اسم سورية والحزب السوري القومي الإجتماعي
تجرأ أحد ملوك الفينيقيين، وطرد بخشونة مندوب أحد ملوك الفراعنة، الذي جاء خصيصا من وادي النيل، لأخذ شحنة من خشب الأرز، عندما تحداه قائلا:
" اذهب من مرفأي، فأنا جالس في غرفتي العليا، مستندا ظهري الى النافذة، بينما أمواج البحر السوري العظيم تتلاطم على الصخور تحتي، واعلم أني لست بخادمك، ولا بخادم الذي أرسلك، واذا ناديت جبال لبنان المنيعة، فان السماوات تنفتح، وتأتي الأخشاب الى هنا، على ساحل البحر.." ([1])
وتجرأ أنطون سعادة، وهو ابن السادسة عشرة، ان يرد على ضابط إيطالي:
" لا. بل أجل، ان هذا البحر لنا، انّه البحر السوري “، وذلك عندما ادعى الضابط المذكور، بان البحر روماني، وهو بحر الروم([2]).
ثلاثة آلاف سنة وأكثر، تفصل بين الموقفين، واسم" سورية " وبحرها، ما زالا يشغلان المفكرين والباحثين. ولهم من الكتابات في ذلك، ما أثار صراعا وجدلا بين تيارين. الأول يمجد هذا الاسم ويقدّسه، والآخر يعمل على التنفير منه وتحقيره. مما حدا بالشاعر رشيد سليم الخوري ( الشاعر القروي )، الى القول:
من منبىء السوري وهومشوّه وجه الآباء لكثرة التعفيــر
ان الألى سجد الملوك لبأسهم سجدوا بسوريا أمام قبــور
عجباً لسوري يحقّر نفســه والخلق يسجد للتراب السوري([3])
ولأن العقائد الكبرى المعنية بحياة الأمم، تنطلق في البحث عن تعيين هوية الشعوب والأوطان. كان لا بد من إخراج الهوية القومية التاريخية – الجغرافية لشعبنا، من دوائر القوى المتغلبة، والأمر الواقع، والتجاذبات السياسية ذات النظريات الجزئية، التي تتعاطى مع الشؤون القومية العامة، من منظار سياسي محدود، لا يتعدى اطار المكان والزمان، الذي تنشأ فيه وتعمل له.
كل فكرة قومية حقيقية ([4])، وجهتها المصلحة العامة لكيان مجتمعها، والخير العام للإنسانية. تنطلق من أساس ثابت هو أرض الوطن، الذي تدور فيه حياة الشعب، على مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية. ومن أرض هذا الوطن، أو من جماعة برزت فيه تكتسب الأمة اسمها، وتعرف هويتها القومية، الضرورية لقيام شخصيتها المميزة. ومن الأمثلة على ذلك فان العرب سموا عربا نسبة الى العربه أي الصحراء ([5]).
السوريون هم سكان سورية، وليس لهم جدّ دعي بهذا الاسم. وسموا كذلك لأنهم يسكنون سورية، ووحدوا حياتهم فيها، على قاعدة امتزاج الأصول المشتركة، التي صارت مجتمعا قائما، في بيئة واحدة ممتازة، عرفت تاريخيا باسم سورية. وسماها العرب " الهلال الخصيب " لفظا جغرافيا طبيعيا محض، لا علاقة له بالتاريخ، ولا بالأمة وشخصيتها ([6])
ولكن الحوادث التاريخية المتعاقبة على سورية، طمست آثارها، ورسخت التعاريف المبلبلة، التي جزأت هويتها القومية، وفقا للمدارس التاريخية الأجنبية المعادية، التي كتبت تاريخ هذه الامة، خصوصا في مراحل تقهقرها وضعفها.
