وصايا أرض أرض، ووصايا أرض سماء
في سبيل بناء مجتمع أفضل وعلاقة أسلم بين الأفراد، لا بد من التوّقف عند الدِين وتبعاته من مشاكل نعيشها على جميع الأصعدة: الطائفية التي يرادفها الفساد، من الدِين الى الدَين، من الحوار الى الإقتتال، من الإعتدال الى التطرّف الذي يجلب تطرفاً آخراً...، لا بد من محاولة لتسليط الضوء على بعض النقاط التي تتوجب على الفرد في هذا المجتمع بحكم المنطق وعدل الطبيعة. هذا ما سنتعرّض له في هذا الموضوع، كمحاولة لتبويب خطوات يمكن لأي فرد اتباعها مهما اختلفت عقيدته.
أعود لكي أبدأ من محاولة قيّمة في البحث حول "وجودية الله" نشرها أسعد ذبيان في مدونته (خربشات بيروتية) وما أثارته من تعليقات في منتدى صوتك، وما اثارته وتثيره دائماً ذات الإشكاليات المتعلقة بالأديان. أذّكر بأهم ما دعت اليه هذه المحاولة ألا وهو ضرورة الفصل بين الخالق والدين والطائفة:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كارتفيلوس
هناك خلط في مجتمعاتنا يتبيّن خلال النقاش بين ثلاثة أمور هي الدين، والله، والطائفة/المجتمع. فبينما المصطلح الأخير هو عبارة عن العادات والتقاليد والأحكام التي تربطنا بالأقارب والأصحاب والأصدقاء نتيجة الولادة في قرية أو محلة ذات لون واحد، والدين عبارة عن الإنتماء الأولي الذي لا خيار لنا فيه، بل يولد معنا، فإنّ الإيمان بالله هو موضوع شخصي يحدده الفرد بنفسه...
والإيمان ما هو الاّ شعور يسكن في اثلام الخلايا التي تحرّكها روح نحاول في حياتنا على تقفي أثرها ومصدرها، فراحت تختلف نتائج أبحاث البشر العقيمة عن الخالق: فمنا من يؤمن بوجوده ومنا من لا يؤمن، وتختلف هيئة وصورة هذا الخالق من مجموعة الى اخرى وأكاد أقول من فرد الى آخر. نشأت الأديان، كل دين وقد تبنى إلهه وسنّ على شاكلته قواعد (من حقوق وواجبات) لإدارة العلاقة بين المؤمن وإلهه من جهة وبين المؤمنين بذات الإله من جهة اخرى الى العلاقة مع باقي الأفراد بمختلف آلهتهم وأديانهم.
والمشكلة الكبرى تكمن فيما يحدث فعلاً على أرض الواقع من سلوكيات وتصرفات تقوم بها الأفراد كما يحلو لها، نستطيع أن نعتبر ذلك الكمّ الهائل من الفتاوى التي تخرج من على أوتار حناجر رجال الآلهة على الكوكب كل فترة. الى ما قد يوافق عليه المُتبع لهذا المذهب أو لا يتفق معه، وإن حصل وقد وجد المؤمن نفسه ملزماً بالتعاليم راح والتف حولها ليفصلّها هو الآخر على هواه.
واستطرد قليلاً هنا، كي أعللّ سبب هذا الإختلاف (في تفصيل التعاليم والمفاهيم وآثار السلوكيات) الذي تشرحه طبيعة عملية الخلايا العصبية، من إدراك ووعي وإحساس. إذ يشعر الكائن بروحه، وتتراكم المفاهيم في ذهنه لتكّون تصوير للخالق، ولا يمكن حصر ولا وصف تلك الهيئة المكتملة التفاصيل المتأرجحة بين الشك واليقين. فعندما تناديك الأصوات بدعوة الى عمل ما حيث لا تتفق مع وعيك وإدراكك للاشياء، من الطبيعي أن تنتهي بخرق القانون ليتناسب مع إحساسك وهواك (بشّك ما فيه واليقين).
من هنا أبدأ، متوجهاً للمؤمن، المُتبع للأديان بملاحظات ووصايا إنسانية تنطلق من المؤمن باتجاه دينه على مختلف المذاهب ـ بمن أشمل معهم هنا اللاديني (أو الملحد) ـ في سبيل هدف واحد: تحسين العلاقة بين الجميع.
