شام الهوى يا شام.. الأغنيـة الوطنيـة سـيمفونية صاغهــا الكاتـب والملحـن والمطـرب
ثقافـــــــة
الخميس 23 -6-2011
فادية مصارع
تدخل القلوب قبل الآذان دونما استئذان حاملة الوجع الحقيقي للناس معبرة عن وجدانهم وأحلامهم وآلامهم توحد انقساماتهم، هي نوع من العزف المنفرد على وتر قلب غدا الوطن
فيه معادلاً موضوعياً للروح، فحين يهدد أمنه واستقراره ماذا بوسع الشاعر والكاتب والملحن والمطرب أن يفعلوا سوى التقاط اللحظات الأكثر توهجاً في ضمير الأمة وترجمتها كلمة ولحناً وصوتاً، حيث يؤلف هؤلاء سيمفونية رائعة في حب الوطن تطير عبر الفضاءات دون إذن مرور أو جوازات وتستمر في طيرانها رغم كثافة النيران ولا تمنع من الهبوط في أي مكان، تبقى عبر الدهور والأزمان تؤرخ اللحظة التاريخية التي يمر بها الوطن وتبقى وصية يحفظها الأبناء ويرددها الأحفاد.
في حضرة الفن الراقي والجميل كانت للثورة لقاءات عدة مع أهل الاختصاص، شعراء ومطربين وملحنين، للحديث عن الأغنية الوطنية، شؤونها وشجونها، وهل مازالت تفعل فعلها؟ أم إنها تعاني أزمة كلمةولحن وتوزيع؟ وكيف يمكن أن نعيد لها ألقها كما في الستينيات والسبعينيات؟ وهل من الممكن أن تحل محل الأغاني الهابطة والرخيصة التي تروج لها بعض الفضائيات؟
صناعة الأغنية
رئيس دائرة الموسيقا في إذاعة دمشق الأستاذ يوسف العلي حدثنا عن الخطة السنوية للأغاني بشكل عام والأغنية الوطنية بشكل خاص التي توزع حسب الكتلة المالية المتواضعة إذ لا تستطيع دائرة الموسيقا إنتاج أكثر من 30٪ فقط توزع على ثلاثين أغنية، منها موسيقا صامتة وأغانٍ شبابية وعاطفية وطربية وشعبية أما نصيب الأغاني الوطنية فهو خمس أغان سنوياً عدا الظروف الاستثنائية كالتي نمر بها اليوم عندها تتحول الخطة كلها إلى أغانٍ وطنية كاملة.
ويرى العلي أن الأغنية الوطنية لاتعاني من أي أزمة لكنها أصبحت أقل توهجاً وألقاً من الماضي،ذلك لأن فترة الستينيات والسبعينيات كانت في أوجها وميزانيتها أكثر بكثير من الرصيد المخصص لها اليوم ولا يفي بالغرض فـ 9 ملايين ليرة سورية لا تستطيع أن تغطي ما يحتاجه الوطن من أغانٍ.
وأشار إلى أن دائرة الموسيقا نفذت حتى الآن نحو خمسين أغنية إضافة إلى بعض (السلوغونات)، ولكننا اليوم في زمن شتات المستمع فلدى المشاهد خيارات كثيرة ولكن تبقى سيدة الموقف أوقات المحن والأزمات.
وبيّن أن هناك لجنة نصوص تختار الأغاني وهي مؤلفة من كبار الكتاب والملحنين والإذاعة لا تنتقي سوى الأغاني الجيدة أما الإنتاج الهابط الذي يسجل في استديوهات خارجية فلا يذاع على أثيرنا ويرفض حتماً، لافتاً إلى أن هناك أغاني بالمئات وصلت الإذاعة وقدمت كهدايا، لكن بعضها كان دون المستوى المطلوب فلم يذع.
ولفت إلى أن الإذاعة جادة بالعمل على تطوير الأغنية السورية لترقى إلى المستوى المطلوب وقد طرحت مسابقة الأغنية السورية، ولكن الظروف الحالية حالت دون إتمام هذا المشروع، مشيراً إلى أن عام 2012 سيكون عام الأغنية الوطنية بامتياز.