ان أية دراسة علمية موضوعية معمقة للبحث في المداليل المتعددة لكلمة " سورية". لا بدّ أن تجد لها قاعدة في نقد مناهج المدارس التاريخية، التي لم تدرك واقع الأمة السورية نشؤا وتطورا، أو تلك التي كتبت بروح العداء لهذه الأمة. من هنا يمكن، تسهيلا للدراسة، أن نتتبع المراحل التي مرّ بها التداول باسم " سورية "، على النحو الآتي:
أولا: المدرسة السورية القديمة للتاريخ، وهي تلك التي سبقت الفتوحات الأجنبية الكبرى، الفارسية والإغريقية والرومانية، حيث كان
مؤرخو سورية يعتمدون ثقات ومعلمين للذين يريدون تدوين تاريخ أممهم. الاقريك والرومان اعتمدوا على مؤرخين كنعانيين ( فينيقيين ) قديما ليؤرخوا عن بلادهم. وقد شهد بهذه الحقيقة المؤرخ الإيطالي المشهور شيزر كنتو في مؤلفه " التاريخ العالمي " ([7])
المراجع الموثوقة في التقصي عن مدلول اسم سورية، في هذه الحقبة، قليلة، لعل أبرزها ما كتبه المؤرخون: يوسف الدبس ([8])، فيليب حتي ([9]) ومفيد عرنوق([10])
المطران يوسف الدبس استعرض وجهات النظر المتعددة التي تناولت اسم سورية ابتداء من " الكتاب المقدس “، مرورا " باليونان “، انتهاء " بعلماء هذا العصر “، ليؤكد ان تسمية هذه البلاد بسورية، هي أقدم كثيرا من أيام اليونان المعروفين:
الكتاب المقدس:
سورية آرام ، سمى الكتاب المقدس في العهد القديم سورية آرام نسبة الى آرام الخامس من أبناء سام بن نوح لان كثيرا من سكانها الاقدمين من أعقابه . على ان الكتاب أضاف اسم آرام الى أعمال عديدة فقال: آرام النهرين ويراد بها ما بين النهرين دجلة والفرات، وآرام دمشق ويراد بها مملكة دمشق. وآرام صوبا ويراد بها على الراجح سورية المجوفة أي ما بين لبنان الغربي ولبنان الشرقي أو هي مملكة كانت بين دمشق جنوبا وحماه شمالا، وآرام معكة ويظهر ان المراد بها مملكة كانت في موقع حاصبيا ومرجعيون وبانياس، وآرام رحوب ويظهر إنها كانت في محل الجولان الآن.
اليونان:
هيرودوت المولود سنة 484 ق.م. ، هو، على ما نعلم، أول من سمى هذه البلاد سورية وتبعه في ذلك مؤرخو اليونان والرومان. ولكن ما الذي حملهم على هذه التسمية ففيه للعلماء القدماء أقوال أقربها الى الصحة قولان:
- الأول إنها سميت سورية نسبة الى صور، مدينتها البحرية الشهيرة وقد عرف اليونان أهلها لكثرة ترددهم الى بلادهم للتجارة فسموهم سوريين وبلادهم سورية بإبدال الصاد بالسين لعدم وجود الصاد في اللغة اليونانية. وكلمة صور بالفينيقية معناها الصخر أو السور، ويرى هذا الاسم منقوشا على المسكوكات القديمة التي وجدت في هذه المدينة.
- والثاني ان اليونان سموا هذه البلاد سورية نسبة الى أسور اسيريا بلاد الاشوريين، لأن الاشوريين كانوا يتولون أعمال سورية عند استفحال أمر اليونان فنسبوا سورية إليهم مخففين اللفظة بحذف الهجاء الأول منها والمبادلة بين السين والشين حتى في أشور وأسور.
ونرى بعض قدماء اليونان وغيرهم يطلقون اسم سورية على ما بين النهرين أيضا وعلى أرمينيا وبعض بلاد فارس. فكان اسم سورية مرادف لاسم أسيري مملكة الآشوريين.
