي أفضى إلى تبلور الماركسية، بينما لا نستطيع نحن سوى أن نوسع في التراكم الكمي، أي أن نبني على الأرضية التي أقامها ماركس. دون أن يحدث ذلك ما يسمح بتحقيق نقلة نوعية (ربما بعد زمن طويل)، وبالتالي دون أن نستطيع القول بـ "طور أعلى في الماركسية"، أو اعتبار أن اللاحق يجب السابق ويتضمنه.
طبعاً، كانت هناك مشكلة في الماركسية قبل لينين وخلال سنوات حياته. ولقد تمثلت في أن تياراً واسعاً من الماركسيين اعتقد بأن الماركسية هي القوانين والأفكار التي قال بها ماركس وإنجلز ولم يرَ الطريقة ذاتها، تلك التي شكلت أساس نشوء الماركسية. لهذا انطلق من أن "نظرية ماركس" مكتملة التبلور ومطلقة الصحة، ولهذا عمل على "تلخيص" أفكار ماركس وإنجلز، وتبسيطها، وقولبتها في منظومة مكتملة. وبهذا فقد حوّل جملة أفكار ماركس وإنجلز الى قوانين وأسس ومبادئ. وبات هو معنياً بالممارسة على ضوئها. هنا لم يعد من ضرورة لفهم الواقع ومتحولاته، بل تفرض الضرورة الممارسة ضمنه على ضوء تلك القوانين والأسس والمبادئ. وبالتالي باتت الآلية التي تحكم هذا التيارهو قياس الواقع على هذه المبادئ للتوصل إلى موقف، وحيث تقلص الواقع إلى أحداث وسياسات ومواقف قوى وطبقات، مما كان يؤسس لإعادة إنتاج المنهجية القديمة بدل الجدل المادي. لقد تحوّلت الماركسية إلى "نص مقدس" على "الماركسي" أن يعمل على تطبيقه في الواقع الذي بات يفهم انطلاقاً من تلك "القوانين" (أي تلك التي هي قوانين فعلاً،وتلك التي أُجبِرت على أن تكون قوانين رغم أنها نتاج لحظة محدَّدة).
فمثلاً يمكن أن نلمس كيف جرى التعامل مع نص يقول بأن الانتقال إلى الاشتراكية يفترض أن تستنفذ الرأسمالية مبررات وجودها، حيث فهم على أنه يجب أن تتفسخ الرأسمالية وتنهار لكي تحين لحظة انتصار الاشتراكية، وهو الأمر الذي عنى أن النفي لن يتحقق عبر الصراع بل من خلال موت الرأسمالية. ولأن الوضع لم يصل إلى هذه اللحظة (دون أن يتحدد معنى الاستنفاذ) فقد فتح ذلك إلى التكيف مع وجود الرأسمالية في الأمم الصناعية، بانتظار تعفنها. وهنا تسود العفوية، ويسود تكتيك ينطلق من مبدأ الضغط والاحتجاج والمطالبة فقط.
أو مثلاً حين يصبح الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية مشترطاً بانتصارالرأسمالية في الأمم التي كانت أسبقية التطور الرأسمالي في أوروبا قد فرضت عليها إعادة إنتاج التخلف، والحفاظ على البنى التقليدية (الإقطاعية)، توافقاً مع السيطرة الرأسمالية. وبالتالي يكون هدف الشيوعيين هو "تحقيق الرأسمالية" عبر دعم طبقة ليست موجودة في الواقع، أو كان وجودها هزيلاً: هي الطبقة الرأسمالية التي تحمل مشروع بناء المجتمع الصناعي الحديث. وهنا بدت إشارات ماركس كافية للقول بحتمية انتصارالرأسمالية قبل أن يفكر الشيوعيون بالاشتراكية. وهذا ما أنشأ العفوية، والميل إلى الضغط والاحتجاج والتكيف كذلك.
ولقد انبنت هذه السياسة انطلاقاً من إشارات ماركس إلى ارتقاء المجتمعات البشرية تأسيساً على بلورته التصور حول أنماط الإنتاج، والتي أشّر إليها في بعض النصوص كمثل، حيث أشار إلى المشاع والرق والإقطاع والرأسمالية وصولاً إلى الاشتراكية. لتصبح هذه الإشارة التي لم تعتمد على دراسة معمقة للتاريخ العالمي قانوناً يجب أن تمرّ عبره كل الأمم.
ومسائل عديدة أخرى تحوّلت إلى قوانين ليس نتيجة بحث منهجي، في الواقع، بل لأن ماركس قد أشار إليها فوردت في نص ما له.
