عن التناقض المنطقي بين قانون نفي النفي و قانون وحدة وصراع الاضداد:
هذه المقالة تكملة لموضوع مقالة سابقة : مقالة "دحض قانون نفي النفي" . في مقالة دحض قانون نفي النفي كنا قد تطرقنا الى لا منطقية قانون نفي النفي من حيث عدم امكانية تحققه من الناحية المنطقية إلا في حالتين : الاولى ان يكون للوعي الاسبقية في الظهور على المادة (وهذا يناقض المفهوم المادي للكون الذي يشكل جوهر الفلسفة الماركسية) ، والثانية ان تمارس الطبيعة عملية النفي من تلقاء نفسها وهذا يؤدي في هذه الحالة الى ان الطبيعة تعمل بصورة غائية (وهذه فكرة في غاية السخف وينفيها العلم جملة وتفصيلا) . ......
في هذه المقالة سنتطرق الى ناحية اخرى لم تتناولها مقالة "دحض قانون نفي النفي" ألا وهي تناقض قانون نفي النفي مع قانون وحدة وصراع الاضداد من خلال تناقضه منطقيا مع مفهوم وحدة الاضداد . فحتى اذا اهملنا الاعتراضات التي اوردناها على هذا القانون في مقالة "دحض قانون نفي النفي" يبرز هذا الخلل الكبير في هذا القانون . ولتوضيح المسألة نورد نصين يشرحان جوهر كل من هذين القانونين لنقف على التناقض بينهما :
النص الاول :
....... يتلخص جوهر قانون نفي النفي فيما يلي : في عملية التطور تقوم كل درجة اعلى بنفي واقصاء الدرجة السابقة ، وترفعها في الوقت نفسه الى درجة جديدة وتحافظ على كل المحتوى الايجابي في تطورها .
ان النفي الديالكتيكي يفترض النفي والمحافظة على حد سواء ، ولكن المحافظة على كل ما هو ايجابي في الظاهرة القديمة . .........
معلوم ان الانسان قد بدأ نشاطه العملي بصنع ادوات العمل . وفي درجة معينة من التطور التاريخي اخلت الادوات الحجرية المكان للادوات المعدنية . ان الاخيرة بمثابة نفي للادوات الحجرية ، غير انه قد أبقى فيها على كل ما هو قيم في الاولى ، مثلا ، مقدرتها على القطع وشكلها ( مثل الفأس الحجرية والحديدية ) وما الى ذلك .
ان صنع الآلات كان تقدما جديدا في تطور ادوات الانتاج . فنول الحياكة الميكانيكي هو نفي للنول اليدوي . الا انه نفي ديالكتيكي لانه يحافظ الى حد ما على مبدأ عمل نول الحياكة اليدوي القديم . وهذا ما يحدث دائما في التكنيك . ان التصميمات الجديدة للآلات هي نفي للآلات القديمة ، ولكن مع المحافظة الاكيدة لذلك الشيء القيم الذي اكتسبته التجربة الانتاجية السابقة .
هذا هو طابع كل تطور اذا كان يجري نتيجة لنفي النفي .
المصدر: عرض موجز للمادية الديالكتيكية / بقلم بودوستنيك وياخوت ، الطبعة العربية ، دار التقدم ، موسكو ، الاتحاد السوفيياتي ، ص ص 106 - 107 ، التلوين باللون الاحمر مع الخط المائل والعريض من الصوت الشيوعي
النص الثاني:
...... ان الاضداد توجد في صلة فيما بينها . وهذه الصلة وثيقة لا تنفصم عراها لدرجة ان الاضداد لا تستطيع البقاء خارجها . ونحن نسمي هذه الصلة وحدة الاضداد . ان الميتافيزيائيين ينكرون هذه الوحدة . فهم يعتبرون ان كل ضد من الاضداد يقوم بحد ذاته . غير ان الامر في الواقع ليس كذلك . ...........
