- الخدم:
وهم فئة عاملة طرأت على
المجتمعات العربية خصوصاً الخليجية منها بعد توفر الثروة البترولية وزيادة
دخل الأسرة، مما أدى إلى استقدام أعداد كبيرة مما يسمى بالعمالة الناعمة
(العاملين والعاملات في المنازل ) تولت أدوار عديدة كان الأم والأب يقومان
بها في السابق، مثل الطبخ والنظافة وتربية الأولاد بكل جوانبها، سواء
الذهاب بهم للمدارس أو متابعة تحصيلهم الدراسي أو العناية بما يحتاجونه من
رعاية وعطف وسهر على صحتهم، وهذا ينتج علاقة نفسية حميمة بين الأطفال ومن
يقدم لهم هذه الخدمات، ولعل أوضح شاهد على ذلك ما يرى في المطارات عند سفر
الخادمات من تعلق الأطفال بملابسهن عند المغادرة وبكائهم المر لفراق هؤلاء
الخادمات . . وقد دلت دراسات عديدة أجريت في المجتمع الخليجي على تزايد
أعداد الخادمات، وأن من صفاتهن اختلاف الديانة (نصارى بوذيون، هندوسيون )
وفي المرتبة الرابعة جاءت الديانة الإسلامية، وكذلك انخفاض مستوى التعليم،
بل وكثير منهن أميات ولا يتحدثن باللغة العربية، وأخيراً معظم الخادمات
صغيرات السن (في العشرينيات ).
وكان نتاج ذلك كثرة الخلافات بين
الأزواج حول عمل الخدم، ثم المشكلات بين الخدم وأحد الزوجين التي تصل لحد
ارتكاب عدد من الجرائم المختلفة من سرقة واعتداء، بل وصل الأمر لحد القتل
من قبل كلا الطرفين؛ والمحصلة هي التفكك الأسري.
6- الوضع الاقتصادي للأسرة:
كثيراً
ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير في تصدعها في كلا الطرفين، الغنى
والفقر، وإن كان الثاني هو الأكثر . . ففي حالة الغنى نجد بعض الأغنياء
ينشغلون بالمال عن أسرهم، بل إن بعضهم يستعمل المال في قضاء شهواته المحرمة
ويترك ما أحل الله له فيكون سبباً في وقوع أهله في الحرام والعياذ بالله.
وفي حالة الفقر الذي لا يستطيع معه الأب توفير احتياجات أسرته مع كبرها
وقلة تعليمه وإيمانه، فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها فيقع في الحرام للحصول
على المال، أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من
المال، فيكون النتاج تفكك تلك الأسرة . . ومن يقوم بزيارة لدور الأحداث
سيجد هذه الصورة مكررة لعديد من أولياء أمور أولئك الأحداث داخل تلك الدور.
7- ضعف الإيمان:
وهذا
العامل كان يفترض أن يأتي في مقدمة العوامل جميعاً لأهميته وعدم تنبه كثير
من الباحثين الاجتماعيين والنفسيين له. فإذا كان الإيمان ضعيفاً لدى
الزوجين أو أحدهما فالنتاج الوقوع السهل المتكرر في الخطايا والآثام التي
تسبب مشكلات لا حصر لها داخل الأسرة، ويفقد ضعيف الإيمان حاجزاً وقائياً لا
مثيل له في مواجهته لمشكلات الحياة المعاصرة، حيث يقوم الإيمان القوي
المبني على التوحيد الخالص لله عز وجل وملازمة الطاعات، على هدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بحفظ العبد، حفظاً له من عند الله، وتسديد خطاه نحو
الخير والصواب في أمور دنياه وآخرته، حيث قال الله تعالى: {إن الذين قالوا
ربنا الله ثم استقموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا
بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليآؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ولكم
فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن
قولاً ممن دعآ إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } (فصلت: 29-
33).
ثانياً: من الآثار السيئة للتفكك الأسري:
للتفكك الأسري آثار يصعب حصرها، ولكننا سنحاول عرض أهمها، فمن ذلك:
1- آثار التفكك على الأفراد:
أول
ضحايا التفكك الأسري هم أفراد تلك الأسرة المتفككة، فالزوج والزوجة
يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما، فيصابان بالإحباط وخيبة
الأمل وهبوط في عوامل التوافق والصحة النفسية، وقد ينتج عن ذلك الإصابة
بأحد الأمراض النفسية، كالقلق المرضي أو الاكتئاب أو الهستريا أو الوساوس
أو المخاوف المرضية. وقد ينتج عن ذلك عدم القدرة على تكوين أسرة مرة أخرى،
فينعزل الزوج أو الزوجة عن الحياة الاجتماعية، ويعيش حياة منطوية على
الذات، سلبية التعامل،، لا تشارك الآخرين نشاطات الحياة المختلفة. وهذه ولا
شك نتائج تعطل أعضاء من أفراد المجتمع كان يتوقع منهم القيام بأدوار
إيجابية في نهضة المجتمع ورعاية صغاره بصورة إيجابية بناءة.
