"محمد عبد السلام"... النحّات الذي ذوّبته الشمس
محمد القصير
الاثنين 11 تشرين الأول 2010
النبك
من مدينة تحلم باللون الأخضر، لكنها لا تبخل على سكانها ببردها القارص،
وشتائها الذي قلما يخلو من ثوب أبيض يبعث في النفس الشعور بقدوم موسم
مملوء بالخير، لكن الأمر بات مختلفاً عند ابن "النبك" الفنان والموسيقي
"محمد عبد الفتاح عبد السلام" فندف الثلج تتجمع بين يديه لتصنع تمثالاً.
موقع eSyria وأثناء زيارته مدينة "النبك" كبرى مدن القلمون التقينا
به، لنتعرف أكثر على تعدد مواهبه وهو الذي يملك معملاً لتصنيع الرخام.
فالبداية عن الطفولة التي كثيراً ما تحدث عنها بمرارة، لأن الأب لم يكن
يؤمن يوماً سوى بالعمل الذي يدر مالاً، وما يقوم به ولده هراء بهراء، عن
هذه المرحلة يقول: «طفولتي قاسية، وشيء في داخلي يدفعني كي أتعلم أشياء لا
يرغبها والدي، بعد هذا الزمن كم أشعر بالأسى لما جناه عليّ، كان حنوناً،
لكنه لا يرى سوى العمل عنواناً لرجولتنا، لذا كان الانتظار طويلاً حتى كبرت
وتحررت قليلاً من سطوة وتسلط الأب، فبدأت أحقق جزءاً من أحلامي، وشيئاً من
طموحي».
بدأت الحكاية متأخرة بعض الشيء، ففي العام 2008 وكان المطر قد انحبس عن
المنطقة، والمزارعين في ضيق من ذلك، ماذا فعل "محمد عبد السلام"، يقول:
«بعد دعاء وصلاة الاستسقاء، منّ الله على المنطقة بوفير نعمه، وهطلت السماء
ثلجاً كثيفاً، فرح كل من في المنطقة وهذا أمر طبيعي ويدعو للتفاؤل، فما
وجدت نفسي إلا وأنا كالطفل ألعب بالثلج المتراكم في الساحة التي يطل عليها
منزلي، فصنعت من الثلج تمثالاً على هيئة شيخ مسن ذو لحية
بيضاء تنم عن وقاره، أعجب الناس بها فاقترح البعض أن اصنع تمثالاً
لطفل صغير يرافق هذا الشيخ، راقت لي الفكرة ونفذتها من فوري لأن الوقت ليس
في صالحي، فعمر التمثال الثلجي ساعات معدودة، فمتى سطعت الشمس أحالته إلى
ماء، وهذا ما كان يضعني أمام حقيقة الإنسان الزائل كتمثالي الثلجي هذا».
من جانب آخر لم يقتصر عمل "محمد عبد السلام" على صناعة التماثيل الثلجية بل
تعداه إلى فن الفسيفساء الحجري، وعن تجربته هذه يقول: «كنت قد أقمت لفترة
في مدينة "طرطوس" وهناك وبالقرب من البحر كان جمع الصدف يستهويني، ومنه
فكرت أن أفعل شياً فنياً، وكان لي أن استخدمت هذه الصدفات في رصف لوحة
فسيفساء، كذلك استخدمت بعض أنواع الحبوب كحب "اللوبياء"، وحب "الفلفل"،
و"بذار الورد"، ونبتة "الشب الظريف"، ثم في مرحلة لاحقة أدخلت عليها
"القصب"».
هذه الأعمال لاقت ترحيباً عند كل من شاهدها، وتابع يقول: «وتطور الأمر
فاستخدمت هذه المواد في صناعة لوحات الوجوه "البورتريه" وحالياً أدخلت حجر
الرخام بتعدد ألوانه في تصميم هذه اللوحات، فالمزج هذا أعطى اللوحة أبعاداً
متعددة ربما لم ترق للبعض، لكنها محاولة رأيت فيها شيئاً من التميز، وهذا
ما يسعى إليه
كل فنان عادة».