اليكم هذا المثل ........ . تتكون حياة الحيوان او الانسان ، كما سبق وقلنا ، من عمليتين متضادتين : تنشأ بعض الخلايا ، وتفنى وتزول خلايا اخرى . ولكن تصوروا انسانا يقول : بغية اطالة العمر يجب ايقاف عملية زوال ، اندثار الخلايا ، وابقاء عملية التجديد فقط ، عملية نشوء الخلايا الجديدة فقط . وعندها سوف تقوم الخلايا بعملية التجديد فقط . ان الانسان الذي يحاكم على هذا المنوال يقترف خطأ كبيرا : فالقضية هي ان الحياة تتكون من عمليتين متضادتين يستحيل فصل احدهما عن الاخرى .
ان من يحاول القضاء على احد الضدين يقضي على الضد الآخر ايضا ، وبالتالي ، على الحياة نفسها . ان عملية الحياة هي عملية واحدة ، وهي في الوقت نفسه عملية متناقضة .
يحاكم الميتافيزيائيون المعاصرون على الوجه التالي تقريبا : توجد في المجتمع الرأسمالي جوانب (( حسنة )) وجوانب (( رديئة )) . وبغية شفاء الرأسمالية من كل ما هو (( رديء )) ، يقترحون تطوير الجوانب (( الحسنة )) واجتثاث الجوانب (( الرديئة )) ؛ عندها سنحصل ، على حد زعمهم ، على مجتمع (( الرخاء العام )) . ان هذا يشبه تفكير شخص يريد ان يترك في عضوية الانسان ولادة الخلايا الجديدة فقط ويوقف عملية فناء الخلايا القديمة . ولكن كما انه يستحيل تحقيق ذلك في العضوية ، كذلك يستحيل تحقيقه في المجتمع البرجوازي .
ان الاضداد هنا لا يوجد بعضها بجانب بعض ، انما هي في وحدة ؛ انها تتغلغل بعضها في بعض .........
المصدر: عرض موجز للمادية الديالكتيكية / بقلم بودوستنيك وياخوت ، الطبعة العربية ، دار التقدم ، موسكو ، الاتحاد السوفيياتي ، ص ص93 - 95 ، التلوين باللون الاحمر مع الخط المائل والعريض من الصوت الشيوعي
من خلال مقارنة النص الاول مع النص الثاني لاسيما المقاطع المؤكدة يتبين بكل جلاء ان قانون نفي النفي يتناقض في جوهره مع مفهوم وحدة المتناقضات من قانون وحدة وصراع الاضداد . ذلك ان جوهر قانون نفي النفي يتمثل بان الدرجة العليا من التطور تؤدي الى ازالة الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور مع الاحتفاض بالجانب الايجابي منها وهذا يعني نقض المبدأ الاساسي في مفهوم وحدة الاضداد القائل بعدم امكانية ازالة احد المتضادين (أي احد جانبي التناقض) من دون ازالة الجانب الآخر للتناقض (أي الضد المقابل) . فبموجب مفهوم وحدة الاضداد زوال الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور لا يمكن ان يتحقق إلا بزوال الجانب الايجابي لهذه الدرجة أي ان زوال الجانب السلبي للدرجة الدنيا من التطور يؤدي بالضرورة الى فناء الجانب الايجابي منها واستحالة الاحتفاض به وهذا ما يهدم المفهوم الاساسي الذي يقوم عليه قانون نفي النفي . ان المسألة ليست مسألة نظرية فحسب بل شيء عملي . ان ما اشار اليه النص الثاني من امثلة على الاحتفاض بالجانب الايجابي للدرجة الدنيا من التطور لا يتم باقصاء الجانب السلبي وازالته كما يدعي قانون نفي النفي ذلك ان الجانب السلبي للدرجة الدنيا من التطور يبقى جزئيا والامثلة على ذلك كثيرة ومن ابرزها ما يأتي :