والآثار
الأكثر خطورة هي تلك المترتبة على أولاد الأسرة المتفككة، خصوصاً إن كانوا
صغار السن . . فأول المشكلات التي تواجههم فقدان المأوى الذي كان يجمع شمل
الأسرة، وهنا سوف يحدث التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين
والبعض الآخر مع الوالد الآخر، وغالباً ما يتزوج الأب بزوجة أخرى، والأم
بزوج آخر، والنتيجة في الغالب مشكلات مع زوجة الأب وأولادها وزوج الأم
وأولاده، مما قد يدفع أولاد الأسرة المتفككة إلى ذلك المنزل إلى أماكن أخرى
قد لا تكون مناسبة للعيش في حياة مستقرة، كما يحدث في مساكن العزاب من
الشباب . . وإذا كانت بنتاً فإنه ليس لها مجال لمغادرة المنزل، فقد يقع
عليه حيف في المعاملة ولا تستطيع رفعه، فتصاب ببعض الأمراض النفسية نتيجة
سوء المعاملة التي تتعرض لها في حياتها اليومية، وفي بعض الحالات تكون مثل
تلك الفتاة عرضة للانحراف في مسالك السوء بحثاً عن مخرج من المشكلة التي
تعيشها، فتكون مثل من استجار من الرمضاء بالنار.
2- آثار التفكك على علاقات الزوجين بالآخرين:
ينتج
عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين، خصوصاً
الأقارب، فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالباً وللأسف
تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعة بين الأسرتين، بل ويصبح هناك
نوع من الشحناء والعداوة بين أفراد تلك الأسرتين، بحيث لا يطيق فرد رؤية
فرد آخر من الأسرة الأخرى في أي مناسبة أو لقاء عام، وهذا سلوك خطر يفت في
عضد الأمة المسلمة التي حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادها على
التعاضد والمحبة والتراحم فقال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً
)) (1)
وقولـه صلى الله عليه وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام،
دمه وماله وعرضه ))(1) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى
تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ))(2).
كما أن الأمر ينتقل لأسرة
أخرى مستقرة، فإذا كانت هناك عائلتان بينهما علاقة زواج بين عدد من
أفرادهما الذكور والإناث، فإنه عند حدوث تفكك لأسرة واحدة، فقد يلجأ بعض
الآباء أو الأمهات إلى نقل أثر هذا التفكك إلى أسرة أخرى، من باب الانتقام
أو للضغط على العائلة الأخرى بجميع أفرادها، وتحميلهم مشكلات فرد واحد
منهم، وقد تكون النتيجة تفكك أسرة ثانية أو أكثر، فيزداد الطين بلة.
وقد
سجل لنا القرآن الكريم حادثة فيها الكثير من العبر والدروس، وهي حادثة
الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويهمنا هنا من القصة موقف أبي
بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يقطع المساعدة المالية عن قريبه
الذي شارك في إشاعة حادثة الإفك، فعندما سمع الله تعالى يقول: (ألا تحبون
أن يغفر الله لكم ) (النور: 22)، قال بلى، فتراجع رضي الله عنه وأعاد
المساعدة، قال عزوجل: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى
القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن
يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (النور 22).
وهذا تنبيه من الله تعالى إلى وجوب حرص المسلمين على الترابط والتحاب والبعد عما يجلب البغضاء والقطيعة بينهم.
3- آثار التفكك على نشر الانحراف:
يؤدي
التفكك الأسري في بعض الأحيان إلى تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة،
خصوصاً الأولاد من البنين والبنات، فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها، ينتج
عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي، وضعف القدرة لدى الفرد
على مواجهة المشكلات، وتحوله للبحث عن أيسر الطرق وأسرعها لتحقيق المراد،
دون النظر لشرعية الوسيلة المستخدمة في الوصول للهدف، فيصبح المذهب
الميكافيلي هو الموجه لسلوك الفرد. وفي هذا تغييب للضمير والالتزام
بالمعايير والنظم الاجتماعية السائدة التي توجه سلوك الأفراد نحو الطرق
المقبولة لتحقيق الأهداف بصورة مشروعة. والشاهد على ذلك هم الأحداث من
الذكور والإناث في ((دور الملاحظة ))، الذين ينحرفون ويقعون في سلوك إجرامي
نتيجة لتفكك أسرهم.
