التفكير العلمي
الموضوع التالي هو عن التفكير العلمي، أو العقلية العلمية.. فلا ينبغي أن يكون التفكير العلمي حكرا على العلماء و الفلاسفة. فمن حيث لا نعلم، يستخدم كل منا يوميا مقدراته العقلية و منطق تفكيره في القيام بجميع أعماله اليومية.
فالتفكير العلمي و الروابط المنطقية التي يتميّز بها الإنسان عن غيره من الكائنات بإستعمالها، كانت أسباب إرتقاء البشر و تحررهم من عقلية الجهل و الخرافات.
قد يكون القاء الضؤ على هذا الموضوع نوعا من الدعوة إلى تقليد العلماء و المفكرين لإتباع أسلوبهم، و هم الذين قد تفرّغوا لتلك الأمور، فمالنا و مالهم، و لشو وجع الراس..
في نظري، أرى أن موضوع التفكير العلمي هو موضوع العصر، و بالأخص في عالمنا العربي، و بشكل أدقّ في جميع القضايا اللبنانية التي نتعاطى معها يوميا ضمن تفسير الأحداث، و تنوير غياهبها في ظل ماكينات إعلامية ضخمة و حملات إلهاء و تنوّع آراء و ما الى هنالك من فوضى فكرية تعمّ الأذهان، و تتهم الفوضى الفكرية الأخرى بفوضويتها هي الأخرى.
لذا توجّب إستخدام التفكير العلمي في النقاشات الدائرة حول كل الأمور العالقة، ليس من أجل إثبات خطأ هذا و صواب ذاك، بل من أجل أن نرتقي إلى درجة نقاشية حوارية هادفة تكون هدفا لكلِ منا، نرضي بها عقلنا، و نخلّص نفسنا من قيود متخلّفة لا تزيد الطين إلا بلّة.
أنعم الله علينا بلغة جميلة و دقيقة توصف أدقّ التفاصيل بأقل عدد من الكلمات و الجمل. و ما بلغه العرب في الماضي من مراتب فكرية و درجات علمية في طريقة التعاطي مع أمور الحياة ليس إلا دليل على إتباعهم المنطق و أساليب التفكير العلمي في شؤونهم آنذاك.
و المفارقة في الأمر، أنني أرى أناسا يزاهون بما قدمته حضاراتنا المشرقية من علم باهر و إنجازات و هم نفسهم يقاومون العلم في حاضرنا أشدّ مقاومة. و يحرصون على إتباع أساليب لا منطقية - و بالتالي لا علمية - في التعاطي مع القضايا الحياتية.
و لكن إن أردنا أن نكون متزنين مع أنفسنا، و إن أردنا أن لا نطلب لمجتمعنا إلا الخير و التقدم، فلا مناص إلا بتصويب الضوء على أسس التقدم و الإرتقاء: التفكير العلمي.
ما يدفعني إذن إلى كتابة هذا الموضوع هو الكثير الكثير من الأسباب. و لكن أردت أن أسلّط الضوء تحديدا على ما نقرأه يوميا في منتدانا من أخطاء نقاشية-تفكيرية، تجعل من كل موضوع سياسي يُطرح سببا للتأكيد على آراء كلُ منا، لا فائدة منه سوى التأكيد على الخلاف، و طمر الجهل ببعض الأمور و التشبّث بتلك "اللامنطقية" في التعاطي مع الرأي الخاص و الرأي الآخر.
و إن أردنا سرد سلسلة "البعد عن التفكير الغير العلمي" الحاصل فلما انتهينا:
- من عدم تراكمية في التفكير (أي البقاء في الدرج الأول من التفكير و كأن لم يمرّ على المنطق منذ سنة ساعات - فلا تحسّن و لا شحذ للأفكار و لا من يحزنون). مضيعة للوقت و لا هدف للإرتقاء.
- إلى شمولية في الرأي، و عدم تحديد اليقين و الثابت من الخطأ و المتحرّك..فنقد للجميع لإنهم "جميع".. و إهانة للكلّ لإنهم "كلّ". ذاك ما نسميه "قرف من كل شي". و ذلك إما للتّنصل من إتخاذ موقف حاسم، أو للتهرب مما يمليه العقل على النفس. فالعقل علمي، و التفكير علمي، و لكن التطبيق على الأرض ينقص.
