لماركسية و الدولة
يطرح كل من ماركس و أنجلز في كتاباتهما شكلاً غامضاً للدولة نوعاً ما، و لكن أوضح الطروحات الماركسية للدولة هو ما أتى ضمن البيان الشيوعي و ذلك أنها أداة يمكن أن تُستعمل في يد العمال كما تُستعمل في يد البرجوازيين، و لكن طالما هي بيد البرجوازيين تكون الدولة أداة لقمع البروليتاريا، لذا تعتبر الدولة ناتجة عن الصراع الطبقي في داخل المجتمع. و لكن ان وصل العمال الى سدة الحكم سيكون من واجباتهم انتاج حكومة مركزية تتحكم بالمواصلات ووسائل الانتاج و ذلك في المرحلة الاشتراكية من أجل الوصول للمرحلة الشيوعية. و نتيجة لغموض الطرح الماركسي لشكل الدولة نتجت عدة تفسيرات لكيفية الوصول الى الحكم، فكانت احدى هذه التفسيرات أن ماركس هو داعية لحمل العقيدة الثورية و ازالة الحكم البرجوازي عند توفر الظروف المناسبة، و من الأمثلة على ذلك نجاح الثورات في كثير من مناطق العالم. أما التفسير الآخر فكان يحمل في طياته الطابع السلمي للوصول الى الحكم، و ذلك عن طريق الاندماج في السياسة البرلمانية للديمقراطيات الليبرالية كما حدث في أجزاء من أوروبا و أمريكا اللاتينية.
أحد أهم المنظرين الماركسيين في مجال استخدام الثورة الشعبية لتغيير نظام الحكم هو لينين، الذي قال أن "الدولة هي نتاج و مظهر استعصاء التناقضات الطبقية" (لينين، 1917، ص3) و بما أنها ناتجة عن تناقضات يستحيل حلها باستخدام الطريق السلمي يتوجب على الثوار استخدام القوة العسكرية لاسقاط النظام الرأسمالي و استبداله بنظام اشتراكي للوصول الى الحالة الشيوعية. "إن انجلز يشرح مفهوم «القوة» التي تسمى الدولة، القوة التي نشأت في المجتمع، ولكنها تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر. مم تتألف هذه القوة بصورة رئيسية؟ من فصائل خاصة و من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون" (لينين، 1917، ص4) و نتيجة لهذا تحدث حالة من الاغتراب عند العامل في العمل و المجتمع و الدولة بشكل عام، و كذلك تتراكم حالة من العجز و عدم القدرة على التغيير الا باستخدام "العنف الثوري" و قوة الجماهير. و بعد حدوث الثورة الاشتراكية و الانتقال الى "ديكتاتورية البروليتاريا" يتم القضاء على الدولة البرجوازية و انتهاء النظام الديمقراطي، و ذلك لأن النظام الديمقراطي هو أحد أشكال الحكم البرجوازي الاستغلالي، الذي يتم فيه استغلال العمال و الطبقة الكادحة، و بحدوث الثورة يتم الغاء التناقض الطبقي في داخل المجتمع حيث أن المجتمع بأكمله يتحول الى طبقة واحدة.
لم يترك النظام الرأسمالي أمام العمال من خيار الا خيار الثورة و تغيير النظام بالقوة، و لا يمكنهم الانتظار حتى "اضمحلال الدولة و نشوء الدولة الشعبية الحرة" (لينين، 1917، ص و التي طرحها كاوتسكي و المناشفة، "ولكن هذا الشعار كان انتهازيا، لأنه لم يفصح فقط عن تجميل الديموقراطية البرجوازية، بل وكذلك عن عدم فهم النقد الاشتراكي لكل دولة بوجه عام" (لينين، 1917، ص و ذلك بسبب استمرارية العمل المأجور و الاستغلال.