******
علماء هذا العصر:
أما علماء هذا العصر الباحثون في الآثار فوافق بعضهم على ما رآه القدماء وخالفه بعضهم. قال مسبرو ( في التاريخ القديم لشعوب المشرق، فصل صحيفة 147 طبعة 4 " ان توتمس ابن امنهوتاب الذي خلفه في الملك انه أول من اقتاد المصريين الى فتح آسيا والبلاد التي وصلوا إليها بعد خليج السويس كانت تسمى حينئذ سورية، وقال في حاشية علقها على كلمة سورية ان اللفظة المصرية كسارو خففت فصارت سارو ثم سورية، فهذا التخمين بعيد المرمى ضعيف المستند. وتعقبه الأب دي كارا في كتابة " الملوك الرعاة " فصل 9. م.ل بروغز في تاريخ مصر، ما اسم سورية إلا مخفف اسيرية سميت كذلك بعد ان دانت أعمال سورية على التعاقب لتجلات فلاصر الثاني ( من 745-727 ) ق. م . ثم لسرجون (722 –705 ) وهذا كان بعد عهد تحوتمس بنحو ألف سنة.
على ان الأب دي كارا، في كتابه " الملوك الرعاة " رد رأي بروغز ورأى الأولى نسبة اسم سورية الى أسور أو اسوريم بن دادان.. ( تكوين فصل 25 اعد 3 ) لحسبانه ان الشعوب الذين ارتحلوا الى فينيقيا وأسسوا مدينة صور كانت مهاجرهم بلاد العرب. وفي الآثار المصرية ذكر شعب يسمى أسور من جملة الشعوب حلفاء الحثيين سكان سورية الشمالية لمحاربة رعمسيس ملك مصر وهذا كان في القرن 14 ق.م. إذ لم يكن لمملكة الآشوريين شيء من السطوة في سورية. وذكر الأب دي كارا مستندا آخر لرأيه هو انه قد وجدت صفيحة في سان بمصر كتب عليها بثلاث لغات اسم سورية فكان في الهيروغليفية روثانو وفي اليونانية سورية وفي لغة المصريين اسار أو أسور.. ثم ان هذا الاسم أشور أو أسور وجد مكتوبا بين أسماء القبائل التسع التي كتبت على جدار هيكل ادفو في مصر أنباء بان رعمسيس دوخها.. وعليه فتسمية هذه البلاد بسورية هي أقدم كثيرا من أيام اليونان المعروفين. هذا ملخص لما قاله الأب دي كارا ونراه قريبا من الصحة.
أما فيليب حتي، فقد اعتبر ان اسم سورية يوناني في شكله:
" اسم سورية والسوريين.
ان اسم سورية يوناني في شكله ( وقد ظهر لأول مرة في 12 Herodotus Butch ) . ويظهر بشكل شرين shryn في آداب أوغاريت ( في أوائل القرن الرابع عشر ) . وسيريون siryun في العبرية ( سفر التثنية 9.3 ) و(المزامير 6:29 ) حيث يطلق على لبنان الشرقي. واستخدم اسم الجزء فيما بعد ليشمل البلاد كلها. وكلمة لبنان هي سامية أيضا ولكنها تظهر في الوثائق المسمارية التي هي أقدم من " الوثائق العبرية والاوغاريتية.
وكانت إحدى مناطق شمالي الفرات معروفة عند البابليين باسم سوري su-Ri ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بين " سورية " و" آسيريا " ( أشور) . وفي العصور اليونانية وما بعدها توسع استعمال هذا الاسم وأطلق على البلاد كلها واستخدم بهذا المعنى حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. وقد شمل عموما المساحة الواقعة بين طوروس وسيناء وبين البحر المتوسط والبادية. وكانت فلسطين بالنسبة لهيرودتس قسما من سوريا- وكذلك كانت بالنسبة للأتراك.. وكان سكانها يعرفون بالسوريين الذين في فلسطين. واعتبر ويليم الصوري وغيرهم من مؤرخي الحروب الصليبية فلسطين جزءا من سورية أيضا. واسم فلسطين أيضا أتى من اليونانية وكان بالأصل " فلسطيا" وهو متصل بذكرى الفلسطينيين الهنود الأوروبيين الذين احتلوا المنطقة الساحلية في القرن الثالث عشر ق.م. في ذات الفترة تقريبا التي كان يحاول فيها الإسرائيليون احتلال الداخل. ومن ذلك الحين انتشرت هذه التسمية وصارت تشمل المنطقة بكاملها وحتى البادية.