1) في التطور العضوي كانت الصعوبة الاساسية التي تعاني منها نظرية دارون في الانتخاب الطبيعي كما صاغها في كتاب "اصل الانواع" تتمثل في عجزها عن تفسير وجود صفات غير تكيفية في الكائنات الحية الحالية مثل الالوان الجميلة لريش الطيور و وجود الاعضاء الاثرية التي لا عمل لها في بعض الكائنات العليا التي ورثتها من اسلافها الدنيا مثل وجود الزائدة الدودية في الانسان من دون ان يكون لها أي وضيفة في حين ان هذا التركيب يعمل في القردة على هضم السيليلوز . فلطالما تحجج اعداء نظرية التطور بوجود الزائدة الدودية في الانسان من دون وظيفة عضوية مفيدة تقوم بها ، على عكس ما هو عليه في القردة ، كدليل على خطأ وبطلان نظرية انحدار الانسان من القردة . ذلك ان بموجب نظرية دارون كما وردت في كتابه الشهير "اصل الانواع" يتحتم ان تكون جميع الصفات التي يحملها الكائن الحي الحالي ذات طبيعة تكيفية من حيث وجوب قيامها بوظائف ذات فائدة بالنسبة للكائن الحي الذي يحملها ، ذلك لان نظرية دارون مبنية على اعتقاد خاطيء يتمثل بامكانية توارث الصفات المكتسبة. فلو صح ان الصفات المكتسبة يمكن توارثها وان هذه العملية (أي توارث الصفات المكتسبة) تمثل الآلية التي تظهر بها الصفات الجديدة لنتج عن ذلك ان جميع الصفات التي يحملها الكائن الحي الحالي يجب ان تكون صفات تكيفية (أي ذات طبيعة ايجابية) وفي هذه الحالة تتحقق الفكرة الاساسية لقانون نفي النفي : "اقصاء السلبي (الصفات غير التكيفية) و الاحتفاض بالايجابي (الصفات التكيفية) فقط" من خلال بقاء الكائنات ذات الصفات التكيفية التي تؤهلها للبقاء في عملية الصراع من اجل البقاء وانقراض الكائنات التي لا تمتلك مثل هذه الصفات . فبموجب نظرية دارون الصفات غير التكيفية لا يمكن ان توجد إلا في الكائنات المنقرضة . واذا رجعنا لكتاب "اصل الانواع" نجد ان نصف الكتاب تقريبا قد خصصه دارون لمحاولة الالتفاف على هذه الصعوبات محاولا ايجاد وظائف لهذه الصفات لكن من دون جدوى حيث يعجز في اعطاء مبررات مقنعة لوجودها . لكن العلم الحديث اثبت خطأ نظرية دارون المبنية على توارث الصفات المكتسبة واستعيض عن نظرية دارون الكلاسيكية بالنظرية الحديثة للتطور (الدارونية الجديدة او ما تسمى بالنظرية التركيبية) والتي تفسر امكانية بقاء الصفات غير التكيفية على ضوء معلوماتنا في علم الوراثة . فمثل هذه الصفات يمكن ان تبقى في مجمع مورثات النوع (مجموع المورثات وحلائلها المختلفة المحمولة في كل افراد النوع) كصفة متنحية بحالة متباينة الزيجة heterozygousاو انها تبقى في المجمع نتيجة ترابطها مع مورثات اخرى ذات ميزة بقائية ويكفي كما يرى بعض العلماء ان تتجاوز نسبة المورثات الصالحة 50% لبقاء النوع . لا بل ان ابحاث ادلة التطبيق العملي لعملية التطور قد اثبتت ان الصفات غير التكيفية لا تختفي تحت ضغط الانتخاب الطبيعي بل يقل ظهورها . وخير مثال يستشهد به على ذلك هو ما تعرضت له جماعات العثة المرقطة peppered moth المسماة Biston betularia في انكلترا . ففي اواسط القرن الماضي عثر جامعوا الحشرات في منطقة مانشستر على حشرات من هذا النوع سوداء اللون مختلفة عن الحشرات المألوفة . فالعثة المرقطة أصلا فاتحة اللون مرقطة كما هو