عند نجاح الثورة و ثباتها على الأرض يتم حل البرلمان و تشكيل هيئة من الطبقة العاملة تكون بمثابة سلطة تشريعية و تنفيذية معاً، حيث أن البرلمانات (من وجهة النظر الماركسية) لم تُصنع الا لقمع الشعوب لذا يتم القضاء عليها ليحل محلها الهيئة المذكورة سابقاً، و هذه الهيئة تكون "هيئة عاملة" بدلاً من كونها هيئة برلمانية. و ذلك لضمان استمرارية العمل لفائدة المجتمع العمالي المنتج في داخل الدولة. و لكن قد يحدث نتيجة لذلك العديد من المشاكل التي قد تقضي على انجازات الثورة، مثلما حدث في الاتحاد السوفييتي بعد اعتلاء ستالين لسدة الحكم فيه، حيث أن امتلاك جهة ما (الحزب الشيوعي الحاكم في حالة الاتحاد السوفييتي) في داخل الدولة لسلطتي التشريع و التنفيذ و وسائل الانتاج أدى الى الفساد و القمع، و نسيان الهدف الرئيسي من الثورة، و اللحاق بركب الامبريالية العالمية في سباق التسلح، لذا لضمان نزاهة هذه الهيئة و فاعليتها يجب انشاء شبكة رقابة لمراقبة عملها.
و من المنظرين الذين انتقدوا النظرة الماركسية لوظيفة الدولة هو ميخائيل بوكانين، و الذي كان يعتبر الدولة تحط من قيمة الانسان، و تحد من حريته. حيث أنه اعتبر أن الشيء الوحيد الذي يحد من حرية الانسان هي تلك القوانين التي تنبع من داخل طبيعتنا البشرية، و بالتالي لا يمكن اعتبارها سلطة فوقية أو خارجة عن ارادة و حرية الانسان. و لكن الدولة تعمل على قتل الانسانية في داخل الانسان، و تحويله الى مجرد آلة أو مواطن أو مقيم ليس أكثر، و تعمل على سلبه حريته و التي تمثل الوسط الوحيد الذي يمكن أن تتطور فيه السعادة و الكرامة الانسانية، و التي هي مكوّن ضروري و مهم لنشوء الانسان و انتاجيته.
عندما تكون الحرية بهذا الشكل (نابعة من داخل الانسان) فانها لا تصطدم مع حريات الآخرين بل على العكس، تتكامل معها حتى تشكل حرية لا متناهية للفرد في نهاية المطاف. حيث أن هذه الحرية عن طريق المساواة و العدالة الاجتماعية، ستعمل على تأسيس عالم من التضامن الانساني، ملغية بذلك سلطة الدولة و السلطة الدينية معاً، و التي ليست الا تعبيراً سافراً عن البطش و الهيمنة و الظلم.
و لن تتم المساواة و العدالة الاجتماعية الا عن طريق التوزيع العادل للعائدات الاقتصادية و المكانة الاجتماعية، و لكن بدون التخلي عن حرية الانسان التي هي أول مطلب للانسانية، و لكن في الوقت ذاته فان الحرية لا تؤسس نفسها الا عن طريق التنظيم العفوي للعمل، و الملكية الجماعية لجمعيات انتاجية تنتظم و تندمج معاً في مقاطعات و بشكل عفوي و ليس عن طريق وصاية الدولة الفوقية.
ما يتجه اليه الاشتراكيون الثوريون هو تدمير الدولة، و ذلك من أجل الحفاظ على الحرية، أما الشيوعيون فيتجهون نحو اعادة انتاج السلطة عن طريق تنظيم العمال لاسقاط النظام القائم، و بالتالي بقاء المشكلة قائمة بحسب وجهة نظر الاشتراكيين الثوريين، و ذلك أن المشكلة ليست في شكل الحكومات هذا أو ذاك بل هو في الحكومات نفسها.
أمّا تروتسكي و الذي انتقد التجربة الستالينية بشدة بسبب بقاء الحكومة البيروقراطية على سدة الحكم، أشار الى أهمية حل الجيش و قوى الأمن و التي أسماها اقتباساً من لينين "طفيليات تعيش على جسم المجتمع البرجوازي" (تروتسكي، 1968، ص20) فتمتص دمه و تسد مسام جلده، و بالتالي يجب حل الجيش و اسبداله "بجهاز خاص من العمال و المستخدمين" (تروتسكي، 1968، ص20). و لكن بشرط اتخاذ التدابير التالية "لمنعهم من الانحراف نحو البيروقراطية:
1. انتخاب أفرادها، و امكانية اعفائهم في كل وقت.
2. منح أفرادها أجر لا يزيد عن أجر العامل.
3. الانتقال المباشر الى وضع يصبح فيه الجميع بيروقراطيون مؤقتون." (تروتسكي، 1968، ص21)
و بالتالي ينتقل موضوع الدفاع عن الدولة من أن يكون امتيازات لضباط معينين، لأن يصبح بيد الشعب حيث يتم تسليح الشعب من أجل الوصول الى أن تصبح القوة المادية بيد الشعب و ليس بيد جهاز بيروقراطي.