في حوار الأديان، لا بد لمن يريد أن يناقش هذا الموضوع أن يحدد الهدف بشكل واضح ومباشر أولاً، فإذا ما كان انطلاق الحوار مبنياً على عقائد ومبادئ ثابتة غير قابلة للنقد والنقاش من قبل طرفي (أو أطراف) النقاش، فما الهدف أساساً من هكذا حوار؟ ثم على من يريد دائماً الغوص في اشكاليات الدِين والدّيان أن يملك من الإجتهاد والمعرفة ما يخوله القيام بهكذا خطوات.
من المفروض على كل مؤمن يخاف على دينه أن يحاول اصلاح دينه من الداخل قبل هجمات الخارج عنه، إذ ينبغي على الملتزم أن يشير الى الأخطاء على الملأ مهما ارتفعت مرتبة المخطئ ولا سيما رجال الدين، وما أحاطوا به أنفسهم من حصانات ووكالات حصرية حصلوا عليها ومفوضيات من الإله وأكثر الى عصمتهم عن الخطأ والغلو بأنفسهم. والملفت جداً في الأمر، أنه كلما انتقد أحدهم دين الآخر، أجابه هذه الأخير: وما شأن هذا بالدين، وأن لا علاقة لهذا وذاك بهذا الدين وما الى هنالك من تبريرات فارغة... والدِين هذا من شأن مَن في النهاية؟ أولا يتوجّب على الخائف على صورة دينه مثلاً أن يحافظ عليه بمحاربته لكل محاولات التشويه الصادرة أولاً من داخل هذا الحصن؟ من يقوم بدوره اتجاه دينه؟ هنا السؤال!
لنقف قليلاً هنا عند دور رجل الدين، ما هو دوره؟ ما هي حقوقه وواجباته؟ من هي السلطة التي تحاسبه؟ وهل نترك حساب رجل الدين الى الإله أيضاً حتى لو جاء ذلك متعارضاً أصلاً مع أصول الدين والقيم الإنسانية والإحترام؟ حقيقة هنا أدعو وبكل بساطة الى الإعتكاف ومقاطعة المؤسسات الدينية طالما تستشري فيها الخطايا وتفوح بالفساد، فليس منطقياً على سبيل المثال دفع الزكاة الى مشايخ نشّك أصلاً أين/وعلى من تصرف أموال الخُمس والزكاة.
لأن في هذا العالم، ما يبحث عنه البشر أولاً هو البقاء، بخير، قبل أي حاجة اخرى، على من يريد المساعدة، أن يقدّم أي شكل من أشكال الخير قبل التسويق لإله أو التبشير بدين، إني لأرى في كل دعوة تبشيرية هدفاً مادياً تبحث عنه خزائن مؤسسات الخالق على الأرض.
من مواصفات البشري، أنه عندما يشّك بأمر ما يطرحه على الملأ عله يجد تأكيداً أو نفياً لشعوره، أما حيث يكون المرء منا على ثقة ويقين من أمره فيحتفظ بالأمر لنفسه. من هذا المنطلق الأمور الشخصية لا تناقش أولاً مع أيّ كان، وللجميع أن يحتفظ بحقه هذا: عدم التصريح عن أمور شخصية عند السؤال عنها وبالطبع من دون السؤال، وخاصة عن علاقته بالخالق وصورته عنده إذا كان ولا بد من وجود تلك الصورة.
حيث تتطّور القواعد العامة (أخلاق الأمم والتصرفات) والتعاليم الدينية بشكل خاص لتتاسب والواقع بشكل مستمر، الذي يعني وبكل بساطة أن كل التقاليد والعادات التي تصلنا تبقى جاهزة كل الوقت للنقد والإستفهام وخاصة عندما نكرر قيامنا وقعودنا بذات الطرق والمشاكل تبقى، هذا يعني أنه لا بد من اعادة النظر في طرقنا وعاداتنا حتى لو أن المجتمع بأسره يتبع ذات الأساليب، لأن ذلك لا يعني أبداً أنه الأفضل.
يطول الحديث، ولا ينتهي، في هذه الدوامة الكبيرة، هذه الحلقة المفرغة التي ندور في أنحائها، أنحاء الوطن، نبحث عن ثغرة نخرج عبرها من إحكام الطوائف على أنفاسنا والشعور، بخطوة صغيرة، هكذا، أن يشير كل واحد منا الى أخطاء قومه بكل جرأة قبل اي شيئ، لأننا للأسف ما نقوى عليه دائماً هو الآخر. أنت أيها الأول والآخر. ونسأل أنفسنا دائماً ـ ربما ـ من أين نبدأ؟ في كل هذا، يصلح البدء من أي شيئ، ويكفي اصلاح أمر واحد كي تتفكك هذه السلسلة المترابطة من المشاكل، أولها هنا في عقليتنا وأنحائها وآخرها ليس ابعد من شاكلة أنظمتنا ومؤسساتنا.