وختم بالقول: أصبحت دائرة الموسيقا ورشة عمل وخلية متكاملة لإنتاج الأغنية الوطنية التي تتغنى بسورية وتندد بالمؤامرة الدنيئة ووجوب التصدي لها بالكلمة واللحن والصوت متمنياً أن يسلط الضوء على الأغاني التي تنتج في الإذاعة من قبل التلفزيون فإذا ما أنتجت الإذاعة عشرات الأغاني الجميلة كيف لها أن تصل إلى الجمهور إذا لم يتبناها التلفزيون مشيراً إلى أن هناك قطيعة واضحة بين دائرة الموسيقا ودائرة الإنتاج في التلفزيون.
بدوره الناقد مروان ناصح عضو تقييم النصوص تمنى على صناع الأغنية الوطنية أن يتذكروا قبل كل شيء أنها وطنية فباسم الوطن تصلنا أسوأ النصوص والألحان والأصوات وتمرر تحت شعارات وطنية ،فيما المفروض أن تكون الأكثر إتقاناً من الأخرى ونحن في لجنة النصوص نعتذر عن أي نص لا يستوفي الشروط لافتاً إلى أنه ليس لدى اللجنة مشكلة في لغة الأغنية سواء كتبت بالفصحى أو بالعامية، فالأغنية الناجحة لابد أن تلقى صدىً وتحقق ميلاً واضحاً لدى أغلبية شرائح المستمعين وإننا عادة، مستمعين ولجاناً، لانختلف على الأغنية الجيدة، كما لانختلف على الرديئة لكن الخلاف في وجهات النظر يكون حول المتوسطة منها وينبغي أن نعتني بانتقاء الأبيات التي تخلو من الكلمات الغامضة التي تنتمي إلى قاموس قديم لاقاموس هذه الأيام كما في قصيدة الجواهري: خبا /مزقا/ فمثل هذه الكلمات قد تكون غير مفهومة في عصرنا هذا، وما نحتاجه هو الاقتراب من لغة الشارع والحياة، والتحليق اللغوي ليس ميزة فمن شروط الأغنية أن تسير على ألسنة الناس وتكون مرنة مطواعة بحيث تلبي حاجات الناس.
وأردف ناصح: الحقيقة التي لايمكن أن ننكرها أن الأغنية عامة والوطنية بوجه الخصوص تشكو من كثرة النصوص الواردة إلى دائرة الموسيقا وندرة الجيدة منها فنحن نبحث عن الإبرة في أكوام من القش.
تصلح لكل زمان ومكان
ليس شاعر أغنية فحسب، بل هو في الأصل يكتب القصيدة، شعره يتسم بالغنائية التي تنبع من التفعيلة ومن إيقاع وجدانه.
الشاعر صالح هواري كتب غير أغنية وطنية للإذاعة السورية منذ نكسة حزيران، كان لها أثر كبير في نفوس الجماهير إلى درجة أن أغلب الإذاعات العربية أخذتها وبثتها عبر أثيرها ومنها قصيدته المشهورة:
كل شيء للوطن
كل شيء للقضية
ليس للروح ثمن
فهي للأرض الأبية
التي لحنها وغناها الفنان الفلسطيني الراحل فتحي صبح.
وهناك نشيد مشهور له أيضاً وهو يستخدم كشارة لبرنامج القوات المسلحة منذ خمسة وعشرين عاماً بعنوان «الزحف الكبير» وفيه يقول:
بالعزم بالإصرار بالثبات
بقوة الإيمان بالسلاح
من موتنا ستولد الحياة
من دمنا سيورق الصباح
وهو يرى أن الأغنية الوطنية في الستينيات والسبعينيات كان لها تأثير الرصاصة في المعركة لأنها نبعت بعد نكسة جارحة ألمت بقلوب العرب جميعاً، أما الأغنية اليوم فلم يعد لها ذاك التأثير الذي كان لاختلاف الظروف العربية الراهنة إذ أصبحت مجرد تغن بالوطن وحب التراب، وفي السابق كانت تحث على الجهاد والقتال.. اليوم غدت سيمفونية من الحنين والشوق.