واضح من التسمية . ويساعدها لونها هذا على التخفي حين تقف على جذوع الاشجار المكسوة بالطحالب فتنجو بذلك من الافتراس . أدت الثورة الصناعية في انكلترا الى اختفاء الطحالب من على جذوع الأشجار واكتساء هذه بالسخام الناتج عن المصانع . وتسبب هذا بدوره في انكشاف العثة المرقطة لعيون المفترسات ، في حين اصبحت العثة السوداء متلائمة مع اللون الاسود الذي اكتسبته الجذوع . وهكذا صارت بمنجاة من الافتراس ، فازدادت اعدادها وقلت اعداد العثة المرقطة . وبلغت نسبة العثة السوداء في الجماعات السكانية التي تستوطن المناطق الصناعية في مطلع هذا القرن 95% ، بينما بقيت نسبتها واطئة في المناطق غير الصناعية ، لا تتجاوز 1%. لجأت اغلب المصانع خلال القرن الحالي الى استعمال انواع من الوقود لا تخلف سخاما . فعادت الطحالب الى النمو على جذوع الاشجار من جديد ، واصبحت العثة السوداء هي المكشوفة لعيون المفترسات ، في حين عادت العثة المرقطة الى التخفي على الجذوع المكسوة بالطحالب . بينت الدراسات ان اللون الاسود للعثة ناتج عن مورثة طافرة متغلبة ، وان العثة السوداء موجودة حتى في المناطق غير الصناعية ولكن بنسب واطئة نتيجة الافتراس . ويعزى وجود العثة السوداء بهذه النسب ، الى حصول الطفرات والى هجرة حشرات سوداء من المناطق الصناعية المجاورة . وفي المناطق الصناعية لا تسقط المورثة المسؤولة عن اللون الفاتح (وهي متنحية) بصورة نهائية على الرغم من عمل الانتخاب الطبيعي على اسقاطها . لانها تبقى في الافراد متبايني الزيجة . كما يمكن ان يعزى وجود العثة المرقطة الى الهجرة ايضا . وهكذا ، فان الانتخاب الطبيعي لا يسقط وبشكل نهائي صفة متنحية مهما كانت شدته . ان هذه يعني بقاء الجانب السلبي الى بجنب الجانب الايجابي للمرحلة الدنيا من التطور مع بروز الجانب الايجابي وسيادته على الجانب السلبي وقلة ظهور هذا الاخير لكن من دون زواله بصورة نهائية . بموجب نظرية التطور الحديث استحالت ظاهرة وجود الاعضاء الاثرية في الكائنات الحية الحالية من دليل نقض يلوذ به اعداء نظرية التطور لتقويض هذه النظرية الى دليل اثبات لواقع التطور العضوي وانحدار الكائنات الحية من بعضها البعض. ان في هذا نسف لجوهر قانون نفي النفي .
الوحيد لتشابه المراحل الجنينية لأنواع الحيوان ، وبخاصة حين نقصر اهتمامنا على افراد شعبة واحدة ، هو ان للانواع التي تظهر اجنتها شبها فيما بينها انحدارا مشتركا . يمثل ظهور الجيوب والشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية في اجنة الفقريات السلوية Amniotes (الزواحف والطيور واللبائن) مثالا جيدا لقانون التكوين الحياتي . اذ ان افراد هذه الاصناف لا تستخدم الخياشم في تنفسها ، فهي فقريات متكيفة للحياة على اليابسة وتتنفس الهواء الحر ، في حين تقترن الشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية بتنفس الهواء المذاب في الماء ، كما في الاسماك . وعليه يمكننا ان نستنتج ان السلويات ورثت الجيوب والشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية عن اسلافها مائية المعيشة . مرة اخرى نجد في هذا هدم دحض لجوهر قانون نفي النفي .