في سبيل بناء مجتمع أفضل وعلاقة أسلم بين الأفراد، لا بد من التوّقف عند الدِين وتبعاته من مشاكل نعيشها على جميع الأصعدة: الطائفية التي يرادفها الفساد، من الدِين الى الدَين، من الحوار الى الإقتتال، من الإعتدال الى التطرّف الذي يجلب تطرفاً آخراً...، لا بد من محاولة لتسليط الضوء على بعض النقاط التي تتوجب على الفرد في هذا المجتمع بحكم المنطق وعدل الطبيعة. هذا ما سنتعرّض له في هذا الموضوع، كمحاولة لتبويب خطوات يمكن لأي فرد اتباعها مهما اختلفت عقيدته.
أعود لكي أبدأ من محاولة قيّمة في البحث حول "وجودية الله" نشرها أسعد ذبيان في مدونته (خربشات بيروتية) وما أثارته من تعليقات في منتدى صوتك، وما اثارته وتثيره دائماً ذات الإشكاليات المتعلقة بالأديان. أذّكر بأهم ما دعت اليه هذه المحاولة ألا وهو ضرورة الفصل بين الخالق والدين والطائفة:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كارتفيلوس
هناك خلط في مجتمعاتنا يتبيّن خلال النقاش بين ثلاثة أمور هي الدين، والله، والطائفة/المجتمع. فبينما المصطلح الأخير هو عبارة عن العادات والتقاليد والأحكام التي تربطنا بالأقارب والأصحاب والأصدقاء نتيجة الولادة في قرية أو محلة ذات لون واحد، والدين عبارة عن الإنتماء الأولي الذي لا خيار لنا فيه، بل يولد معنا، فإنّ الإيمان بالله هو موضوع شخصي يحدده الفرد بنفسه...
والإيمان ما هو الاّ شعور يسكن في اثلام الخلايا التي تحرّكها روح نحاول في حياتنا على تقفي أثرها ومصدرها، فراحت تختلف نتائج أبحاث البشر العقيمة عن الخالق: فمنا من يؤمن بوجوده ومنا من لا يؤمن، وتختلف هيئة وصورة هذا الخالق من مجموعة الى اخرى وأكاد أقول من فرد الى آخر. نشأت الأديان، كل دين وقد تبنى إلهه وسنّ على شاكلته قواعد (من حقوق وواجبات) لإدارة العلاقة بين المؤمن وإلهه من جهة وبين المؤمنين بذات الإله من جهة اخرى الى العلاقة مع باقي الأفراد بمختلف آلهتهم وأديانهم.
والمشكلة الكبرى تكمن فيما يحدث فعلاً على أرض الواقع من سلوكيات وتصرفات تقوم بها الأفراد كما يحلو لها، نستطيع أن نعتبر ذلك الكمّ الهائل من الفتاوى التي تخرج من على أوتار حناجر رجال الآلهة على الكوكب كل فترة. الى ما قد يوافق عليه المُتبع لهذا المذهب أو لا يتفق معه، وإن حصل وقد وجد المؤمن نفسه ملزماً بالتعاليم راح والتف حولها ليفصلّها هو الآخر على هواه.
واستطرد قليلاً هنا، كي أعللّ سبب هذا الإختلاف (في تفصيل التعاليم والمفاهيم وآثار السلوكيات) الذي تشرحه طبيعة عملية الخلايا العصبية، من إدراك ووعي وإحساس. إذ يشعر الكائن بروحه، وتتراكم المفاهيم في ذهنه لتكّون تصوير للخالق، ولا يمكن حصر ولا وصف تلك الهيئة المكتملة التفاصيل المتأرجحة بين الشك واليقين. فعندما تناديك الأصوات بدعوة الى عمل ما حيث لا تتفق مع وعيك وإدراكك للاشياء، من الطبيعي أن تنتهي بخرق القانون ليتناسب مع إحساسك وهواك (بشّك ما فيه واليقين).
من هنا أبدأ، متوجهاً للمؤمن، المُتبع للأديان بملاحظات ووصايا إنسانية تنطلق من المؤمن باتجاه دينه على مختلف المذاهب ـ بمن أشمل معهم هنا اللاديني (أو الملحد) ـ في سبيل هدف واحد: تحسين العلاقة بين الجميع.
في حوار الأديان، لا بد لمن يريد أن يناقش هذا الموضوع أن يحدد الهدف بشكل واضح ومباشر أولاً، فإذا ما كان انطلاق الحوار مبنياً على عقائد ومبادئ ثابتة غير قابلة للنقد والنقاش من قبل طرفي (أو أطراف) النقاش، فما الهدف أساساً من هكذا حوار؟ ثم على من يريد دائماً الغوص في اشكاليات الدِين والدّيان أن يملك من الإجتهاد والمعرفة ما يخوله القيام بهكذا خطوات.