وتسمية سورية والسوريين غير واردة في النص العبري الأصلي للعهد القديم ولكنها مستعملة في الترجمة السبعينية للدلالة على آرام الآراميين وبعض الكتاب في العصر الكلاسيكي يخطئون حين يجعلون اسمهم مرادفا للآشوريين. وقد أعطى العرب البلاد اسما جديدا وهو الشام أو المنطقة الواقعة الى اليسار ( أي الشمال ) بخلاف اليمين أو المنطقة الواقعة الى اليمين ( أي الجنوب ) وذلك بالنسبة للحجاز. واستعمل اسم " سوري " بالإنكليزية حتى العصر الحديث كتسمية عرقية تشمل سكان سورية كلها غير انه يستعمل الآن للدلالة على رعايا الجمهورية السورية فقط كمصطلح لغوي. فان اسم سوري syrian بالإنكليزية يشير الى جميع الشعوب التي تتكلم السريانية ( الآرامية ) ومنهم الذين في العراق وايران . كما انه يشير كمصطلح ديني الى اتباع الكنيسة السورية القديمة أو السريانية. وقد انتشر بعضهم حتى في جنوبي الهند .
وكان اسم سيروس syrus ( سوري ) بالنسبة للرومان يعني كل شخص يتكلم اللغة السريانية ، غير ان ولاية سورية الرومانية كانت تمتد من الفرات الى مصر . وكانت هذه هي حدود سورية كما وصفها العرب الجغرافيون. وظلت تعتبر كذلك حتى نهاية الدور العثماني. والوحدة الطبيعية لهذه المنطقة التي تعرف باسم سورية لها ما يقابلها في الوحدة الحضارية ولكن ليس في الوحدة الجنسية أو السياسية. وهي تشكل منطقة متشابهة في الحضارة على وجه التقريب ومختلفة اختلافا بيناً عن المناطق المجاورة. غير ان الحدود الحضارية بينها وبين الطرف الشرقي فقط للهلال الخصيب كانت دائماً حدوداً مانعة ".
تجرأ أحد ملوك الفينيقيين، وطرد بخشونة مندوب أحد ملوك الفراعنة، الذي جاء خصيصا من وادي النيل، لأخذ شحنة من خشب الأرز، عندما تحداه قائلا:
" اذهب من مرفأي، فأنا جالس في غرفتي العليا، مستندا ظهري الى النافذة، بينما أمواج البحر السوري العظيم تتلاطم على الصخور تحتي، واعلم أني لست بخادمك، ولا بخادم الذي أرسلك، واذا ناديت جبال لبنان المنيعة، فان السماوات تنفتح، وتأتي الأخشاب الى هنا، على ساحل البحر.." ([1])
وتجرأ أنطون سعادة، وهو ابن السادسة عشرة، ان يرد على ضابط إيطالي:
" لا. بل أجل، ان هذا البحر لنا، انّه البحر السوري “، وذلك عندما ادعى الضابط المذكور، بان البحر روماني، وهو بحر الروم([2]).
ثلاثة آلاف سنة وأكثر، تفصل بين الموقفين، واسم" سورية " وبحرها، ما زالا يشغلان المفكرين والباحثين. ولهم من الكتابات في ذلك، ما أثار صراعا وجدلا بين تيارين. الأول يمجد هذا الاسم ويقدّسه، والآخر يعمل على التنفير منه وتحقيره. مما حدا بالشاعر رشيد سليم الخوري ( الشاعر القروي )، الى القول:
من منبىء السوري وهومشوّه وجه الآباء لكثرة التعفيــر
ان الألى سجد الملوك لبأسهم سجدوا بسوريا أمام قبــور
عجباً لسوري يحقّر نفســه والخلق يسجد للتراب السوري([3])
ولأن العقائد الكبرى المعنية بحياة الأمم، تنطلق في البحث عن تعيين هوية الشعوب والأوطان. كان لا بد من إخراج الهوية القومية التاريخية – الجغرافية لشعبنا، من دوائر القوى المتغلبة، والأمر الواقع، والتجاذبات السياسية ذات النظريات الجزئية، التي تتعاطى مع الشؤون القومية العامة، من منظار سياسي محدود، لا يتعدى اطار المكان والزمان، الذي تنشأ فيه وتعمل له.