- الغموض في إبداء الرأي، ك "أنا حاسس"، و "قلبي عم يقلّي".. و "بكرا منشوف".. أي الإيحاء بشيئ محدد دون الإشارة له بشكل دقيق. تفكير غير علمي، يهدف إلى إثارة المشاعر و التحريض من دون أي أسس موجود يتم الإستدلال بها.
- الإعتماد على الأساطير. فنرى أساليبا نقاشية تتماشى مع حقبات الطفولة البشرية. حيث كان الإنسان و الطبيعة كائنا واحدا. و يحولون تطبيق أساطير دينية أو تاريخية على جميع ما يحصل في يومنا.
- الخضوع. يعني لا نقاش! فالسلطة أو الجهة المسؤولة لا تخطئ! و معرفة الزعيم تسمو على معرفتنا. و نحنا شو بيعرفنا. و لا قدرة لنا أصلا على التحليل. يعني إنكار تام للعقل.
- فتح كتب الماضي. أي إفلاس حالي من الدرجة الأولى لتفادي تحليل المسألة علميا، فتفتح الكتب، و تُنبَش الملفات، و نعود إلى الأرشيف لمهاجمة الآخر. و تندرج في هذا الإطار أيضا مسألة "تمجيد الماضي"، و البقاء في دهاليزه، و الهروب من الحركة الآنية التي تعني حاضرنا.
- التعصب. أي أنه صاحب الرأي هو وحده ذو الرأي الصائب، و أن الجميع مخطئون. فهو يحتكر الحقيقة و غيره مفتقرون لها. فيحاول أن "يدمر" آراء غيره ليؤكّد رأيه. على الأغلب ليثبت نفسه هو، لا ليدافع عن رأيه علميا للوصول إلى الأفضل بما يخدم الجميع.
أما الحلقة الأخطر و الأهم و التي أريد التركيز عليها فهي مسألة "تبرير الخطأ بالخطأ".
فهي عند الإكثار من إستعمالها تصبح بمثابة المسّ بالحجر الأساس لشخصية الإنسان.
فالإنسان وُلدَ ليقلّد. و خاصة أثناء طفولته، فمن التقليد يتعلّم التصرّف، و بالتقليد يتغلب على مصاعبه اليومية، و بالتقليد يتوصّل آجلا إلى التصرف الصائب.
و المعاملة بالمساواة في صف المدرسة مثلا ما هو إلا لإفهام الأطفال أن الكل سواسية و أن التصرف كذا يعاقب عليه التلميذ بكذا. فلا يبرر معاقبة الطفل المشاغب، إلا معاقبة تلميذ مشاغب آخر.
أما عندما يصبح الإنسان ناضجا فتكون مسألة أخرى، فيترك المقارنة ليتوصّل إلى أوجه الأسباب و النتائج التي تترتب على الأفعال.
و تبرير الخطأ بالخطأ له أوجه عديدة، فمنهم من يجد لتصرفه عذرا بحيث أنه ينبري في المدافعة عن نفسه بواسطة التركيز على أخطاء غيره (صائبة كانت تلك التهم أم وهمية). و يصول و يجول مؤشّرا بيده على أخطاء غيره صارخا مغلقا لأذنيه.
كمثال، نرى أن التلميذ المقصّر يدافع عن تقصيره في المدرسة بأن يبدأ في تعداد زملائه المقصرين أيضا في مجهودهم، مما يمنحه شعورا بصوابية ما بذله من مجهود. مع أنه و في قرارة ذاته يدرك تماما بأن ما فعله هو خطأ.
و كنموذج آخر، ركن السيارة في مكان غير مسموح الوقوف فيه لأن الجميع يركن في أماكن ممنوع الوقوف فيها. هذا لا يزوّر صواب الفعل فحسب، بل يمنع أي تحسّن للأداء، و يقوّد أي منفعة شخصية كانت أم عامة.
و أخيرا، أنا من رأي أن مقولة "اللي بيته من قزاز ما بيرمي بيوت غيرو بالحجر" هي مقولة باطلة. مثلها كمثل "من منكم بغير خطيئة...". لأ، يضرب و نصّ كمان. و إلا كنا لغينا المحاكم و القوانين و السجانين و القضاء عهالحالة.