وهنا نلمس كيف أن الماركسية باتت دون "روح"، فقدت "روحها" التي تتمثل في منهجيتها المادية الجدلية، وحيث كانت ماديتها تعني "التحليل الملموس للواقع الملموس" (وفق إشارة لينين) انطلاقاً من قوانين الجدل. ولهذا تفرض أن ندرس الواقع المتحوّل (في تحوّله) بغض النظر عن مواقف ماركس أو إنجلز أو لينين. لكي نصل إلى استنتاجات محدَّدة تخص كل لحظة، دون الركون إلى استنتاجات سابقة، رغم أنه يمكن أن تكون النتيجة واحدة (لكن يمكن أن تكون مختلفة كذلك).
وبالتالي باتت الماركسية هي منظومة أفكار وقوانين قال بها ماركس، أو لأن ماركس قال بها. ولقد وضعت في إطار منهجي سابق على ماركس والماركسية، وسابق على هيغل، هوبالتحديد المنطق الصوري، لأن التعامل مع الماركسية وفق هذه الصيغة ليس ممكناً إلا عبر منطق صوري. وفي هذا الإطار توسع البحث الكمي في الاقتصاد بصفته حقل منفصل عن مجمل بنية الماركسية المتمحورة حول منهجيتها، أو عبر ربط ميكانيكي لهذا الحقل في مجمل البنية. أو باخضاعه لاستنتاجات سابقة لماركس كونها باتت تعتبر "قوانين".
لينين كسر هذا المنطق، عبر العودة إلى الجدل (الديالكتيك). فقد عاد إلى هيغل والى ماركس، درس الجدل لدى هيغل ولدى ماركس. ولهذا ميّز بين القوانين والأفكار، بينما يمكن تحويله إلى قوانين وما كان نتاج ظرف محدَّد فرضت التطورات تجاوزه. ميّز بين القوانين التي تحكم الواقع (وهي الديالكتيك) والنتائج التي يمكن أن نصل إليها،وكذلك بين تلك النتائج التي يمكن أن تصبح قوانين وأسس ومبادئ، وتلك التي تجاوزتها الصيرورة وباتت تعبر عن تحليل ظرفي لوضع معين لم يعد قائماً. وهو الأمر الذي جعله يتجاوز جملة مفاهيم "كلاسيكية" في الماركسية، ويصطدم مع كل الماركسيين الكلاسيكيين. حيث لم يلمس بأن صيرورة التطور في بلد متخلف مثل روسيا تفرض "حتماً" انتصارالرأسمالية، على العكس من ذلك فقد وجد بأن الرأسمالية التي كانت تتشكل هي في تواشج وترابط مع الإقطاع والقيصرية، وأنها ليست معنية بتحقيق "الثورة الديمقراطية" التي هي ثورتها وفق ما أشارت التجربة الأوروبية. لهذا طرح السؤال حول: من يحقق الثورة الديمقراطية؟ وعبر "التحليل الملموس للواقع الملموس" توصل إلى أن العمال والفلاحين الفقراء هم مَنْ يجب أن تؤسس الماركسية مشروعها على فعلهم، وأن الماركسية عبر حزبها المحدَّد هي التي يجب أن تقود الصراع الطبقي من أجل ذلك.
ومن هذه الزاوية فتح لينين أفقاً واسعاً للماركسية، ربما لم يكن يتلمسه كله، لكن الواقع التالي أثبت ذلك. كما أنه فرض بلورة جملة تصورات وقوانين ومبادئ جديدة مختلفة عما كانت تتضمنه ماركسية ماركس، ومنها مفهوم الإمبريالية، مفهوم الحزب، دورالماركسية ذاتها، وكثير من الأفكار الهامة والعميقة. حيث أن تراجع دور الماركسية في الأمم الرأسمالية (وفي أوروبا خصوصاً) كان يقابله توسع دورها في الأمم المخلفة. وهذا ما كان يشير إلى أن فعل الماركسية ترابط مع مستويات الصراع الطبقي العالمي. لقد كان الصراع الطبقي في أوروبا يتراجع، بينما كان يتصاعد في الأمم المتخلفة. وربما كان تحليل لينين عن الإمبريالية يساعد على فهم هذه الحالة، التي باتت واضحة أكثرفيما بعد. وهو الأمر الذي "شطب" مفهوم الثورة الاشتراكية كما كان يتبلور مع ماركس وإنجلز، وأسس لفهم جديد ينطلق من التوضّع "النهائي" للرأسمالية كما نشأ نهاية القرن التاسع عشر (أي بعد وفاة ماركس).
وبالتالي، من هذه الزاوية فإن للينين موقع مهم في صيرورة تبلور الماركسية، لكن يجب أن نلحظ بأن كل إضافاته انبنت على عودته إلى الجدل المادي، والاستناد عليه في فهم الواقع الجديد. لقد كانت "روح" ماركس هي التي تحلل الواقع الجديد عبر لينين إذن. هذا ما أسميه التراكم الكمي على أرضية ما جاء به ماركس، الذي كان قد حقق نقلة نوعية حين بلور الجدل المادي، وأعاد تأسيس رؤية الواقع على ضوئه