كل فكرة قومية حقيقية ([4])، وجهتها المصلحة العامة لكيان مجتمعها، والخير العام للإنسانية. تنطلق من أساس ثابت هو أرض الوطن، الذي تدور فيه حياة الشعب، على مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية. ومن أرض هذا الوطن، أو من جماعة برزت فيه تكتسب الأمة اسمها، وتعرف هويتها القومية، الضرورية لقيام شخصيتها المميزة. ومن الأمثلة على ذلك فان العرب سموا عربا نسبة الى العربه أي الصحراء ([5]).
السوريون هم سكان سورية، وليس لهم جدّ دعي بهذا الاسم. وسموا كذلك لأنهم يسكنون سورية، ووحدوا حياتهم فيها، على قاعدة امتزاج الأصول المشتركة، التي صارت مجتمعا قائما، في بيئة واحدة ممتازة، عرفت تاريخيا باسم سورية. وسماها العرب " الهلال الخصيب " لفظا جغرافيا طبيعيا محض، لا علاقة له بالتاريخ، ولا بالأمة وشخصيتها ([6])
ولكن الحوادث التاريخية المتعاقبة على سورية، طمست آثارها، ورسخت التعاريف المبلبلة، التي جزأت هويتها القومية، وفقا للمدارس التاريخية الأجنبية المعادية، التي كتبت تاريخ هذه الامة، خصوصا في مراحل تقهقرها وضعفها.
ان أية دراسة علمية موضوعية معمقة للبحث في المداليل المتعددة لكلمة " سورية". لا بدّ أن تجد لها قاعدة في نقد مناهج المدارس التاريخية، التي لم تدرك واقع الأمة السورية نشؤا وتطورا، أو تلك التي كتبت بروح العداء لهذه الأمة. من هنا يمكن، تسهيلا للدراسة، أن نتتبع المراحل التي مرّ بها التداول باسم " سورية "، على النحو الآتي:
أولا: المدرسة السورية القديمة للتاريخ، وهي تلك التي سبقت الفتوحات الأجنبية الكبرى، الفارسية والإغريقية والرومانية، حيث كان
مؤرخو سورية يعتمدون ثقات ومعلمين للذين يريدون تدوين تاريخ أممهم. الاقريك والرومان اعتمدوا على مؤرخين كنعانيين ( فينيقيين ) قديما ليؤرخوا عن بلادهم. وقد شهد بهذه الحقيقة المؤرخ الإيطالي المشهور شيزر كنتو في مؤلفه " التاريخ العالمي " ([7])
المراجع الموثوقة في التقصي عن مدلول اسم سورية، في هذه الحقبة، قليلة، لعل أبرزها ما كتبه المؤرخون: يوسف الدبس ([8])، فيليب حتي ([9]) ومفيد عرنوق([10])
المطران يوسف الدبس استعرض وجهات النظر المتعددة التي تناولت اسم سورية ابتداء من " الكتاب المقدس “، مرورا " باليونان “، انتهاء " بعلماء هذا العصر “، ليؤكد ان تسمية هذه البلاد بسورية، هي أقدم كثيرا من أيام اليونان المعروفين:
الكتاب المقدس:
سورية آرام ، سمى الكتاب المقدس في العهد القديم سورية آرام نسبة الى آرام الخامس من أبناء سام بن نوح لان كثيرا من سكانها الاقدمين من أعقابه . على ان الكتاب أضاف اسم آرام الى أعمال عديدة فقال: آرام النهرين ويراد بها ما بين النهرين دجلة والفرات، وآرام دمشق ويراد بها مملكة دمشق. وآرام صوبا ويراد بها على الراجح سورية المجوفة أي ما بين لبنان الغربي ولبنان الشرقي أو هي مملكة كانت بين دمشق جنوبا وحماه شمالا، وآرام معكة ويظهر ان المراد بها مملكة كانت في موقع حاصبيا ومرجعيون وبانياس، وآرام رحوب ويظهر إنها كانت في محل الجولان الآن.