وفي العودة على فصل الشتاء، وتحديداً إلى تماثيله الثلجية، يقول: «كانت
البداية عندما صممت تمثالاً لمارد وعندما قررت أن أفرغ ما تحت غبطه ليظهر
بشكل حقيقي وجدت أن بالإمكان فعل ذلك، ومع كل محاولة جديدة بدأت أعمل على
أدق التفاصيل، هذه الدقة فرضتها طبيعة المادة الثلجية المستخدمة».
وكما يقول عنه صديقه الشاعر الغنائي "إبراهيم العبد الله" أن "محمد" مجموعة
من المواهب، مضيفاً: «تستطيع أن تتعامل معه في أي مجال، طيب القلب، مندفع،
فنان موسيقي، نحات ثلجي، وحكم في كرة القدم، ومع هذا تراه لا يكل ولا يمل،
هو مكسب حقيقي لكل من يعرفه، فموهبته واضحة، وكم تمنى لو أنه بدأ مبكراً،
ولكن هذا قدره، وهو سعيد به».
وسألنا "محمد عبد السلام" عن شعوره وهو يرى الشمس اللاهبة تلتهم تماثيله
الثلجية، فيقول: «فقط يمكنني أن اشعر بهذا التمثال كإنسان وصل خريف العمر
وهو ينتظر الرحيل إلى العالم الآخر، فالتمثال كالإنسان له بداية هي الخلق،
ونهاية هي الموت، والذوبان هو الموت، يغير الملامح».
يذكر لنا أن أول تمثال ثلجي صنعه دهسته سيارة وكان بفعل مقصود، علم بعدها أن هناك من يعتقد أن ما يقوم
به "محمد" هو العودة إلى زمن "الأصنام". وينهي
كلامه، وحاله كحال رجل كفيف يتلمس طريقه بكل حذر كي لا يواجه مصاعب، وهنا
يدلي بحكمته، فيقول: «من تأنى نال ما تمنى».
والجدير ذكره أن الفنان متعدد المواهب "محمد عبد الفتاح عبد السلام" هو من
مواليد مدينة "النبك" في العام 1967 متزوج ورزق بأربعة أبناء، حلمه أن يقدم
لمدينته عملاً يعيش طويلاً، كما أنه سيسعى ألا يقف عائقاً أمام رغبات
أولاده.
محمد القصير
الاثنين 11 تشرين الأول 2010
النبك
من مدينة تحلم باللون الأخضر، لكنها لا تبخل على سكانها ببردها القارص،
وشتائها الذي قلما يخلو من ثوب أبيض يبعث في النفس الشعور بقدوم موسم
مملوء بالخير، لكن الأمر بات مختلفاً عند ابن "النبك" الفنان والموسيقي
"محمد عبد الفتاح عبد السلام" فندف الثلج تتجمع بين يديه لتصنع تمثالاً.
|
موقع eSyria وأثناء زيارته مدينة "النبك" كبرى مدن القلمون التقينا
به، لنتعرف أكثر على تعدد مواهبه وهو الذي يملك معملاً لتصنيع الرخام.
فالبداية عن الطفولة التي كثيراً ما تحدث عنها بمرارة، لأن الأب لم يكن
يؤمن يوماً سوى بالعمل الذي يدر مالاً، وما يقوم به ولده هراء بهراء، عن
هذه المرحلة يقول: «طفولتي قاسية، وشيء في داخلي يدفعني كي أتعلم أشياء لا
يرغبها والدي، بعد هذا الزمن كم أشعر بالأسى لما جناه عليّ، كان حنوناً،
لكنه لا يرى سوى العمل عنواناً لرجولتنا، لذا كان الانتظار طويلاً حتى كبرت
وتحررت قليلاً من سطوة وتسلط الأب، فبدأت أحقق جزءاً من أحلامي، وشيئاً من
طموحي».