هذه المقالة تكملة لموضوع مقالة سابقة : مقالة "دحض قانون نفي النفي" . في مقالة دحض قانون نفي النفي كنا قد تطرقنا الى لا منطقية قانون نفي النفي من حيث عدم امكانية تحققه من الناحية المنطقية إلا في حالتين : الاولى ان يكون للوعي الاسبقية في الظهور على المادة (وهذا يناقض المفهوم المادي للكون الذي يشكل جوهر الفلسفة الماركسية) ، والثانية ان تمارس الطبيعة عملية النفي من تلقاء نفسها وهذا يؤدي في هذه الحالة الى ان الطبيعة تعمل بصورة غائية (وهذه فكرة في غاية السخف وينفيها العلم جملة وتفصيلا) . ......
في هذه المقالة سنتطرق الى ناحية اخرى لم تتناولها مقالة "دحض قانون نفي النفي" ألا وهي تناقض قانون نفي النفي مع قانون وحدة وصراع الاضداد من خلال تناقضه منطقيا مع مفهوم وحدة الاضداد . فحتى اذا اهملنا الاعتراضات التي اوردناها على هذا القانون في مقالة "دحض قانون نفي النفي" يبرز هذا الخلل الكبير في هذا القانون . ولتوضيح المسألة نورد نصين يشرحان جوهر كل من هذين القانونين لنقف على التناقض بينهما :
النص الاول :
....... يتلخص جوهر قانون نفي النفي فيما يلي : في عملية التطور تقوم كل درجة اعلى بنفي واقصاء الدرجة السابقة ، وترفعها في الوقت نفسه الى درجة جديدة وتحافظ على كل المحتوى الايجابي في تطورها .
ان النفي الديالكتيكي يفترض النفي والمحافظة على حد سواء ، ولكن المحافظة على كل ما هو ايجابي في الظاهرة القديمة . .........
معلوم ان الانسان قد بدأ نشاطه العملي بصنع ادوات العمل . وفي درجة معينة من التطور التاريخي اخلت الادوات الحجرية المكان للادوات المعدنية . ان الاخيرة بمثابة نفي للادوات الحجرية ، غير انه قد أبقى فيها على كل ما هو قيم في الاولى ، مثلا ، مقدرتها على القطع وشكلها ( مثل الفأس الحجرية والحديدية ) وما الى ذلك .
ان صنع الآلات كان تقدما جديدا في تطور ادوات الانتاج . فنول الحياكة الميكانيكي هو نفي للنول اليدوي . الا انه نفي ديالكتيكي لانه يحافظ الى حد ما على مبدأ عمل نول الحياكة اليدوي القديم . وهذا ما يحدث دائما في التكنيك . ان التصميمات الجديدة للآلات هي نفي للآلات القديمة ، ولكن مع المحافظة الاكيدة لذلك الشيء القيم الذي اكتسبته التجربة الانتاجية السابقة .
هذا هو طابع كل تطور اذا كان يجري نتيجة لنفي النفي .
المصدر: عرض موجز للمادية الديالكتيكية / بقلم بودوستنيك وياخوت ، الطبعة العربية ، دار التقدم ، موسكو ، الاتحاد السوفيياتي ، ص ص 106 - 107 ، التلوين باللون الاحمر مع الخط المائل والعريض من الصوت الشيوعي
النص الثاني:
...... ان الاضداد توجد في صلة فيما بينها . وهذه الصلة وثيقة لا تنفصم عراها لدرجة ان الاضداد لا تستطيع البقاء خارجها . ونحن نسمي هذه الصلة وحدة الاضداد . ان الميتافيزيائيين ينكرون هذه الوحدة . فهم يعتبرون ان كل ضد من الاضداد يقوم بحد ذاته . غير ان الامر في الواقع ليس كذلك . ...........
