قوميا علمانيا
دمشق مع انطون سعادة: ما الذي جلب علينا الويل؟
باحثون سوريون يعقدون ندوة حول مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي بمناسبة مرور ستين عاما على رحيله.
ميدل ايست اونلاين
دمشق – من حسن سلمان
عُقدت في دمشق مؤخرا ندوة حول المفكر أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، بمناسبة مرور ستة عقود على رحيله.
وتحدث الباحث د. سامي مبيض في البداية عن حياة سعادة، مشيرا إلى أنه خلال بحثه في الوثائق البريطانية والفرنسية والأميركية، تبين له أن ملف سعادة ما زال مغلقا حتى اليوم، باعتباره "أخطر رجل عربي كان موجودا في منطقة الشرق يهدد المصالح الفرنسية والبريطانية، لأنه في مشروعه السياسي ورؤيته استطاع أن يتحدى مشروع سايكس بيكو."
وأضاف مبيض "كل الوثائق تشير إلى أن أفكار سعادة وتوجهاته كانت تتعارض مع أفكار الفئة الحاكمة في سوريا، أي الحزب الوطني في ذلك الوقت، بسبب علمانية أنطون سعادة وإيمانه بتحدي الحدود التي فُرضت على المنطقة من خلال سايكس بيكو، ولكن كان هناك احترام متبادل تحديدا من صناع الاستقلال في سوريا، وكانوا ينظرون له كشخصية وطنية كبيرة يجب الاحتفاء بها، واستثمار وجودها داخل الأراضي السورية لرفع شعبيتهم بعد هزيمة فلسطين عام 1948".
من جانبها تحدثت الباحثة د. أمل يازجي عن مسألة الطائفية وعلمانية الدولة عند أنطون سعادة، مشيرة إلى سؤالين طرحهما سعادة في أدبياته، وهما: من نحن؟ وما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟
وأضافت "الزعيم (أنطون سعادة) بمنتهى البساطة قدّم نظرية متكاملة حول سؤال من نحن؟ أي أنه قدّم الهوية السورية بصورتها القابلة للنقاش والتطور لكنها جدا مقنعة."
وقالت يازجي إن سعادة رأى الدولة العلمانية هي الحل، مشيرة إلى أن ركيزته الأساسية لبناء الدولة كانت العلاقة المواطنية القائمة على تربية المواطن على مجموعة الحقوق والواجبات في منظومة التساوي التي تنطلق من أساس الاحترام المتبادل "وأن السلطة هي سلطة زمنية وليست دينية، أي أن الشأن الذي يربط ما بين الأشخاص أفقيا هو شأن زمني يحدده الأشخاص، وتحكم عليه مجموعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات الآنية المحكومة بمنظومة بشرية فقط."
وتابعت يازجي "هذا المبدأ جاء في مقولة الزعيم (أنطون سعادة) فصل الدين عن الدولة، فالزعيم يرى أن للدين دورا، إنما دور اجتماعي يختلف تمام الاختلاف عن الدور السياسي الذي يلعبه الآخرون في ملعب آخر، حيث أن الدولة هي حقيقة سياسية والسياسة هي من اختراع البشر وليست من اختراع الآلهة، وقد تبين لكثيرين فشل نظرية حكم الآلهة، لأنه غالبا ما يتمرد البشر على حكم الآلهة، فكان لابد أن يكون للدين دوره وللدولة دورها."
وأشارت يازجي إلى أن الدولة في فكر سعادة تقوم أساسا على مفهوم "تربية المواطنة"، فـ"جميعنا في المجتمعات العربية مجرد أفراد طموحين لبناء علاقة مواطنة، التي تعني أن لنا حقوقا وواجبات نحن من نصوغها في عقد اجتماعي نفوّض بموجبه السلطة الحق في إدارة شؤوننا، السلطة تخدمنا حتى تستمر بالبقاء، يعني العلاقة أفقية وليست شاقولية كما نتصورها- الخشية والخوف من الحاكم".