من المفروض على كل مؤمن يخاف على دينه أن يحاول اصلاح دينه من الداخل قبل هجمات الخارج عنه، إذ ينبغي على الملتزم أن يشير الى الأخطاء على الملأ مهما ارتفعت مرتبة المخطئ ولا سيما رجال الدين، وما أحاطوا به أنفسهم من حصانات ووكالات حصرية حصلوا عليها ومفوضيات من الإله وأكثر الى عصمتهم عن الخطأ والغلو بأنفسهم. والملفت جداً في الأمر، أنه كلما انتقد أحدهم دين الآخر، أجابه هذه الأخير: وما شأن هذا بالدين، وأن لا علاقة لهذا وذاك بهذا الدين وما الى هنالك من تبريرات فارغة... والدِين هذا من شأن مَن في النهاية؟ أولا يتوجّب على الخائف على صورة دينه مثلاً أن يحافظ عليه بمحاربته لكل محاولات التشويه الصادرة أولاً من داخل هذا الحصن؟ من يقوم بدوره اتجاه دينه؟ هنا السؤال!
لنقف قليلاً هنا عند دور رجل الدين، ما هو دوره؟ ما هي حقوقه وواجباته؟ من هي السلطة التي تحاسبه؟ وهل نترك حساب رجل الدين الى الإله أيضاً حتى لو جاء ذلك متعارضاً أصلاً مع أصول الدين والقيم الإنسانية والإحترام؟ حقيقة هنا أدعو وبكل بساطة الى الإعتكاف ومقاطعة المؤسسات الدينية طالما تستشري فيها الخطايا وتفوح بالفساد، فليس منطقياً على سبيل المثال دفع الزكاة الى مشايخ نشّك أصلاً أين/وعلى من تصرف أموال الخُمس والزكاة.
لأن في هذا العالم، ما يبحث عنه البشر أولاً هو البقاء، بخير، قبل أي حاجة اخرى، على من يريد المساعدة، أن يقدّم أي شكل من أشكال الخير قبل التسويق لإله أو التبشير بدين، إني لأرى في كل دعوة تبشيرية هدفاً مادياً تبحث عنه خزائن مؤسسات الخالق على الأرض.
من مواصفات البشري، أنه عندما يشّك بأمر ما يطرحه على الملأ عله يجد تأكيداً أو نفياً لشعوره، أما حيث يكون المرء منا على ثقة ويقين من أمره فيحتفظ بالأمر لنفسه. من هذا المنطلق الأمور الشخصية لا تناقش أولاً مع أيّ كان، وللجميع أن يحتفظ بحقه هذا: عدم التصريح عن أمور شخصية عند السؤال عنها وبالطبع من دون السؤال، وخاصة عن علاقته بالخالق وصورته عنده إذا كان ولا بد من وجود تلك الصورة.
حيث تتطّور القواعد العامة (أخلاق الأمم والتصرفات) والتعاليم الدينية بشكل خاص لتتاسب والواقع بشكل مستمر، الذي يعني وبكل بساطة أن كل التقاليد والعادات التي تصلنا تبقى جاهزة كل الوقت للنقد والإستفهام وخاصة عندما نكرر قيامنا وقعودنا بذات الطرق والمشاكل تبقى، هذا يعني أنه لا بد من اعادة النظر في طرقنا وعاداتنا حتى لو أن المجتمع بأسره يتبع ذات الأساليب، لأن ذلك لا يعني أبداً أنه الأفضل.
يطول الحديث، ولا ينتهي، في هذه الدوامة الكبيرة، هذه الحلقة المفرغة التي ندور في أنحائها، أنحاء الوطن، نبحث عن ثغرة نخرج عبرها من إحكام الطوائف على أنفاسنا والشعور، بخطوة صغيرة، هكذا، أن يشير كل واحد منا الى أخطاء قومه بكل جرأة قبل اي شيئ، لأننا للأسف ما نقوى عليه دائماً هو الآخر. أنت أيها الأول والآخر. ونسأل أنفسنا دائماً ـ ربما ـ من أين نبدأ؟ في كل هذا، يصلح البدء من أي شيئ، ويكفي اصلاح أمر واحد كي تتفكك هذه السلسلة المترابطة من المشاكل، أولها هنا في عقليتنا وأنحائها وآخرها ليس ابعد من شاكلة أنظمتنا ومؤسساتنا.