بدأت الحكاية متأخرة بعض الشيء، ففي العام 2008 وكان المطر قد انحبس عن
المنطقة، والمزارعين في ضيق من ذلك، ماذا فعل "محمد عبد السلام"، يقول:
«بعد دعاء وصلاة الاستسقاء، منّ الله على المنطقة بوفير نعمه، وهطلت السماء
ثلجاً كثيفاً، فرح كل من في المنطقة وهذا أمر طبيعي ويدعو للتفاؤل، فما
وجدت نفسي إلا وأنا كالطفل ألعب بالثلج المتراكم في الساحة التي يطل عليها
منزلي، فصنعت من الثلج تمثالاً على هيئة شيخ مسن ذو لحية
|
"محمد عبد السلام" ينحت في الثلج |
لطفل صغير يرافق هذا الشيخ، راقت لي الفكرة ونفذتها من فوري لأن الوقت ليس
في صالحي، فعمر التمثال الثلجي ساعات معدودة، فمتى سطعت الشمس أحالته إلى
ماء، وهذا ما كان يضعني أمام حقيقة الإنسان الزائل كتمثالي الثلجي هذا».
من جانب آخر لم يقتصر عمل "محمد عبد السلام" على صناعة التماثيل الثلجية بل
تعداه إلى فن الفسيفساء الحجري، وعن تجربته هذه يقول: «كنت قد أقمت لفترة
في مدينة "طرطوس" وهناك وبالقرب من البحر كان جمع الصدف يستهويني، ومنه
فكرت أن أفعل شياً فنياً، وكان لي أن استخدمت هذه الصدفات في رصف لوحة
فسيفساء، كذلك استخدمت بعض أنواع الحبوب كحب "اللوبياء"، وحب "الفلفل"،
و"بذار الورد"، ونبتة "الشب الظريف"، ثم في مرحلة لاحقة أدخلت عليها
"القصب"».
هذه الأعمال لاقت ترحيباً عند كل من شاهدها، وتابع يقول: «وتطور الأمر
فاستخدمت هذه المواد في صناعة لوحات الوجوه "البورتريه" وحالياً أدخلت حجر
الرخام بتعدد ألوانه في تصميم هذه اللوحات، فالمزج هذا أعطى اللوحة أبعاداً
متعددة ربما لم ترق للبعض، لكنها محاولة رأيت فيها شيئاً من التميز، وهذا
ما يسعى إليه
|
بورتريه من صدف البحر |
وفي العودة على فصل الشتاء، وتحديداً إلى تماثيله الثلجية، يقول: «كانت
البداية عندما صممت تمثالاً لمارد وعندما قررت أن أفرغ ما تحت غبطه ليظهر
بشكل حقيقي وجدت أن بالإمكان فعل ذلك، ومع كل محاولة جديدة بدأت أعمل على
أدق التفاصيل، هذه الدقة فرضتها طبيعة المادة الثلجية المستخدمة».
وكما يقول عنه صديقه الشاعر الغنائي "إبراهيم العبد الله" أن "محمد" مجموعة
من المواهب، مضيفاً: «تستطيع أن تتعامل معه في أي مجال، طيب القلب، مندفع،
فنان موسيقي، نحات ثلجي، وحكم في كرة القدم، ومع هذا تراه لا يكل ولا يمل،
هو مكسب حقيقي لكل من يعرفه، فموهبته واضحة، وكم تمنى لو أنه بدأ مبكراً،
ولكن هذا قدره، وهو سعيد به».
وسألنا "محمد عبد السلام" عن شعوره وهو يرى الشمس اللاهبة تلتهم تماثيله
الثلجية، فيقول: «فقط يمكنني أن اشعر بهذا التمثال كإنسان وصل خريف العمر
وهو ينتظر الرحيل إلى العالم الآخر، فالتمثال كالإنسان له بداية هي الخلق،
ونهاية هي الموت، والذوبان هو الموت، يغير الملامح».
يذكر لنا أن أول تمثال ثلجي صنعه دهسته سيارة وكان بفعل مقصود، علم بعدها أن هناك من يعتقد أن ما يقوم
|
"محمد" عازف الربابة |
كلامه، وحاله كحال رجل كفيف يتلمس طريقه بكل حذر كي لا يواجه مصاعب، وهنا
يدلي بحكمته، فيقول: «من تأنى نال ما تمنى».
والجدير ذكره أن الفنان متعدد المواهب "محمد عبد الفتاح عبد السلام" هو من
مواليد مدينة "النبك" في العام 1967 متزوج ورزق بأربعة أبناء، حلمه أن يقدم
لمدينته عملاً يعيش طويلاً، كما أنه سيسعى ألا يقف عائقاً أمام رغبات
أولاده.