واردفت قائلة "الدولة الدينية الحاكم فيها هو المؤسسة الدينية، لأن الله كائن غيبي لا يمكن أن يحكم، الموجود هو المؤسسة الدينية وهم بشر، أي أنهم يتحدثون ويحددون شروط اللعبة واللاعبين، بين مؤمنين وكفرة، ومن يريد أن يلعب ضمن شروط اللعبة هو موافق عليه ضمن الدولة الدينية، ومن لا يريد أن يلعب ضمن هذه الشروط هو شخص مرفوض وخارج، وبالتالي فالدولة الدينية ضمن شروط الدولة الدينية هي دولة استبدادية لأنها ترفض الآخر، ولا بد في الدولة العلمانية أن تقبل الجميع."
وتساءلت يازجي "لماذا الدولة العلمانية هي الحل لنا في الشرق السوري؟ مجيبة "نحن موزاييك، أعراق وأقوام وأشكال وطوائف وديانات وثقافات ولغات وحضارات، لا يمكن أن نكون كلنا بالمزيج السوري إلا ضمن حكم علماني."
لكن يازجي أشارت إلى أن طرح سعادة لمبدأ أن "العقل هو الشرع الأعلى للإنسان" لم يعد مناسبا، مشيرة إلى أن "كل ما يُطرح أمامي إن لم يَعمل به العقل ويُعمله العقل، فهو منظومة خارجة عن سيطرتي وبالتالي خارجة عني. في الطرح الديني الغيبي، لا يمكن أن يستقيم العقل لأنه مُلزم بالطاعة."
وقالت يازجي إن سعادة في طرحه لعلمانية الدولة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وضع أسسا لمشروع الدولة الحديثة، أو لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة، مشيرا إلى أنه "لا بد أن تكون الدولة التي نعيش فيها دولة علمانية، هذه الدولة التي تعتمد على الطريقة الديمقراطية في الحكم، القائمة على الحرية في الاختيار."
وأضافت "أعتقد أن خيار الدولة العلمانية كما طرحه الزعيم في السؤال الفلسفي: ما دور الدولة ولما الدولة موجودة؟ لا يمكن أن يستقيم إلا في نظام حر تماما، قادر على اختيار المفاهيم والمعطيات التي تحكمه، وقادر على أن يُسيّر المجموعة البشرية التي ترتضي نظام هذا الحكم، بمشروع حضاري تتوافق عليه جميعها، لنصل في النهاية إلى الدولة السورية القومية الاجتماعية."
من جانبه، قال المستشار القانوني داوود خير الله "إن ما يدعو إلى الإعجاب الهائل بما قام به الزعيم، أنه في فترة زمنية قصيرة جدا استطاع أن يجيّش ويحمّس عدد كبير من الشباب حيث يدخل الشخص إلى الحزب القومي السوري جاهل ويصبح في وقت قصير مثقفا."
وأكد أن سعادة لاحظ أن الإنسان السوري يضع جهودا عقلية كبيرة في أمور خاصة تهم حياته، ولا يعطي جهدا عقليا لأي شيء يتعلق بالشأن العام، مشيرا إلى أنه ركّز على الشباب لأنه اعتبر أن المستقبل بيدهم، لذلك حاول تحفيزهم بقوله "إن فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، إن لم تكونوا أحرارا من أمة حرة، حريات الأمم عارٌ عليكم."
ولفت خير الله إلى التناقض والصراع الذي حدث بين القوميين العرب والقوميين السوريين، مشيرا إلى أن الخلاف تركز حول المبادئ الأساسية التي وضعها سعادة والتي يدعو فيها إلى وحدة العالم العربي من خلال مجمّعات أربعة "سوريا الطبيعية" و"وادي النيل" و"المغرب العربي" و"الجزيرة العربية"، معتبرا أن على هذه المجمّعات أن تتحد أولا وتلعب سوريا دور العقل والقلب في توحيدها."
وأضاف "أتمنى أن يلتقي المفكرون القوميون ويدركون أن هذا الخلاف لا أساس له، وعموما أعتقد الآن أن سوريا تلعب دور العقل والقلب والمدافع عن الحقوق في العالم العربي."