و ديكتاتورية البروليتاريا ما هي الا حالة مؤقتة انتقالية بين البرجوازية و الاشتراكية، و بالتالي هي تعمل على تحضير الدولة للزوال، و ذلك عن طريق ازالة التناقضات بين الطبقات و الانسجام المجتمعي. و لكن في بداية التجربة الثورية الشيوعية "سيعيش الحق البرجوازي فترة من الوقت داخل الشيوعية، كما ستتابع الدولة البرجوازية وجودها بدون برجوازية." و من ثم تنتقل الدولة لالغاء الجيش و قوى الأمن لانتاج مجتمع يدير نفسه بنفسه.
قد يكون غرامشي هو الوحيد الذي لفته أهمية الفرد في بناء الدولة و المجتمع الشيوعي، و لكن حتى غرامشي رأى احتياجات الفرد بشكل منقوص، أما باقي المنظرين من الماركسيين الأوائل (و خصوصاً ستالين) فقد ألغوا الفرد لحساب المجتمع لاعتقادهم الخاطئ بأن ماركس كان يدعو الى قتل الفردية، و لكنهم تناسوا بشكل أو بآخر أن المجتمع ما هو الا عبارة عن تجمع أفراد، و بالتالي فان بناء الأفراد ما هو الا بناء للمجتمع، و ذلك من أكثر الموضوعات التي تكلم عنها ماركس في بداية حياته، و بشكل ضمني في مؤلفاته اللاحقة، و باعتقادي أن بناء مجتمع شيوعي حقيقي يتم عن طريق ايجاد تقاطع بين دائرة الفرد و دائرة المجتمع، و البروفيسور سكاف في كتابه Marxism and the human individual المنشور في أوائل الستّينات من القرن الماضي، كان أول من لفت النظر الى تطرّق ماركس في معظم مؤلفّاته الى أهمية الفرد في الثورة و في الوصول الى المجتمع الشيوعي.
المراجع
Bakunin, M. (1950). Marxism, freedom and the state
تروتسكي، ليون. (1968). الثورة المغدورة.
لينين، ف. (1917). الدولة و الثورة.
يطرح كل من ماركس و أنجلز في كتاباتهما شكلاً غامضاً للدولة نوعاً ما، و لكن أوضح الطروحات الماركسية للدولة هو ما أتى ضمن البيان الشيوعي و ذلك أنها أداة يمكن أن تُستعمل في يد العمال كما تُستعمل في يد البرجوازيين، و لكن طالما هي بيد البرجوازيين تكون الدولة أداة لقمع البروليتاريا، لذا تعتبر الدولة ناتجة عن الصراع الطبقي في داخل المجتمع. و لكن ان وصل العمال الى سدة الحكم سيكون من واجباتهم انتاج حكومة مركزية تتحكم بالمواصلات ووسائل الانتاج و ذلك في المرحلة الاشتراكية من أجل الوصول للمرحلة الشيوعية. و نتيجة لغموض الطرح الماركسي لشكل الدولة نتجت عدة تفسيرات لكيفية الوصول الى الحكم، فكانت احدى هذه التفسيرات أن ماركس هو داعية لحمل العقيدة الثورية و ازالة الحكم البرجوازي عند توفر الظروف المناسبة، و من الأمثلة على ذلك نجاح الثورات في كثير من مناطق العالم. أما التفسير الآخر فكان يحمل في طياته الطابع السلمي للوصول الى الحكم، و ذلك عن طريق الاندماج في السياسة البرلمانية للديمقراطيات الليبرالية كما حدث في أجزاء من أوروبا و أمريكا اللاتينية.