اليكم هذا المثل ........ . تتكون حياة الحيوان او الانسان ، كما سبق وقلنا ، من عمليتين متضادتين : تنشأ بعض الخلايا ، وتفنى وتزول خلايا اخرى . ولكن تصوروا انسانا يقول : بغية اطالة العمر يجب ايقاف عملية زوال ، اندثار الخلايا ، وابقاء عملية التجديد فقط ، عملية نشوء الخلايا الجديدة فقط . وعندها سوف تقوم الخلايا بعملية التجديد فقط . ان الانسان الذي يحاكم على هذا المنوال يقترف خطأ كبيرا : فالقضية هي ان الحياة تتكون من عمليتين متضادتين يستحيل فصل احدهما عن الاخرى .
ان من يحاول القضاء على احد الضدين يقضي على الضد الآخر ايضا ، وبالتالي ، على الحياة نفسها . ان عملية الحياة هي عملية واحدة ، وهي في الوقت نفسه عملية متناقضة .
يحاكم الميتافيزيائيون المعاصرون على الوجه التالي تقريبا : توجد في المجتمع الرأسمالي جوانب (( حسنة )) وجوانب (( رديئة )) . وبغية شفاء الرأسمالية من كل ما هو (( رديء )) ، يقترحون تطوير الجوانب (( الحسنة )) واجتثاث الجوانب (( الرديئة )) ؛ عندها سنحصل ، على حد زعمهم ، على مجتمع (( الرخاء العام )) . ان هذا يشبه تفكير شخص يريد ان يترك في عضوية الانسان ولادة الخلايا الجديدة فقط ويوقف عملية فناء الخلايا القديمة . ولكن كما انه يستحيل تحقيق ذلك في العضوية ، كذلك يستحيل تحقيقه في المجتمع البرجوازي .
ان الاضداد هنا لا يوجد بعضها بجانب بعض ، انما هي في وحدة ؛ انها تتغلغل بعضها في بعض .........
المصدر: عرض موجز للمادية الديالكتيكية / بقلم بودوستنيك وياخوت ، الطبعة العربية ، دار التقدم ، موسكو ، الاتحاد السوفيياتي ، ص ص93 - 95 ، التلوين باللون الاحمر مع الخط المائل والعريض من الصوت الشيوعي
من خلال مقارنة النص الاول مع النص الثاني لاسيما المقاطع المؤكدة يتبين بكل جلاء ان قانون نفي النفي يتناقض في جوهره مع مفهوم وحدة المتناقضات من قانون وحدة وصراع الاضداد . ذلك ان جوهر قانون نفي النفي يتمثل بان الدرجة العليا من التطور تؤدي الى ازالة الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور مع الاحتفاض بالجانب الايجابي منها وهذا يعني نقض المبدأ الاساسي في مفهوم وحدة الاضداد القائل بعدم امكانية ازالة احد المتضادين (أي احد جانبي التناقض) من دون ازالة الجانب الآخر للتناقض (أي الضد المقابل) . فبموجب مفهوم وحدة الاضداد زوال الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور لا يمكن ان يتحقق إلا بزوال الجانب الايجابي لهذه الدرجة أي ان زوال الجانب السلبي للدرجة الدنيا من التطور يؤدي بالضرورة الى فناء الجانب الايجابي منها واستحالة الاحتفاض به وهذا ما يهدم المفهوم الاساسي الذي يقوم عليه قانون نفي النفي . ان المسألة ليست مسألة نظرية فحسب بل شيء عملي . ان ما اشار اليه النص الثاني من امثلة على الاحتفاض بالجانب الايجابي للدرجة الدنيا من التطور لا يتم باقصاء الجانب السلبي وازالته كما يدعي قانون نفي النفي ذلك ان الجانب السلبي للدرجة الدنيا من التطور يبقى جزئيا والامثلة على ذلك كثيرة ومن ابرزها ما يأتي :