وفي خضم هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد لابد للشاعر أن يتفاعل مع الحدث ويعلن استنكاره ويصرخ ليخرج ما بداخله ويعبر عما يجول في خاطره، وقد كان له أكثر من مساهمة منها: أغنية (عين الله تحميها) وهي قصيدة لحنها يوسف العلي رئيس دائرة الموسيقا غناها المطرب الشاب خلدون حناوي، و «نموت من أجلك كي تسلمي» من ألحان حسين زهرة، غناء سهام إبراهيم، والثالثة «ياعزتنا يا سورية» غناء بسام حسن وألحان ماجد زين العابدين وفيها يقول:
زيدي عشقاً للحرية
يا عزتنا يا سورية
لا يجمعنا ويقوينا
إلا وحدتنا الوطنية
الشاعر هواري يدعو إلى الاهتمام بالأغنية الإنسانية بشكل عام وهذا ماينقص الإذاعة، التي من شأنها أن تنتشر عبر العالم بأسره.
سيمفونية رائعة
من جهته الكاتب والشاعر محمد تركمان يرى أن الأغنية الوطنية تمجّد البلاد وهي ليست في تراجع ولكنها أصبحت في المناسبات، فقط وهذا شيء غير جيد ناهيك عن أن القطاع الخاص لا ينتج مثل هذه الأغاني لأنها لا تدر ربحاً فيما يصرف على الأغاني الهابطة وكليباتها مبالغ طائلة فضلاً عن ندرة المطربين الجيدين وخاصة الشباب.
فمن المعروف أن من شروط نجاح أي أغنية اللحن الجيد والأداء الجيد فالمطرب هو طرف أساسي في معادلة التميز لأي أغنية وكثير من الشعراء ولاسيما الكبار منهم يرون أن الغناء يخلد الشعراء، وأعظم شعراء القرن العشرين، حفظ الناس قصائدهم عن طريق الغناء وعليه فإن التلازم ضروري للإبداع بين الكلمات الهادفة والشعر الراقي واللحن والصوت الرخيم ليشارك الجميع في سيمفونية رائعة.
وقد كتب تركمان أوبريت «سورية بلد الأحرار» الذي شارك فيه سبعة مطربين شباب متميزين.
كما قدم أغنية «شام الأمان» ألحان صديق دمشقي وغناء الكورال.
أما الأغنية الوحيدة التي قدمها للتلفزيون فهي «شام الهوى يا شام» وهي تتميز بالكثير من الحميمية، وفيها يقول:
شام الهوى يا شام
يا حكاية ما بتنام
ليلك سهر ودموع
فيك شدت أنغام
دام المجد يا شام
أما الشاعر جورج عشي، فيرى أن القصيدة هي انفعال لحظي للإنسان، فالمغترب يكتب عن شوقه وحنينه إلى الوطن وإذا انتصر الوطن يكتب مشاعره ويصبها على ورقة وقد كتب أغنية جميلة غناها ملحم بركات وهي «ع الشام وديني يانسمة تشرين».
وحسب رأيه فإن من أسباب انتشار الأغنية الوطنية في الماضي، أن المحطات كانت محدودة إلا أنه للإنصاف فإن صناعة الأغنية كانت أكثر اهتماماً، فالملحن والشاعر والمطرب كانوا يجتمعون أكثر من مرة لإنتاج أغنية بمواصفات جيدة، أما في عصرنا هذا فقلما نجد مطرباً يناقش ملحناً أو كاتباً يحضر تسجيل ما كتب.
وأشار إلى أن الأغنية الوطنية بحاجة إلى إعادة في التركيب والمفردات الموسيقية.