دمشق مع انطون سعادة: ما الذي جلب علينا الويل؟
باحثون سوريون يعقدون ندوة حول مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي بمناسبة مرور ستين عاما على رحيله.
ميدل ايست اونلاين
دمشق – من حسن سلمان
عُقدت في دمشق مؤخرا ندوة حول المفكر أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، بمناسبة مرور ستة عقود على رحيله.
وتحدث الباحث د. سامي مبيض في البداية عن حياة سعادة، مشيرا إلى أنه خلال بحثه في الوثائق البريطانية والفرنسية والأميركية، تبين له أن ملف سعادة ما زال مغلقا حتى اليوم، باعتباره "أخطر رجل عربي كان موجودا في منطقة الشرق يهدد المصالح الفرنسية والبريطانية، لأنه في مشروعه السياسي ورؤيته استطاع أن يتحدى مشروع سايكس بيكو."
وأضاف مبيض "كل الوثائق تشير إلى أن أفكار سعادة وتوجهاته كانت تتعارض مع أفكار الفئة الحاكمة في سوريا، أي الحزب الوطني في ذلك الوقت، بسبب علمانية أنطون سعادة وإيمانه بتحدي الحدود التي فُرضت على المنطقة من خلال سايكس بيكو، ولكن كان هناك احترام متبادل تحديدا من صناع الاستقلال في سوريا، وكانوا ينظرون له كشخصية وطنية كبيرة يجب الاحتفاء بها، واستثمار وجودها داخل الأراضي السورية لرفع شعبيتهم بعد هزيمة فلسطين عام 1948".
من جانبها تحدثت الباحثة د. أمل يازجي عن مسألة الطائفية وعلمانية الدولة عند أنطون سعادة، مشيرة إلى سؤالين طرحهما سعادة في أدبياته، وهما: من نحن؟ وما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟
وأضافت "الزعيم (أنطون سعادة) بمنتهى البساطة قدّم نظرية متكاملة حول سؤال من نحن؟ أي أنه قدّم الهوية السورية بصورتها القابلة للنقاش والتطور لكنها جدا مقنعة."
وقالت يازجي إن سعادة رأى الدولة العلمانية هي الحل، مشيرة إلى أن ركيزته الأساسية لبناء الدولة كانت العلاقة المواطنية القائمة على تربية المواطن على مجموعة الحقوق والواجبات في منظومة التساوي التي تنطلق من أساس الاحترام المتبادل "وأن السلطة هي سلطة زمنية وليست دينية، أي أن الشأن الذي يربط ما بين الأشخاص أفقيا هو شأن زمني يحدده الأشخاص، وتحكم عليه مجموعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات الآنية المحكومة بمنظومة بشرية فقط."
وتابعت يازجي "هذا المبدأ جاء في مقولة الزعيم (أنطون سعادة) فصل الدين عن الدولة، فالزعيم يرى أن للدين دورا، إنما دور اجتماعي يختلف تمام الاختلاف عن الدور السياسي الذي يلعبه الآخرون في ملعب آخر، حيث أن الدولة هي حقيقة سياسية والسياسة هي من اختراع البشر وليست من اختراع الآلهة، وقد تبين لكثيرين فشل نظرية حكم الآلهة، لأنه غالبا ما يتمرد البشر على حكم الآلهة، فكان لابد أن يكون للدين دوره وللدولة دورها."
وأشارت يازجي إلى أن الدولة في فكر سعادة تقوم أساسا على مفهوم "تربية المواطنة"، فـ"جميعنا في المجتمعات العربية مجرد أفراد طموحين لبناء علاقة مواطنة، التي تعني أن لنا حقوقا وواجبات نحن من نصوغها في عقد اجتماعي نفوّض بموجبه السلطة الحق في إدارة شؤوننا، السلطة تخدمنا حتى تستمر بالبقاء، يعني العلاقة أفقية وليست شاقولية كما نتصورها- الخشية والخوف من الحاكم".