1) في التطور العضوي كانت الصعوبة الاساسية التي تعاني منها نظرية دارون في الانتخاب الطبيعي كما صاغها في كتاب "اصل الانواع" تتمثل في عجزها عن تفسير وجود صفات غير تكيفية في الكائنات الحية الحالية مثل الالوان الجميلة لريش الطيور و وجود الاعضاء الاثرية التي لا عمل لها في بعض الكائنات العليا التي ورثتها من اسلافها الدنيا مثل وجود الزائدة الدودية في الانسان من دون ان يكون لها أي وضيفة في حين ان هذا التركيب يعمل في القردة على هضم السيليلوز . فلطالما تحجج اعداء نظرية التطور بوجود الزائدة الدودية في الانسان من دون وظيفة عضوية مفيدة تقوم بها ، على عكس ما هو عليه في القردة ، كدليل على خطأ وبطلان نظرية انحدار الانسان من القردة . ذلك ان بموجب نظرية دارون كما وردت في كتابه الشهير "اصل الانواع" يتحتم ان تكون جميع الصفات التي يحملها الكائن الحي الحالي ذات طبيعة تكيفية من حيث وجوب قيامها بوظائف ذات فائدة بالنسبة للكائن الحي الذي يحملها ، ذلك لان نظرية دارون مبنية على اعتقاد خاطيء يتمثل بامكانية توارث الصفات المكتسبة. فلو صح ان الصفات المكتسبة يمكن توارثها وان هذه العملية (أي توارث الصفات المكتسبة) تمثل الآلية التي تظهر بها الصفات الجديدة لنتج عن ذلك ان جميع الصفات التي يحملها الكائن الحي الحالي يجب ان تكون صفات تكيفية (أي ذات طبيعة ايجابية) وفي هذه الحالة تتحقق الفكرة الاساسية لقانون نفي النفي : "اقصاء السلبي (الصفات غير التكيفية) و الاحتفاض بالايجابي (الصفات التكيفية) فقط" من خلال بقاء الكائنات ذات الصفات التكيفية التي تؤهلها للبقاء في عملية الصراع من اجل البقاء وانقراض الكائنات التي لا تمتلك مثل هذه الصفات . فبموجب نظرية دارون الصفات غير التكيفية لا يمكن ان توجد إلا في الكائنات المنقرضة . واذا رجعنا لكتاب "اصل الانواع" نجد ان نصف الكتاب تقريبا قد خصصه دارون لمحاولة الالتفاف على هذه الصعوبات محاولا ايجاد وظائف لهذه الصفات لكن من دون جدوى حيث يعجز في اعطاء مبررات مقنعة لوجودها . لكن العلم الحديث اثبت خطأ نظرية دارون المبنية على توارث الصفات المكتسبة واستعيض عن نظرية دارون الكلاسيكية بالنظرية الحديثة للتطور (الدارونية الجديدة او ما تسمى بالنظرية التركيبية) والتي تفسر امكانية بقاء الصفات غير التكيفية على ضوء معلوماتنا في علم الوراثة . فمثل هذه الصفات يمكن ان تبقى في مجمع مورثات النوع (مجموع المورثات وحلائلها المختلفة المحمولة في كل افراد النوع) كصفة متنحية بحالة متباينة الزيجة heterozygousاو انها تبقى في المجمع نتيجة ترابطها مع مورثات اخرى ذات ميزة بقائية ويكفي كما يرى بعض العلماء ان تتجاوز نسبة المورثات الصالحة 50% لبقاء النوع . لا بل ان ابحاث ادلة التطبيق العملي لعملية التطور قد اثبتت ان الصفات غير التكيفية لا تختفي تحت ضغط الانتخاب الطبيعي بل يقل ظهورها . وخير مثال يستشهد به على ذلك هو ما تعرضت له جماعات العثة المرقطة peppered moth المسماة Biston betularia في انكلترا . ففي اواسط القرن الماضي عثر جامعوا الحشرات في منطقة مانشستر على حشرات من هذا النوع سوداء اللون مختلفة عن الحشرات المألوفة . فالعثة المرقطة أصلا فاتحة اللون