سورية رجالك أبطال
معين حامد مطرب، غنى أكثر من أغنية وطنية منها سورية رجالك أبطال عام 1976 وأيضاً:
بلادي سورية من الأزل
معشر أصالة دارها
سهل وبحر وجود وجبل
صورة حلب مشوارها
ويرى حامد أن صنّاع الأغنية كانوا يخافون على اسمهم وسمعتهم ولا يقبلون إلا أن تظهر بكامل أناقتها وتقنيتها، وبكامل المواصفات المطلوبة للنجاح، والآن اختلفت الرؤية كان هناك ما يسمى بشيخ الكار، كبير الملحنين الذي يسمع رأيه وينفذ قوله، مع تبادل الآراء من قبل الجميع وقبول التغيير والتبديل في الكلمة واللحن لمصلحة الأغنية، كما إن المطرب كان يحفظ أغنيته ويؤديها بإحساس كبير، أما اليوم فالأغنية تقرأ من الورق، وكل يغني على ليلاه، أي إن الملحن والمطرب والكاتب لم يعودوا يلتقون لإنتاج أغنية متميزة.
ليست في المناسبات فقط!
الأغنية الوطنية، والوطن حاضر بوجداننا ولاننتظر مناسبة لنبحث عن أغنية، هذا ما أكدته الفنانة كنانة القصير، وأضافت: هي موجودة في كل زمان ومكان، ففي كل وقت نغني للوطن أنا أؤيد أن يكون عام 2012، عام الأغنية الوطنية، لا بل أن يكون كل عام هو لها أيضاً، وبذلك نكرس ونعمق حبنا وحب أبنائنا لوطننا، وبالنسبة لتحضير الأغنية، يفضل أن يجتمع كل عناصرها الرئيسة، من فنان وكاتب الكلمة والملحن لنخرج بأغنية تليق بالوطن، وتعطي قيمة مضافة له، وتبقى خالدة أسوة بالكثير من الأغاني التي خلدت، وتغنى بها الكبار قبل الصغار.
بدوره الفنان سامر كابرو صاحب أغنية (بعشق أرضك سورية) يرى أن الفنان جزء من هذا المجتمع، ومن واجبه أن يعبر عن مشاعره وأفراحه وأحزانه، والأغنية الوطنية يجب ألا تقتصر على المناسبات، بل تكون حاضرة عند الأزمات والأفراح، فأغنية (بعشق أرضك سورية) لاقت استحساناً وقبولاً كبيرين، كانت من ضمن إصداري المنوع، ولم أربطها بحالة أو وضع معين، فهي تعبر عن وحدة المجتمع السوري بحالة فرح ناتجة عن رغبة في التمازج بين الشعب والقيادة، بكل المناطق والانتماءات والاعتزاز بالنفس، والقناعة بالماضي، والنظر لمستقبل مشرق بفرح وأمل، وعلى الفنان أن يكون صادقاً وليس انتهازياً يغتنم الفرص، ومن جهتي أسعى دائماً لتقديم الجديد والجيد والمتميز، وأبتعد قدر الإمكان عن النمطية والتقليد والروتين، وأشار كابرو إلى أنه أصدر مؤخراً بالتعاون مع الاتحاد النسائي أغنية جديدة بعنوان (تحيا المرأة السورية) وهي تتحدث عن المرأة السورية المربية والعاملة والموجهة ودورها في بناء المجتمع والتوجيه البنّاء للأجيال.
الجدير ذكره أن الإذاعة السورية بصدد إنتاج مجموعة من الأغاني الوطنية، والتي لا تزال قيد التنفيذ ومنها أغنية من ألحان سهيل عرفة وغناء مروان محفوظ بعنوان تاريخك يا شام و(وطني) كلمات محمود عبد الكريم، ألحان ماجد زين العابدين، غناء بسام حسن، و(بلد الأمجاد) كلمات فراس إبراهيم وغناء وألحان سمير النوري (وسورية العدية) كلمات ناصر صالح ألحان سمير سمرة، غناء سمير سمرة وفاتن مصطفى وغيرها.
وفي مواكبة لما يجري في سورية من أحداث صدرت أغنية (أنت أملنا يا بشار) للفنان الشعبي رفيق سبيعي، وأغنية نورا رحال (منحبك) وأغنية (منموت كبار) لمحمد اسكندر، وقد عبرت جميعها عن نبض الشارع السوري.