الموضوع التالي هو عن التفكير العلمي، أو العقلية العلمية.. فلا ينبغي أن يكون التفكير العلمي حكرا على العلماء و الفلاسفة. فمن حيث لا نعلم، يستخدم كل منا يوميا مقدراته العقلية و منطق تفكيره في القيام بجميع أعماله اليومية.
فالتفكير العلمي و الروابط المنطقية التي يتميّز بها الإنسان عن غيره من الكائنات بإستعمالها، كانت أسباب إرتقاء البشر و تحررهم من عقلية الجهل و الخرافات.
قد يكون القاء الضؤ على هذا الموضوع نوعا من الدعوة إلى تقليد العلماء و المفكرين لإتباع أسلوبهم، و هم الذين قد تفرّغوا لتلك الأمور، فمالنا و مالهم، و لشو وجع الراس..
في نظري، أرى أن موضوع التفكير العلمي هو موضوع العصر، و بالأخص في عالمنا العربي، و بشكل أدقّ في جميع القضايا اللبنانية التي نتعاطى معها يوميا ضمن تفسير الأحداث، و تنوير غياهبها في ظل ماكينات إعلامية ضخمة و حملات إلهاء و تنوّع آراء و ما الى هنالك من فوضى فكرية تعمّ الأذهان، و تتهم الفوضى الفكرية الأخرى بفوضويتها هي الأخرى.
لذا توجّب إستخدام التفكير العلمي في النقاشات الدائرة حول كل الأمور العالقة، ليس من أجل إثبات خطأ هذا و صواب ذاك، بل من أجل أن نرتقي إلى درجة نقاشية حوارية هادفة تكون هدفا لكلِ منا، نرضي بها عقلنا، و نخلّص نفسنا من قيود متخلّفة لا تزيد الطين إلا بلّة.
أنعم الله علينا بلغة جميلة و دقيقة توصف أدقّ التفاصيل بأقل عدد من الكلمات و الجمل. و ما بلغه العرب في الماضي من مراتب فكرية و درجات علمية في طريقة التعاطي مع أمور الحياة ليس إلا دليل على إتباعهم المنطق و أساليب التفكير العلمي في شؤونهم آنذاك.
و المفارقة في الأمر، أنني أرى أناسا يزاهون بما قدمته حضاراتنا المشرقية من علم باهر و إنجازات و هم نفسهم يقاومون العلم في حاضرنا أشدّ مقاومة. و يحرصون على إتباع أساليب لا منطقية - و بالتالي لا علمية - في التعاطي مع القضايا الحياتية.
و لكن إن أردنا أن نكون متزنين مع أنفسنا، و إن أردنا أن لا نطلب لمجتمعنا إلا الخير و التقدم، فلا مناص إلا بتصويب الضوء على أسس التقدم و الإرتقاء: التفكير العلمي.
ما يدفعني إذن إلى كتابة هذا الموضوع هو الكثير الكثير من الأسباب. و لكن أردت أن أسلّط الضوء تحديدا على ما نقرأه يوميا في منتدانا من أخطاء نقاشية-تفكيرية، تجعل من كل موضوع سياسي يُطرح سببا للتأكيد على آراء كلُ منا، لا فائدة منه سوى التأكيد على الخلاف، و طمر الجهل ببعض الأمور و التشبّث بتلك "اللامنطقية" في التعاطي مع الرأي الخاص و الرأي الآخر.
و إن أردنا سرد سلسلة "البعد عن التفكير الغير العلمي" الحاصل فلما انتهينا:
- من عدم تراكمية في التفكير (أي البقاء في الدرج الأول من التفكير و كأن لم يمرّ على المنطق منذ سنة ساعات - فلا تحسّن و لا شحذ للأفكار و لا من يحزنون). مضيعة للوقت و لا هدف للإرتقاء.
- إلى شمولية في الرأي، و عدم تحديد اليقين و الثابت من الخطأ و المتحرّك..فنقد للجميع لإنهم "جميع".. و إهانة للكلّ لإنهم "كلّ". ذاك ما نسميه "قرف من كل شي". و ذلك إما للتّنصل من إتخاذ موقف حاسم، أو للتهرب مما يمليه العقل على النفس. فالعقل علمي، و التفكير علمي، و لكن التطبيق على الأرض ينقص.