مرقطة كما هو واضح من التسمية . ويساعدها لونها هذا على التخفي حين تقف على جذوع الاشجار المكسوة بالطحالب فتنجو بذلك من الافتراس . أدت الثورة الصناعية في انكلترا الى اختفاء الطحالب من على جذوع الأشجار واكتساء هذه بالسخام الناتج عن المصانع . وتسبب هذا بدوره في انكشاف العثة المرقطة لعيون المفترسات ، في حين اصبحت العثة السوداء متلائمة مع اللون الاسود الذي اكتسبته الجذوع . وهكذا صارت بمنجاة من الافتراس ، فازدادت اعدادها وقلت اعداد العثة المرقطة . وبلغت نسبة العثة السوداء في الجماعات السكانية التي تستوطن المناطق الصناعية في مطلع هذا القرن 95% ، بينما بقيت نسبتها واطئة في المناطق غير الصناعية ، لا تتجاوز 1%. لجأت اغلب المصانع خلال القرن الحالي الى استعمال انواع من الوقود لا تخلف سخاما . فعادت الطحالب الى النمو على جذوع الاشجار من جديد ، واصبحت العثة السوداء هي المكشوفة لعيون المفترسات ، في حين عادت العثة المرقطة الى التخفي على الجذوع المكسوة بالطحالب . بينت الدراسات ان اللون الاسود للعثة ناتج عن مورثة طافرة متغلبة ، وان العثة السوداء موجودة حتى في المناطق غير الصناعية ولكن بنسب واطئة نتيجة الافتراس . ويعزى وجود العثة السوداء بهذه النسب ، الى حصول الطفرات والى هجرة حشرات سوداء من المناطق الصناعية المجاورة . وفي المناطق الصناعية لا تسقط المورثة المسؤولة عن اللون الفاتح (وهي متنحية) بصورة نهائية على الرغم من عمل الانتخاب الطبيعي على اسقاطها . لانها تبقى في الافراد متبايني الزيجة . كما يمكن ان يعزى وجود العثة المرقطة الى الهجرة ايضا . وهكذا ، فان الانتخاب الطبيعي لا يسقط وبشكل نهائي صفة متنحية مهما كانت شدته . ان هذه يعني بقاء الجانب السلبي الى بجنب الجانب الايجابي للمرحلة الدنيا من التطور مع بروز الجانب الايجابي وسيادته على الجانب السلبي وقلة ظهور هذا الاخير لكن من دون زواله بصورة نهائية . بموجب نظرية التطور الحديث استحالت ظاهرة وجود الاعضاء الاثرية في الكائنات الحية الحالية من دليل نقض يلوذ به اعداء نظرية التطور لتقويض هذه النظرية الى دليل اثبات لواقع التطور العضوي وانحدار الكائنات الحية من بعضها البعض. ان في هذا نسف لجوهر قانون نفي النفي .
الوحيد لتشابه المراحل الجنينية لأنواع الحيوان ، وبخاصة حين نقصر اهتمامنا على افراد شعبة واحدة ، هو ان للانواع التي تظهر اجنتها شبها فيما بينها انحدارا مشتركا . يمثل ظهور الجيوب والشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية في اجنة الفقريات السلوية Amniotes (الزواحف والطيور واللبائن) مثالا جيدا لقانون التكوين الحياتي . اذ ان افراد هذه الاصناف لا تستخدم الخياشم في تنفسها ، فهي فقريات متكيفة للحياة على اليابسة وتتنفس الهواء الحر ، في حين تقترن الشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية بتنفس الهواء المذاب في الماء ، كما في الاسماك . وعليه يمكننا ان نستنتج ان السلويات ورثت الجيوب والشقوق الخيشومية والاقواس الابهرية عن اسلافها مائية المعيشة . مرة اخرى نجد في هذا هدم دحض لجوهر قانون نفي النفي .