ثقافـــــــة
الخميس 23 -6-2011
فادية مصارع
تدخل القلوب قبل الآذان دونما استئذان حاملة الوجع الحقيقي للناس معبرة عن وجدانهم وأحلامهم وآلامهم توحد انقساماتهم، هي نوع من العزف المنفرد على وتر قلب غدا الوطن
فيه معادلاً موضوعياً للروح، فحين يهدد أمنه واستقراره ماذا بوسع الشاعر والكاتب والملحن والمطرب أن يفعلوا سوى التقاط اللحظات الأكثر توهجاً في ضمير الأمة وترجمتها كلمة ولحناً وصوتاً، حيث يؤلف هؤلاء سيمفونية رائعة في حب الوطن تطير عبر الفضاءات دون إذن مرور أو جوازات وتستمر في طيرانها رغم كثافة النيران ولا تمنع من الهبوط في أي مكان، تبقى عبر الدهور والأزمان تؤرخ اللحظة التاريخية التي يمر بها الوطن وتبقى وصية يحفظها الأبناء ويرددها الأحفاد.
في حضرة الفن الراقي والجميل كانت للثورة لقاءات عدة مع أهل الاختصاص، شعراء ومطربين وملحنين، للحديث عن الأغنية الوطنية، شؤونها وشجونها، وهل مازالت تفعل فعلها؟ أم إنها تعاني أزمة كلمةولحن وتوزيع؟ وكيف يمكن أن نعيد لها ألقها كما في الستينيات والسبعينيات؟ وهل من الممكن أن تحل محل الأغاني الهابطة والرخيصة التي تروج لها بعض الفضائيات؟
صناعة الأغنية
رئيس دائرة الموسيقا في إذاعة دمشق الأستاذ يوسف العلي حدثنا عن الخطة السنوية للأغاني بشكل عام والأغنية الوطنية بشكل خاص التي توزع حسب الكتلة المالية المتواضعة إذ لا تستطيع دائرة الموسيقا إنتاج أكثر من 30٪ فقط توزع على ثلاثين أغنية، منها موسيقا صامتة وأغانٍ شبابية وعاطفية وطربية وشعبية أما نصيب الأغاني الوطنية فهو خمس أغان سنوياً عدا الظروف الاستثنائية كالتي نمر بها اليوم عندها تتحول الخطة كلها إلى أغانٍ وطنية كاملة.
ويرى العلي أن الأغنية الوطنية لاتعاني من أي أزمة لكنها أصبحت أقل توهجاً وألقاً من الماضي،ذلك لأن فترة الستينيات والسبعينيات كانت في أوجها وميزانيتها أكثر بكثير من الرصيد المخصص لها اليوم ولا يفي بالغرض فـ 9 ملايين ليرة سورية لا تستطيع أن تغطي ما يحتاجه الوطن من أغانٍ.
وأشار إلى أن دائرة الموسيقا نفذت حتى الآن نحو خمسين أغنية إضافة إلى بعض (السلوغونات)، ولكننا اليوم في زمن شتات المستمع فلدى المشاهد خيارات كثيرة ولكن تبقى سيدة الموقف أوقات المحن والأزمات.
وبيّن أن هناك لجنة نصوص تختار الأغاني وهي مؤلفة من كبار الكتاب والملحنين والإذاعة لا تنتقي سوى الأغاني الجيدة أما الإنتاج الهابط الذي يسجل في استديوهات خارجية فلا يذاع على أثيرنا ويرفض حتماً، لافتاً إلى أن هناك أغاني بالمئات وصلت الإذاعة وقدمت كهدايا، لكن بعضها كان دون المستوى المطلوب فلم يذع.
ولفت إلى أن الإذاعة جادة بالعمل على تطوير الأغنية السورية لترقى إلى المستوى المطلوب وقد طرحت مسابقة الأغنية السورية، ولكن الظروف الحالية حالت دون إتمام هذا المشروع، مشيراً إلى أن عام 2012 سيكون عام الأغنية الوطنية بامتياز.