اليونان:
هيرودوت المولود سنة 484 ق.م. ، هو، على ما نعلم، أول من سمى هذه البلاد سورية وتبعه في ذلك مؤرخو اليونان والرومان. ولكن ما الذي حملهم على هذه التسمية ففيه للعلماء القدماء أقوال أقربها الى الصحة قولان:
- الأول إنها سميت سورية نسبة الى صور، مدينتها البحرية الشهيرة وقد عرف اليونان أهلها لكثرة ترددهم الى بلادهم للتجارة فسموهم سوريين وبلادهم سورية بإبدال الصاد بالسين لعدم وجود الصاد في اللغة اليونانية. وكلمة صور بالفينيقية معناها الصخر أو السور، ويرى هذا الاسم منقوشا على المسكوكات القديمة التي وجدت في هذه المدينة.
- والثاني ان اليونان سموا هذه البلاد سورية نسبة الى أسور اسيريا بلاد الاشوريين، لأن الاشوريين كانوا يتولون أعمال سورية عند استفحال أمر اليونان فنسبوا سورية إليهم مخففين اللفظة بحذف الهجاء الأول منها والمبادلة بين السين والشين حتى في أشور وأسور.
ونرى بعض قدماء اليونان وغيرهم يطلقون اسم سورية على ما بين النهرين أيضا وعلى أرمينيا وبعض بلاد فارس. فكان اسم سورية مرادف لاسم أسيري مملكة الآشوريين.
******
علماء هذا العصر:
أما علماء هذا العصر الباحثون في الآثار فوافق بعضهم على ما رآه القدماء وخالفه بعضهم. قال مسبرو ( في التاريخ القديم لشعوب المشرق، فصل صحيفة 147 طبعة 4 " ان توتمس ابن امنهوتاب الذي خلفه في الملك انه أول من اقتاد المصريين الى فتح آسيا والبلاد التي وصلوا إليها بعد خليج السويس كانت تسمى حينئذ سورية، وقال في حاشية علقها على كلمة سورية ان اللفظة المصرية كسارو خففت فصارت سارو ثم سورية، فهذا التخمين بعيد المرمى ضعيف المستند. وتعقبه الأب دي كارا في كتابة " الملوك الرعاة " فصل 9. م.ل بروغز في تاريخ مصر، ما اسم سورية إلا مخفف اسيرية سميت كذلك بعد ان دانت أعمال سورية على التعاقب لتجلات فلاصر الثاني ( من 745-727 ) ق. م . ثم لسرجون (722 –705 ) وهذا كان بعد عهد تحوتمس بنحو ألف سنة.
على ان الأب دي كارا، في كتابه " الملوك الرعاة " رد رأي بروغز ورأى الأولى نسبة اسم سورية الى أسور أو اسوريم بن دادان.. ( تكوين فصل 25 اعد 3 ) لحسبانه ان الشعوب الذين ارتحلوا الى فينيقيا وأسسوا مدينة صور كانت مهاجرهم بلاد العرب. وفي الآثار المصرية ذكر شعب يسمى أسور من جملة الشعوب حلفاء الحثيين سكان سورية الشمالية لمحاربة رعمسيس ملك مصر وهذا كان في القرن 14 ق.م. إذ لم يكن لمملكة الآشوريين شيء من السطوة في سورية. وذكر الأب دي كارا مستندا آخر لرأيه هو انه قد وجدت صفيحة في سان بمصر كتب عليها بثلاث لغات اسم سورية فكان في الهيروغليفية روثانو وفي اليونانية سورية وفي لغة المصريين اسار أو أسور.. ثم ان هذا الاسم أشور أو أسور وجد مكتوبا بين أسماء القبائل التسع التي كتبت على جدار هيكل ادفو في مصر أنباء بان رعمسيس دوخها.. وعليه فتسمية هذه البلاد بسورية هي أقدم كثيرا من أيام اليونان المعروفين. هذا ملخص لما قاله الأب دي كارا ونراه قريبا من الصحة.