أحد أهم المنظرين الماركسيين في مجال استخدام الثورة الشعبية لتغيير نظام الحكم هو لينين، الذي قال أن "الدولة هي نتاج و مظهر استعصاء التناقضات الطبقية" (لينين، 1917، ص3) و بما أنها ناتجة عن تناقضات يستحيل حلها باستخدام الطريق السلمي يتوجب على الثوار استخدام القوة العسكرية لاسقاط النظام الرأسمالي و استبداله بنظام اشتراكي للوصول الى الحالة الشيوعية. "إن انجلز يشرح مفهوم «القوة» التي تسمى الدولة، القوة التي نشأت في المجتمع، ولكنها تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر. مم تتألف هذه القوة بصورة رئيسية؟ من فصائل خاصة و من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون" (لينين، 1917، ص4) و نتيجة لهذا تحدث حالة من الاغتراب عند العامل في العمل و المجتمع و الدولة بشكل عام، و كذلك تتراكم حالة من العجز و عدم القدرة على التغيير الا باستخدام "العنف الثوري" و قوة الجماهير. و بعد حدوث الثورة الاشتراكية و الانتقال الى "ديكتاتورية البروليتاريا" يتم القضاء على الدولة البرجوازية و انتهاء النظام الديمقراطي، و ذلك لأن النظام الديمقراطي هو أحد أشكال الحكم البرجوازي الاستغلالي، الذي يتم فيه استغلال العمال و الطبقة الكادحة، و بحدوث الثورة يتم الغاء التناقض الطبقي في داخل المجتمع حيث أن المجتمع بأكمله يتحول الى طبقة واحدة.
لم يترك النظام الرأسمالي أمام العمال من خيار الا خيار الثورة و تغيير النظام بالقوة، و لا يمكنهم الانتظار حتى "اضمحلال الدولة و نشوء الدولة الشعبية الحرة" (لينين، 1917، ص و التي طرحها كاوتسكي و المناشفة، "ولكن هذا الشعار كان انتهازيا، لأنه لم يفصح فقط عن تجميل الديموقراطية البرجوازية، بل وكذلك عن عدم فهم النقد الاشتراكي لكل دولة بوجه عام" (لينين، 1917، ص و ذلك بسبب استمرارية العمل المأجور و الاستغلال.
عند نجاح الثورة و ثباتها على الأرض يتم حل البرلمان و تشكيل هيئة من الطبقة العاملة تكون بمثابة سلطة تشريعية و تنفيذية معاً، حيث أن البرلمانات (من وجهة النظر الماركسية) لم تُصنع الا لقمع الشعوب لذا يتم القضاء عليها ليحل محلها الهيئة المذكورة سابقاً، و هذه الهيئة تكون "هيئة عاملة" بدلاً من كونها هيئة برلمانية. و ذلك لضمان استمرارية العمل لفائدة المجتمع العمالي المنتج في داخل الدولة. و لكن قد يحدث نتيجة لذلك العديد من المشاكل التي قد تقضي على انجازات الثورة، مثلما حدث في الاتحاد السوفييتي بعد اعتلاء ستالين لسدة الحكم فيه، حيث أن امتلاك جهة ما (الحزب الشيوعي الحاكم في حالة الاتحاد السوفييتي) في داخل الدولة لسلطتي التشريع و التنفيذ و وسائل الانتاج أدى الى الفساد و القمع، و نسيان الهدف الرئيسي من الثورة، و اللحاق بركب الامبريالية العالمية في سباق التسلح، لذا لضمان نزاهة هذه الهيئة و فاعليتها يجب انشاء شبكة رقابة لمراقبة عملها.
و من المنظرين الذين انتقدوا النظرة الماركسية لوظيفة الدولة هو ميخائيل بوكانين، و الذي كان يعتبر الدولة تحط من قيمة الانسان، و تحد من حريته. حيث أنه اعتبر أن الشيء الوحيد الذي يحد من حرية الانسان هي تلك القوانين التي تنبع من داخل طبيعتنا البشرية، و بالتالي لا يمكن اعتبارها سلطة فوقية أو خارجة عن ارادة و حرية الانسان. و لكن الدولة تعمل على قتل الانسانية في داخل الانسان، و تحويله الى مجرد آلة أو مواطن أو مقيم ليس أكثر، و تعمل على سلبه حريته و التي تمثل الوسط الوحيد الذي يمكن أن تتطور فيه السعادة و الكرامة الانسانية، و التي هي مكوّن ضروري و مهم لنشوء الانسان و انتاجيته.
عندما تكون الحرية بهذا الشكل (نابعة من داخل الانسان) فانها لا تصطدم مع حريات الآخرين بل على العكس، تتكامل معها حتى تشكل حرية لا متناهية للفرد في نهاية المطاف. حيث أن هذه الحرية عن طريق المساواة و العدالة الاجتماعية، ستعمل على تأسيس عالم من التضامن الانساني، ملغية بذلك سلطة الدولة و السلطة الدينية معاً، و التي ليست الا تعبيراً سافراً عن البطش و الهيمنة و الظلم.