وختم بالقول: أصبحت دائرة الموسيقا ورشة عمل وخلية متكاملة لإنتاج الأغنية الوطنية التي تتغنى بسورية وتندد بالمؤامرة الدنيئة ووجوب التصدي لها بالكلمة واللحن والصوت متمنياً أن يسلط الضوء على الأغاني التي تنتج في الإذاعة من قبل التلفزيون فإذا ما أنتجت الإذاعة عشرات الأغاني الجميلة كيف لها أن تصل إلى الجمهور إذا لم يتبناها التلفزيون مشيراً إلى أن هناك قطيعة واضحة بين دائرة الموسيقا ودائرة الإنتاج في التلفزيون.
بدوره الناقد مروان ناصح عضو تقييم النصوص تمنى على صناع الأغنية الوطنية أن يتذكروا قبل كل شيء أنها وطنية فباسم الوطن تصلنا أسوأ النصوص والألحان والأصوات وتمرر تحت شعارات وطنية ،فيما المفروض أن تكون الأكثر إتقاناً من الأخرى ونحن في لجنة النصوص نعتذر عن أي نص لا يستوفي الشروط لافتاً إلى أنه ليس لدى اللجنة مشكلة في لغة الأغنية سواء كتبت بالفصحى أو بالعامية، فالأغنية الناجحة لابد أن تلقى صدىً وتحقق ميلاً واضحاً لدى أغلبية شرائح المستمعين وإننا عادة، مستمعين ولجاناً، لانختلف على الأغنية الجيدة، كما لانختلف على الرديئة لكن الخلاف في وجهات النظر يكون حول المتوسطة منها وينبغي أن نعتني بانتقاء الأبيات التي تخلو من الكلمات الغامضة التي تنتمي إلى قاموس قديم لاقاموس هذه الأيام كما في قصيدة الجواهري: خبا /مزقا/ فمثل هذه الكلمات قد تكون غير مفهومة في عصرنا هذا، وما نحتاجه هو الاقتراب من لغة الشارع والحياة، والتحليق اللغوي ليس ميزة فمن شروط الأغنية أن تسير على ألسنة الناس وتكون مرنة مطواعة بحيث تلبي حاجات الناس.
وأردف ناصح: الحقيقة التي لايمكن أن ننكرها أن الأغنية عامة والوطنية بوجه الخصوص تشكو من كثرة النصوص الواردة إلى دائرة الموسيقا وندرة الجيدة منها فنحن نبحث عن الإبرة في أكوام من القش.
تصلح لكل زمان ومكان
ليس شاعر أغنية فحسب، بل هو في الأصل يكتب القصيدة، شعره يتسم بالغنائية التي تنبع من التفعيلة ومن إيقاع وجدانه.
الشاعر صالح هواري كتب غير أغنية وطنية للإذاعة السورية منذ نكسة حزيران، كان لها أثر كبير في نفوس الجماهير إلى درجة أن أغلب الإذاعات العربية أخذتها وبثتها عبر أثيرها ومنها قصيدته المشهورة:
كل شيء للوطن
كل شيء للقضية
ليس للروح ثمن
فهي للأرض الأبية
التي لحنها وغناها الفنان الفلسطيني الراحل فتحي صبح.
وهناك نشيد مشهور له أيضاً وهو يستخدم كشارة لبرنامج القوات المسلحة منذ خمسة وعشرين عاماً بعنوان «الزحف الكبير» وفيه يقول:
بالعزم بالإصرار بالثبات
بقوة الإيمان بالسلاح
من موتنا ستولد الحياة
من دمنا سيورق الصباح
وهو يرى أن الأغنية الوطنية في الستينيات والسبعينيات كان لها تأثير الرصاصة في المعركة لأنها نبعت بعد نكسة جارحة ألمت بقلوب العرب جميعاً، أما الأغنية اليوم فلم يعد لها ذاك التأثير الذي كان لاختلاف الظروف العربية الراهنة إذ أصبحت مجرد تغن بالوطن وحب التراب، وفي السابق كانت تحث على الجهاد والقتال.. اليوم غدت سيمفونية من الحنين والشوق.