أما فيليب حتي، فقد اعتبر ان اسم سورية يوناني في شكله:
" اسم سورية والسوريين.
ان اسم سورية يوناني في شكله ( وقد ظهر لأول مرة في 12 Herodotus Butch ) . ويظهر بشكل شرين shryn في آداب أوغاريت ( في أوائل القرن الرابع عشر ) . وسيريون siryun في العبرية ( سفر التثنية 9.3 ) و(المزامير 6:29 ) حيث يطلق على لبنان الشرقي. واستخدم اسم الجزء فيما بعد ليشمل البلاد كلها. وكلمة لبنان هي سامية أيضا ولكنها تظهر في الوثائق المسمارية التي هي أقدم من " الوثائق العبرية والاوغاريتية.
وكانت إحدى مناطق شمالي الفرات معروفة عند البابليين باسم سوري su-Ri ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بين " سورية " و" آسيريا " ( أشور) . وفي العصور اليونانية وما بعدها توسع استعمال هذا الاسم وأطلق على البلاد كلها واستخدم بهذا المعنى حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. وقد شمل عموما المساحة الواقعة بين طوروس وسيناء وبين البحر المتوسط والبادية. وكانت فلسطين بالنسبة لهيرودتس قسما من سوريا- وكذلك كانت بالنسبة للأتراك.. وكان سكانها يعرفون بالسوريين الذين في فلسطين. واعتبر ويليم الصوري وغيرهم من مؤرخي الحروب الصليبية فلسطين جزءا من سورية أيضا. واسم فلسطين أيضا أتى من اليونانية وكان بالأصل " فلسطيا" وهو متصل بذكرى الفلسطينيين الهنود الأوروبيين الذين احتلوا المنطقة الساحلية في القرن الثالث عشر ق.م. في ذات الفترة تقريبا التي كان يحاول فيها الإسرائيليون احتلال الداخل. ومن ذلك الحين انتشرت هذه التسمية وصارت تشمل المنطقة بكاملها وحتى البادية.
وتسمية سورية والسوريين غير واردة في النص العبري الأصلي للعهد القديم ولكنها مستعملة في الترجمة السبعينية للدلالة على آرام الآراميين وبعض الكتاب في العصر الكلاسيكي يخطئون حين يجعلون اسمهم مرادفا للآشوريين. وقد أعطى العرب البلاد اسما جديدا وهو الشام أو المنطقة الواقعة الى اليسار ( أي الشمال ) بخلاف اليمين أو المنطقة الواقعة الى اليمين ( أي الجنوب ) وذلك بالنسبة للحجاز. واستعمل اسم " سوري " بالإنكليزية حتى العصر الحديث كتسمية عرقية تشمل سكان سورية كلها غير انه يستعمل الآن للدلالة على رعايا الجمهورية السورية فقط كمصطلح لغوي. فان اسم سوري syrian بالإنكليزية يشير الى جميع الشعوب التي تتكلم السريانية ( الآرامية ) ومنهم الذين في العراق وايران . كما انه يشير كمصطلح ديني الى اتباع الكنيسة السورية القديمة أو السريانية. وقد انتشر بعضهم حتى في جنوبي الهند .
وكان اسم سيروس syrus ( سوري ) بالنسبة للرومان يعني كل شخص يتكلم اللغة السريانية ، غير ان ولاية سورية الرومانية كانت تمتد من الفرات الى مصر . وكانت هذه هي حدود سورية كما وصفها العرب الجغرافيون. وظلت تعتبر كذلك حتى نهاية الدور العثماني. والوحدة الطبيعية لهذه المنطقة التي تعرف باسم سورية لها ما يقابلها في الوحدة الحضارية ولكن ليس في الوحدة الجنسية أو السياسية. وهي تشكل منطقة متشابهة في الحضارة على وجه التقريب ومختلفة اختلافا بيناً عن المناطق المجاورة. غير ان الحدود الحضارية بينها وبين الطرف الشرقي فقط للهلال الخصيب كانت دائماً حدوداً مانعة ".