- الغموض في إبداء الرأي، ك "أنا حاسس"، و "قلبي عم يقلّي".. و "بكرا منشوف".. أي الإيحاء بشيئ محدد دون الإشارة له بشكل دقيق. تفكير غير علمي، يهدف إلى إثارة المشاعر و التحريض من دون أي أسس موجود يتم الإستدلال بها.
- الإعتماد على الأساطير. فنرى أساليبا نقاشية تتماشى مع حقبات الطفولة البشرية. حيث كان الإنسان و الطبيعة كائنا واحدا. و يحولون تطبيق أساطير دينية أو تاريخية على جميع ما يحصل في يومنا.
- الخضوع. يعني لا نقاش! فالسلطة أو الجهة المسؤولة لا تخطئ! و معرفة الزعيم تسمو على معرفتنا. و نحنا شو بيعرفنا. و لا قدرة لنا أصلا على التحليل. يعني إنكار تام للعقل.
- فتح كتب الماضي. أي إفلاس حالي من الدرجة الأولى لتفادي تحليل المسألة علميا، فتفتح الكتب، و تُنبَش الملفات، و نعود إلى الأرشيف لمهاجمة الآخر. و تندرج في هذا الإطار أيضا مسألة "تمجيد الماضي"، و البقاء في دهاليزه، و الهروب من الحركة الآنية التي تعني حاضرنا.
- التعصب. أي أنه صاحب الرأي هو وحده ذو الرأي الصائب، و أن الجميع مخطئون. فهو يحتكر الحقيقة و غيره مفتقرون لها. فيحاول أن "يدمر" آراء غيره ليؤكّد رأيه. على الأغلب ليثبت نفسه هو، لا ليدافع عن رأيه علميا للوصول إلى الأفضل بما يخدم الجميع.
أما الحلقة الأخطر و الأهم و التي أريد التركيز عليها فهي مسألة "تبرير الخطأ بالخطأ".
فهي عند الإكثار من إستعمالها تصبح بمثابة المسّ بالحجر الأساس لشخصية الإنسان.
فالإنسان وُلدَ ليقلّد. و خاصة أثناء طفولته، فمن التقليد يتعلّم التصرّف، و بالتقليد يتغلب على مصاعبه اليومية، و بالتقليد يتوصّل آجلا إلى التصرف الصائب.
و المعاملة بالمساواة في صف المدرسة مثلا ما هو إلا لإفهام الأطفال أن الكل سواسية و أن التصرف كذا يعاقب عليه التلميذ بكذا. فلا يبرر معاقبة الطفل المشاغب، إلا معاقبة تلميذ مشاغب آخر.
أما عندما يصبح الإنسان ناضجا فتكون مسألة أخرى، فيترك المقارنة ليتوصّل إلى أوجه الأسباب و النتائج التي تترتب على الأفعال.
و تبرير الخطأ بالخطأ له أوجه عديدة، فمنهم من يجد لتصرفه عذرا بحيث أنه ينبري في المدافعة عن نفسه بواسطة التركيز على أخطاء غيره (صائبة كانت تلك التهم أم وهمية). و يصول و يجول مؤشّرا بيده على أخطاء غيره صارخا مغلقا لأذنيه.
كمثال، نرى أن التلميذ المقصّر يدافع عن تقصيره في المدرسة بأن يبدأ في تعداد زملائه المقصرين أيضا في مجهودهم، مما يمنحه شعورا بصوابية ما بذله من مجهود. مع أنه و في قرارة ذاته يدرك تماما بأن ما فعله هو خطأ.
و كنموذج آخر، ركن السيارة في مكان غير مسموح الوقوف فيه لأن الجميع يركن في أماكن ممنوع الوقوف فيها. هذا لا يزوّر صواب الفعل فحسب، بل يمنع أي تحسّن للأداء، و يقوّد أي منفعة شخصية كانت أم عامة.
و أخيرا، أنا من رأي أن مقولة "اللي بيته من قزاز ما بيرمي بيوت غيرو بالحجر" هي مقولة باطلة. مثلها كمثل "من منكم بغير خطيئة...". لأ، يضرب و نصّ كمان. و إلا كنا لغينا المحاكم و القوانين و السجانين و القضاء عهالحالة.