وفي خضم هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد لابد للشاعر أن يتفاعل مع الحدث ويعلن استنكاره ويصرخ ليخرج ما بداخله ويعبر عما يجول في خاطره، وقد كان له أكثر من مساهمة منها: أغنية (عين الله تحميها) وهي قصيدة لحنها يوسف العلي رئيس دائرة الموسيقا غناها المطرب الشاب خلدون حناوي، و «نموت من أجلك كي تسلمي» من ألحان حسين زهرة، غناء سهام إبراهيم، والثالثة «ياعزتنا يا سورية» غناء بسام حسن وألحان ماجد زين العابدين وفيها يقول:
زيدي عشقاً للحرية
يا عزتنا يا سورية
لا يجمعنا ويقوينا
إلا وحدتنا الوطنية
الشاعر هواري يدعو إلى الاهتمام بالأغنية الإنسانية بشكل عام وهذا ماينقص الإذاعة، التي من شأنها أن تنتشر عبر العالم بأسره.
سيمفونية رائعة
من جهته الكاتب والشاعر محمد تركمان يرى أن الأغنية الوطنية تمجّد البلاد وهي ليست في تراجع ولكنها أصبحت في المناسبات، فقط وهذا شيء غير جيد ناهيك عن أن القطاع الخاص لا ينتج مثل هذه الأغاني لأنها لا تدر ربحاً فيما يصرف على الأغاني الهابطة وكليباتها مبالغ طائلة فضلاً عن ندرة المطربين الجيدين وخاصة الشباب.
فمن المعروف أن من شروط نجاح أي أغنية اللحن الجيد والأداء الجيد فالمطرب هو طرف أساسي في معادلة التميز لأي أغنية وكثير من الشعراء ولاسيما الكبار منهم يرون أن الغناء يخلد الشعراء، وأعظم شعراء القرن العشرين، حفظ الناس قصائدهم عن طريق الغناء وعليه فإن التلازم ضروري للإبداع بين الكلمات الهادفة والشعر الراقي واللحن والصوت الرخيم ليشارك الجميع في سيمفونية رائعة.
وقد كتب تركمان أوبريت «سورية بلد الأحرار» الذي شارك فيه سبعة مطربين شباب متميزين.
كما قدم أغنية «شام الأمان» ألحان صديق دمشقي وغناء الكورال.
أما الأغنية الوحيدة التي قدمها للتلفزيون فهي «شام الهوى يا شام» وهي تتميز بالكثير من الحميمية، وفيها يقول:
شام الهوى يا شام
يا حكاية ما بتنام
ليلك سهر ودموع
فيك شدت أنغام
دام المجد يا شام
أما الشاعر جورج عشي، فيرى أن القصيدة هي انفعال لحظي للإنسان، فالمغترب يكتب عن شوقه وحنينه إلى الوطن وإذا انتصر الوطن يكتب مشاعره ويصبها على ورقة وقد كتب أغنية جميلة غناها ملحم بركات وهي «ع الشام وديني يانسمة تشرين».
وحسب رأيه فإن من أسباب انتشار الأغنية الوطنية في الماضي، أن المحطات كانت محدودة إلا أنه للإنصاف فإن صناعة الأغنية كانت أكثر اهتماماً، فالملحن والشاعر والمطرب كانوا يجتمعون أكثر من مرة لإنتاج أغنية بمواصفات جيدة، أما في عصرنا هذا فقلما نجد مطرباً يناقش ملحناً أو كاتباً يحضر تسجيل ما كتب.
وأشار إلى أن الأغنية الوطنية بحاجة إلى إعادة في التركيب والمفردات الموسيقية.