والباحث من خلال إشرافه على الطلاب المتدربين
في ((دار الملاحظة )) بمدينة الرياض على مدى يزيد على عشر سنين، وجد أن
كثيراً من الأحداث يأتون من أسر متفككة، من خلال دراسات الحالة التي تجرى
لهم في الدار.
4- آثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته:
يسبب
التفكك الأسري اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في
أذهان وسلوكيات أفراده، مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة
المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة، وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في
تماسك المجتمع واستمراره.
ويولد التفكك إحباطاً نفسياً قوي التأثير
في كل فرد من أفراد الأسرة المتفككة، قد يجعل بعضهم يوجه اللوم إلى المجتمع
الذي لم يساعد على تهيئة الظروف التي تقي من التفكك الأسري، فيحول اللوم
لتلك القيم التي يدافع عنها المجتمع، ويسعى الفرد للخروج عليها وعدم
الالتزام بها كنوع من السلوك المعبر عن عدم الرضى غير المعلن. كما قد يظهر
الفرد نوعاً من السلوك الثقافي المنافي لما هو متعارف عليه في مجتمعه كرد
فعل لعدم الرضى عن المجتمع وثقافته، فقد نجده يمجد الثقافة الوافدة على
حساب ثقافة مجتمعه، وقد يصل به الأمر إلى عرض وتمجيد ثقافة عدوه
((الإسرائيلي ))، كما هو ملحوظ عند عدد من مثقفي عالمنا الإسلامي.
وهنا
يكون النتاج سيئاً بنشر ثقافة دخيلة على المجتمع، وتغييب ثقافة المجتمع
الحقيقية المرتبطة بدينه الإسلامي العظيم، الذي جاء لسعادة الإنسان في
الدنيا والآخرة، ولإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن
ضيق الدنيا إلى سعة الآخر كما قال الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله
عنه.
وهم فئة عاملة طرأت على
المجتمعات العربية خصوصاً الخليجية منها بعد توفر الثروة البترولية وزيادة
دخل الأسرة، مما أدى إلى استقدام أعداد كبيرة مما يسمى بالعمالة الناعمة
(العاملين والعاملات في المنازل ) تولت أدوار عديدة كان الأم والأب يقومان
بها في السابق، مثل الطبخ والنظافة وتربية الأولاد بكل جوانبها، سواء
الذهاب بهم للمدارس أو متابعة تحصيلهم الدراسي أو العناية بما يحتاجونه من
رعاية وعطف وسهر على صحتهم، وهذا ينتج علاقة نفسية حميمة بين الأطفال ومن
يقدم لهم هذه الخدمات، ولعل أوضح شاهد على ذلك ما يرى في المطارات عند سفر
الخادمات من تعلق الأطفال بملابسهن عند المغادرة وبكائهم المر لفراق هؤلاء
الخادمات . . وقد دلت دراسات عديدة أجريت في المجتمع الخليجي على تزايد
أعداد الخادمات، وأن من صفاتهن اختلاف الديانة (نصارى بوذيون، هندوسيون )
وفي المرتبة الرابعة جاءت الديانة الإسلامية، وكذلك انخفاض مستوى التعليم،
بل وكثير منهن أميات ولا يتحدثن باللغة العربية، وأخيراً معظم الخادمات
صغيرات السن (في العشرينيات ).
وكان نتاج ذلك كثرة الخلافات بين
الأزواج حول عمل الخدم، ثم المشكلات بين الخدم وأحد الزوجين التي تصل لحد
ارتكاب عدد من الجرائم المختلفة من سرقة واعتداء، بل وصل الأمر لحد القتل
من قبل كلا الطرفين؛ والمحصلة هي التفكك الأسري.
6- الوضع الاقتصادي للأسرة:
كثيراً
ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير في تصدعها في كلا الطرفين، الغنى
والفقر، وإن كان الثاني هو الأكثر . . ففي حالة الغنى نجد بعض الأغنياء
ينشغلون بالمال عن أسرهم، بل إن بعضهم يستعمل المال في قضاء شهواته المحرمة
ويترك ما أحل الله له فيكون سبباً في وقوع أهله في الحرام والعياذ بالله.