و لن تتم المساواة و العدالة الاجتماعية الا عن طريق التوزيع العادل للعائدات الاقتصادية و المكانة الاجتماعية، و لكن بدون التخلي عن حرية الانسان التي هي أول مطلب للانسانية، و لكن في الوقت ذاته فان الحرية لا تؤسس نفسها الا عن طريق التنظيم العفوي للعمل، و الملكية الجماعية لجمعيات انتاجية تنتظم و تندمج معاً في مقاطعات و بشكل عفوي و ليس عن طريق وصاية الدولة الفوقية.
ما يتجه اليه الاشتراكيون الثوريون هو تدمير الدولة، و ذلك من أجل الحفاظ على الحرية، أما الشيوعيون فيتجهون نحو اعادة انتاج السلطة عن طريق تنظيم العمال لاسقاط النظام القائم، و بالتالي بقاء المشكلة قائمة بحسب وجهة نظر الاشتراكيين الثوريين، و ذلك أن المشكلة ليست في شكل الحكومات هذا أو ذاك بل هو في الحكومات نفسها.
أمّا تروتسكي و الذي انتقد التجربة الستالينية بشدة بسبب بقاء الحكومة البيروقراطية على سدة الحكم، أشار الى أهمية حل الجيش و قوى الأمن و التي أسماها اقتباساً من لينين "طفيليات تعيش على جسم المجتمع البرجوازي" (تروتسكي، 1968، ص20) فتمتص دمه و تسد مسام جلده، و بالتالي يجب حل الجيش و اسبداله "بجهاز خاص من العمال و المستخدمين" (تروتسكي، 1968، ص20). و لكن بشرط اتخاذ التدابير التالية "لمنعهم من الانحراف نحو البيروقراطية:
1. انتخاب أفرادها، و امكانية اعفائهم في كل وقت.
2. منح أفرادها أجر لا يزيد عن أجر العامل.
3. الانتقال المباشر الى وضع يصبح فيه الجميع بيروقراطيون مؤقتون." (تروتسكي، 1968، ص21)
و بالتالي ينتقل موضوع الدفاع عن الدولة من أن يكون امتيازات لضباط معينين، لأن يصبح بيد الشعب حيث يتم تسليح الشعب من أجل الوصول الى أن تصبح القوة المادية بيد الشعب و ليس بيد جهاز بيروقراطي.
و ديكتاتورية البروليتاريا ما هي الا حالة مؤقتة انتقالية بين البرجوازية و الاشتراكية، و بالتالي هي تعمل على تحضير الدولة للزوال، و ذلك عن طريق ازالة التناقضات بين الطبقات و الانسجام المجتمعي. و لكن في بداية التجربة الثورية الشيوعية "سيعيش الحق البرجوازي فترة من الوقت داخل الشيوعية، كما ستتابع الدولة البرجوازية وجودها بدون برجوازية." و من ثم تنتقل الدولة لالغاء الجيش و قوى الأمن لانتاج مجتمع يدير نفسه بنفسه.
قد يكون غرامشي هو الوحيد الذي لفته أهمية الفرد في بناء الدولة و المجتمع الشيوعي، و لكن حتى غرامشي رأى احتياجات الفرد بشكل منقوص، أما باقي المنظرين من الماركسيين الأوائل (و خصوصاً ستالين) فقد ألغوا الفرد لحساب المجتمع لاعتقادهم الخاطئ بأن ماركس كان يدعو الى قتل الفردية، و لكنهم تناسوا بشكل أو بآخر أن المجتمع ما هو الا عبارة عن تجمع أفراد، و بالتالي فان بناء الأفراد ما هو الا بناء للمجتمع، و ذلك من أكثر الموضوعات التي تكلم عنها ماركس في بداية حياته، و بشكل ضمني في مؤلفاته اللاحقة، و باعتقادي أن بناء مجتمع شيوعي حقيقي يتم عن طريق ايجاد تقاطع بين دائرة الفرد و دائرة المجتمع، و البروفيسور سكاف في كتابه Marxism and the human individual المنشور في أوائل الستّينات من القرن الماضي، كان أول من لفت النظر الى تطرّق ماركس في معظم مؤلفّاته الى أهمية الفرد في الثورة و في الوصول الى المجتمع الشيوعي.
المراجع
Bakunin, M. (1950). Marxism, freedom and the state
تروتسكي، ليون. (1968). الثورة المغدورة.
لينين، ف. (1917). الدولة و الثورة.