سورية رجالك أبطال
معين حامد مطرب، غنى أكثر من أغنية وطنية منها سورية رجالك أبطال عام 1976 وأيضاً:
بلادي سورية من الأزل
معشر أصالة دارها
سهل وبحر وجود وجبل
صورة حلب مشوارها
ويرى حامد أن صنّاع الأغنية كانوا يخافون على اسمهم وسمعتهم ولا يقبلون إلا أن تظهر بكامل أناقتها وتقنيتها، وبكامل المواصفات المطلوبة للنجاح، والآن اختلفت الرؤية كان هناك ما يسمى بشيخ الكار، كبير الملحنين الذي يسمع رأيه وينفذ قوله، مع تبادل الآراء من قبل الجميع وقبول التغيير والتبديل في الكلمة واللحن لمصلحة الأغنية، كما إن المطرب كان يحفظ أغنيته ويؤديها بإحساس كبير، أما اليوم فالأغنية تقرأ من الورق، وكل يغني على ليلاه، أي إن الملحن والمطرب والكاتب لم يعودوا يلتقون لإنتاج أغنية متميزة.
ليست في المناسبات فقط!
الأغنية الوطنية، والوطن حاضر بوجداننا ولاننتظر مناسبة لنبحث عن أغنية، هذا ما أكدته الفنانة كنانة القصير، وأضافت: هي موجودة في كل زمان ومكان، ففي كل وقت نغني للوطن أنا أؤيد أن يكون عام 2012، عام الأغنية الوطنية، لا بل أن يكون كل عام هو لها أيضاً، وبذلك نكرس ونعمق حبنا وحب أبنائنا لوطننا، وبالنسبة لتحضير الأغنية، يفضل أن يجتمع كل عناصرها الرئيسة، من فنان وكاتب الكلمة والملحن لنخرج بأغنية تليق بالوطن، وتعطي قيمة مضافة له، وتبقى خالدة أسوة بالكثير من الأغاني التي خلدت، وتغنى بها الكبار قبل الصغار.
بدوره الفنان سامر كابرو صاحب أغنية (بعشق أرضك سورية) يرى أن الفنان جزء من هذا المجتمع، ومن واجبه أن يعبر عن مشاعره وأفراحه وأحزانه، والأغنية الوطنية يجب ألا تقتصر على المناسبات، بل تكون حاضرة عند الأزمات والأفراح، فأغنية (بعشق أرضك سورية) لاقت استحساناً وقبولاً كبيرين، كانت من ضمن إصداري المنوع، ولم أربطها بحالة أو وضع معين، فهي تعبر عن وحدة المجتمع السوري بحالة فرح ناتجة عن رغبة في التمازج بين الشعب والقيادة، بكل المناطق والانتماءات والاعتزاز بالنفس، والقناعة بالماضي، والنظر لمستقبل مشرق بفرح وأمل، وعلى الفنان أن يكون صادقاً وليس انتهازياً يغتنم الفرص، ومن جهتي أسعى دائماً لتقديم الجديد والجيد والمتميز، وأبتعد قدر الإمكان عن النمطية والتقليد والروتين، وأشار كابرو إلى أنه أصدر مؤخراً بالتعاون مع الاتحاد النسائي أغنية جديدة بعنوان (تحيا المرأة السورية) وهي تتحدث عن المرأة السورية المربية والعاملة والموجهة ودورها في بناء المجتمع والتوجيه البنّاء للأجيال.
الجدير ذكره أن الإذاعة السورية بصدد إنتاج مجموعة من الأغاني الوطنية، والتي لا تزال قيد التنفيذ ومنها أغنية من ألحان سهيل عرفة وغناء مروان محفوظ بعنوان تاريخك يا شام و(وطني) كلمات محمود عبد الكريم، ألحان ماجد زين العابدين، غناء بسام حسن، و(بلد الأمجاد) كلمات فراس إبراهيم وغناء وألحان سمير النوري (وسورية العدية) كلمات ناصر صالح ألحان سمير سمرة، غناء سمير سمرة وفاتن مصطفى وغيرها.
وفي مواكبة لما يجري في سورية من أحداث صدرت أغنية (أنت أملنا يا بشار) للفنان الشعبي رفيق سبيعي، وأغنية نورا رحال (منحبك) وأغنية (منموت كبار) لمحمد اسكندر، وقد عبرت جميعها عن نبض الشارع السوري.