وفي حالة الفقر الذي لا يستطيع معه الأب توفير احتياجات أسرته مع كبرها
وقلة تعليمه وإيمانه، فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها فيقع في الحرام للحصول
على المال، أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من
المال، فيكون النتاج تفكك تلك الأسرة . . ومن يقوم بزيارة لدور الأحداث
سيجد هذه الصورة مكررة لعديد من أولياء أمور أولئك الأحداث داخل تلك الدور.
7- ضعف الإيمان:
وهذا
العامل كان يفترض أن يأتي في مقدمة العوامل جميعاً لأهميته وعدم تنبه كثير
من الباحثين الاجتماعيين والنفسيين له. فإذا كان الإيمان ضعيفاً لدى
الزوجين أو أحدهما فالنتاج الوقوع السهل المتكرر في الخطايا والآثام التي
تسبب مشكلات لا حصر لها داخل الأسرة، ويفقد ضعيف الإيمان حاجزاً وقائياً لا
مثيل له في مواجهته لمشكلات الحياة المعاصرة، حيث يقوم الإيمان القوي
المبني على التوحيد الخالص لله عز وجل وملازمة الطاعات، على هدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بحفظ العبد، حفظاً له من عند الله، وتسديد خطاه نحو
الخير والصواب في أمور دنياه وآخرته، حيث قال الله تعالى: {إن الذين قالوا
ربنا الله ثم استقموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا
بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليآؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ولكم
فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن
قولاً ممن دعآ إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } (فصلت: 29-
33).
ثانياً: من الآثار السيئة للتفكك الأسري:
للتفكك الأسري آثار يصعب حصرها، ولكننا سنحاول عرض أهمها، فمن ذلك:
1- آثار التفكك على الأفراد:
أول
ضحايا التفكك الأسري هم أفراد تلك الأسرة المتفككة، فالزوج والزوجة
يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما، فيصابان بالإحباط وخيبة
الأمل وهبوط في عوامل التوافق والصحة النفسية، وقد ينتج عن ذلك الإصابة
بأحد الأمراض النفسية، كالقلق المرضي أو الاكتئاب أو الهستريا أو الوساوس
أو المخاوف المرضية. وقد ينتج عن ذلك عدم القدرة على تكوين أسرة مرة أخرى،
فينعزل الزوج أو الزوجة عن الحياة الاجتماعية، ويعيش حياة منطوية على
الذات، سلبية التعامل،، لا تشارك الآخرين نشاطات الحياة المختلفة. وهذه ولا
شك نتائج تعطل أعضاء من أفراد المجتمع كان يتوقع منهم القيام بأدوار
إيجابية في نهضة المجتمع ورعاية صغاره بصورة إيجابية بناءة.
والآثار
الأكثر خطورة هي تلك المترتبة على أولاد الأسرة المتفككة، خصوصاً إن كانوا
صغار السن . . فأول المشكلات التي تواجههم فقدان المأوى الذي كان يجمع شمل
الأسرة، وهنا سوف يحدث التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين
والبعض الآخر مع الوالد الآخر، وغالباً ما يتزوج الأب بزوجة أخرى، والأم
بزوج آخر، والنتيجة في الغالب مشكلات مع زوجة الأب وأولادها وزوج الأم
وأولاده، مما قد يدفع أولاد الأسرة المتفككة إلى ذلك المنزل إلى أماكن أخرى
قد لا تكون مناسبة للعيش في حياة مستقرة، كما يحدث في مساكن العزاب من
الشباب . . وإذا كانت بنتاً فإنه ليس لها مجال لمغادرة المنزل، فقد يقع
عليه حيف في المعاملة ولا تستطيع رفعه، فتصاب ببعض الأمراض النفسية نتيجة
سوء المعاملة التي تتعرض لها في حياتها اليومية، وفي بعض الحالات تكون مثل
تلك الفتاة عرضة للانحراف في مسالك السوء بحثاً عن مخرج من المشكلة التي
تعيشها، فتكون مثل من استجار من الرمضاء بالنار.
2- آثار التفكك على علاقات الزوجين بالآخرين:
ينتج
عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين، خصوصاً
الأقارب، فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالباً وللأسف
تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعة بين الأسرتين، بل ويصبح هناك
نوع من الشحناء والعداوة بين أفراد تلك الأسرتين، بحيث لا يطيق فرد رؤية
فرد آخر من الأسرة الأخرى في أي مناسبة أو لقاء عام، وهذا سلوك خطر يفت في
عضد الأمة المسلمة التي حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادها على
التعاضد والمحبة والتراحم فقال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً
)) (1)
وقولـه صلى الله عليه وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام،
دمه وماله وعرضه ))(1) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى
تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ))(2).