واردفت قائلة "الدولة الدينية الحاكم فيها هو المؤسسة الدينية، لأن الله كائن غيبي لا يمكن أن يحكم، الموجود هو المؤسسة الدينية وهم بشر، أي أنهم يتحدثون ويحددون شروط اللعبة واللاعبين، بين مؤمنين وكفرة، ومن يريد أن يلعب ضمن شروط اللعبة هو موافق عليه ضمن الدولة الدينية، ومن لا يريد أن يلعب ضمن هذه الشروط هو شخص مرفوض وخارج، وبالتالي فالدولة الدينية ضمن شروط الدولة الدينية هي دولة استبدادية لأنها ترفض الآخر، ولا بد في الدولة العلمانية أن تقبل الجميع."
وتساءلت يازجي "لماذا الدولة العلمانية هي الحل لنا في الشرق السوري؟ مجيبة "نحن موزاييك، أعراق وأقوام وأشكال وطوائف وديانات وثقافات ولغات وحضارات، لا يمكن أن نكون كلنا بالمزيج السوري إلا ضمن حكم علماني."
لكن يازجي أشارت إلى أن طرح سعادة لمبدأ أن "العقل هو الشرع الأعلى للإنسان" لم يعد مناسبا، مشيرة إلى أن "كل ما يُطرح أمامي إن لم يَعمل به العقل ويُعمله العقل، فهو منظومة خارجة عن سيطرتي وبالتالي خارجة عني. في الطرح الديني الغيبي، لا يمكن أن يستقيم العقل لأنه مُلزم بالطاعة."
وقالت يازجي إن سعادة في طرحه لعلمانية الدولة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وضع أسسا لمشروع الدولة الحديثة، أو لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة، مشيرا إلى أنه "لا بد أن تكون الدولة التي نعيش فيها دولة علمانية، هذه الدولة التي تعتمد على الطريقة الديمقراطية في الحكم، القائمة على الحرية في الاختيار."
وأضافت "أعتقد أن خيار الدولة العلمانية كما طرحه الزعيم في السؤال الفلسفي: ما دور الدولة ولما الدولة موجودة؟ لا يمكن أن يستقيم إلا في نظام حر تماما، قادر على اختيار المفاهيم والمعطيات التي تحكمه، وقادر على أن يُسيّر المجموعة البشرية التي ترتضي نظام هذا الحكم، بمشروع حضاري تتوافق عليه جميعها، لنصل في النهاية إلى الدولة السورية القومية الاجتماعية."
من جانبه، قال المستشار القانوني داوود خير الله "إن ما يدعو إلى الإعجاب الهائل بما قام به الزعيم، أنه في فترة زمنية قصيرة جدا استطاع أن يجيّش ويحمّس عدد كبير من الشباب حيث يدخل الشخص إلى الحزب القومي السوري جاهل ويصبح في وقت قصير مثقفا."
وأكد أن سعادة لاحظ أن الإنسان السوري يضع جهودا عقلية كبيرة في أمور خاصة تهم حياته، ولا يعطي جهدا عقليا لأي شيء يتعلق بالشأن العام، مشيرا إلى أنه ركّز على الشباب لأنه اعتبر أن المستقبل بيدهم، لذلك حاول تحفيزهم بقوله "إن فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، إن لم تكونوا أحرارا من أمة حرة، حريات الأمم عارٌ عليكم."
ولفت خير الله إلى التناقض والصراع الذي حدث بين القوميين العرب والقوميين السوريين، مشيرا إلى أن الخلاف تركز حول المبادئ الأساسية التي وضعها سعادة والتي يدعو فيها إلى وحدة العالم العربي من خلال مجمّعات أربعة "سوريا الطبيعية" و"وادي النيل" و"المغرب العربي" و"الجزيرة العربية"، معتبرا أن على هذه المجمّعات أن تتحد أولا وتلعب سوريا دور العقل والقلب في توحيدها."
وأضاف "أتمنى أن يلتقي المفكرون القوميون ويدركون أن هذا الخلاف لا أساس له، وعموما أعتقد الآن أن سوريا تلعب دور العقل والقلب والمدافع عن الحقوق في العالم العربي."