كما أن الأمر ينتقل لأسرة
أخرى مستقرة، فإذا كانت هناك عائلتان بينهما علاقة زواج بين عدد من
أفرادهما الذكور والإناث، فإنه عند حدوث تفكك لأسرة واحدة، فقد يلجأ بعض
الآباء أو الأمهات إلى نقل أثر هذا التفكك إلى أسرة أخرى، من باب الانتقام
أو للضغط على العائلة الأخرى بجميع أفرادها، وتحميلهم مشكلات فرد واحد
منهم، وقد تكون النتيجة تفكك أسرة ثانية أو أكثر، فيزداد الطين بلة.
وقد
سجل لنا القرآن الكريم حادثة فيها الكثير من العبر والدروس، وهي حادثة
الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويهمنا هنا من القصة موقف أبي
بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يقطع المساعدة المالية عن قريبه
الذي شارك في إشاعة حادثة الإفك، فعندما سمع الله تعالى يقول: (ألا تحبون
أن يغفر الله لكم ) (النور: 22)، قال بلى، فتراجع رضي الله عنه وأعاد
المساعدة، قال عزوجل: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى
القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن
يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (النور 22).
وهذا تنبيه من الله تعالى إلى وجوب حرص المسلمين على الترابط والتحاب والبعد عما يجلب البغضاء والقطيعة بينهم.
3- آثار التفكك على نشر الانحراف:
يؤدي
التفكك الأسري في بعض الأحيان إلى تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة،
خصوصاً الأولاد من البنين والبنات، فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها، ينتج
عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي، وضعف القدرة لدى الفرد
على مواجهة المشكلات، وتحوله للبحث عن أيسر الطرق وأسرعها لتحقيق المراد،
دون النظر لشرعية الوسيلة المستخدمة في الوصول للهدف، فيصبح المذهب
الميكافيلي هو الموجه لسلوك الفرد. وفي هذا تغييب للضمير والالتزام
بالمعايير والنظم الاجتماعية السائدة التي توجه سلوك الأفراد نحو الطرق
المقبولة لتحقيق الأهداف بصورة مشروعة. والشاهد على ذلك هم الأحداث من
الذكور والإناث في ((دور الملاحظة ))، الذين ينحرفون ويقعون في سلوك إجرامي
نتيجة لتفكك أسرهم.
والباحث من خلال إشرافه على الطلاب المتدربين
في ((دار الملاحظة )) بمدينة الرياض على مدى يزيد على عشر سنين، وجد أن
كثيراً من الأحداث يأتون من أسر متفككة، من خلال دراسات الحالة التي تجرى
لهم في الدار.
4- آثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته:
يسبب
التفكك الأسري اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في
أذهان وسلوكيات أفراده، مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة
المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة، وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في
تماسك المجتمع واستمراره.
ويولد التفكك إحباطاً نفسياً قوي التأثير
في كل فرد من أفراد الأسرة المتفككة، قد يجعل بعضهم يوجه اللوم إلى المجتمع
الذي لم يساعد على تهيئة الظروف التي تقي من التفكك الأسري، فيحول اللوم
لتلك القيم التي يدافع عنها المجتمع، ويسعى الفرد للخروج عليها وعدم
الالتزام بها كنوع من السلوك المعبر عن عدم الرضى غير المعلن. كما قد يظهر
الفرد نوعاً من السلوك الثقافي المنافي لما هو متعارف عليه في مجتمعه كرد
فعل لعدم الرضى عن المجتمع وثقافته، فقد نجده يمجد الثقافة الوافدة على
حساب ثقافة مجتمعه، وقد يصل به الأمر إلى عرض وتمجيد ثقافة عدوه
((الإسرائيلي ))، كما هو ملحوظ عند عدد من مثقفي عالمنا الإسلامي.
وهنا
يكون النتاج سيئاً بنشر ثقافة دخيلة على المجتمع، وتغييب ثقافة المجتمع
الحقيقية المرتبطة بدينه الإسلامي العظيم، الذي جاء لسعادة الإنسان في
الدنيا والآخرة، ولإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن
ضيق الدنيا إلى سعة الآخر كما قال الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله
عنه.