[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
التين هو الثمرة المباركة التي أقسم الله سبحانه وتعالى بها في محكم تنزيله فقال: {وَ التَيِنِ والزَّيتُونِ وطُورِ سِينِينَ ْ}. وقد اختلف أهل التأويل في تفسيرها فقال معظمهم: عُني بالتين: التين الذي نأكل، والزيتون الذي يعصر.فقد رُوي عن الحسن قوله: تينكم هذا الذي يؤكل وزيتونكم هذا الذي يعصر. وعن عكرمة قال: التين والزيتون هو التين والزيتون الذي تأكلون. وعن مجاهد قال: هي الفاكهة التي يأكل الناس. ومثل ذلك روي عن ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد وغيرهم. ونقل ابن الجوزي أنه سبحانه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مخلصة من شائب التنغيص وهو يدل على قدرة من هيأه على تلك الصفة وجعل الواحدة منها على مقدار اللقمة.و قال آخرون: التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس. وقيل أن التين هو مسجد نوح الذي بناه على الجودي، وقيل أنها أسماء لجبال في بلاد الشام، وبعد أن يذكر ابن جرير الطبري _ شيخ المفسرين _ هذه الأقوال يقول: والصواب عندنا قول من قال: التين هو التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر منه الزيت لأن ذلك هو المعروف عند العرب ولا يعرف جبل اسمه تينا ولا جبل يقال له زيتون إلا أن يقول قائل: أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون والمراد من الكلام والقسم بمنابت التين ومنابت الزيتون فيكون ذلك مذهباً، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك في ظاهر التنزيل.
أما ابن القيم فقال: لما لم يكن التين بأرض الحجاز لم يأت له ذكر في السنة ولكن أقسم الله به في كتابه لكثرة منافعه وفوائده.. والصحيح أن المقسم به هو التين المعروف.
و يرى الشيخ محمد محمود عبد الله أن القسم في القرآن يرد على نوعين: فأما لفضيلة وإما لمنفعة، والقسم بالتين والزيتون جاء لمنفعة للخلق فهما شراب وطعام وشفاء وإدام. واقترانهما لتمام الفائدة، فالتين مع الزيتون غذاء مكتمل يمدان الإنسان بما يحتاج إليه من الغذاء والفيتامينات والمعادن.
و قد عرف البشر التين في القديم وزرعوه منذ أكثر من 4000 عام، وورد ذكره في التوراة والإنجيل، وانتشر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وذكره سقراط وهوميروس وكان أفلاطون يكثر من تناوله لذا سمي صديق الفلاسفة.
واستعمله الفينيقيون غذاءً ودواء فصنعوا منه لزقات لمعالجة البثور، وعالجوا الحميات بنقيعه. أما الفراعنة فقد استعملوه علاجاً لآلام المعدة، ويؤكد ابن سينا أن التين مفيد جداً للحوامل والرضع وأنه ينفع من الاستسقاء. أما الرازي فيقول بأن التين يقلل الحوامض في الجسم، ويدفع أثرها السيئ.
و قال الموفق البغدادي: أن التين كثير الغذاء أغذى من جميع الفاكهة، وفيه تليين للطبع، وتسكين للعطش، وينفع السعال المزمن، ويدر البول، ولأكله على الريق منفعة عظيمة في تفتيح مجاري الغذاء.
أما ابن القيم فيذكر أن أجوده الأبيض القشر، يجلو رمل الكلى والمثانة، ويؤمن من السموم، وهو أغذى من جميع الفاكهة، وينفع خشونة الحلق والصدر، ويغسل الكبد والطحال، وينقي الخليط البلغمي من المعدة، ويابسه يغذي وينفع العصب.
و يعتبر التين من أغنى الفاكهة بالفيتامينات وخاصة " ب 1 " و" ب2 " و" ث " والكاروتين _ طليعة الفيتامين " أ " _. كما يحتوي على نسبة عالية من المواد المعدنية وخاصة الحديد والكلس والنحاس، وهي المواد البانية لخلايا الجسم والمولدة لخضاب الدم، حيث تفيد المصابين بفقر الدم. كما يحتوي على نسبة عالية من السكاكر (من 18 _ 30 %) حسب رطوبته وجفافه، أما المواد الآزوتية فتتراوح بين 1 _ 5 %، المواد الدسمة من 0.1 _ 20 %، وتعطى الـ 100 غ من التين الرطب 70 حريرة وتصل إلى 268 في التين الجاف، لذا فإنها تهب آكلها مقداراً من الطاقة يساعد على التغلب على برد الشتاء وتمنحه القوة والنشاط.
إن غناه بالفيتامين " ب 1 " يجعله مفيداً في التهابات الأعصاب، وهو غذاء جيد للمصابين بالخرع وترقق العظام ولينها وواقياً من الإصابة بها لغناه بالكلس والفوسفور. وذكر بعضهم غناه بالفيتامين " ك " الذي يساعد على تخثر الدم وإيقاف النزوف.
و تجفيف التين يزيد من تركيز العناصر الغذائية فيه، إلا أنه يفق بعد التجفيف ثروته من الفيتامين " ث " غير أنه يحتفظ بباقي الأنواع الأخرى من الفيتامينات على الأرجح.
و إذا قطعت أغصانه أو أوراقه خرج منهل سائل لبني راتنجي أبيض إذا أضيف إلى الحليب يخثره، وإذا طليت به الأثفان والتآليل مرة كل يوم تشفى غالباً. ونظراً لغنى التين بالألياف السللوزية وحوامض الفواكه فإن ثماره ملينة ومحرضة لإفراغ الأمعاء وللتبرز [صنعت شركة Boots عقاراً مليناً على شكل شراب من ثمار التين أسمته Syrup of Figs]و يحرض لإفراغ المرارة مما يجعل منه علاجاً ممتازاً للمصابين بالإمساك المعند والمزمن ويكفي تناول بضع تينات على الريق سواء أكانت جافة أم غضة.
و يفيد منقوع التين في علاج التهابات الجهاز التنفسي كالتهاب القصبات والحنجرة مما يؤدي إلى تهدئة السعال. كما أن تناول كأس من هذا المنقوع قبل كل طعام يفيد في معالجة التهاب الفم والبلعوم واللثة. ولنفس الغاية يمكن استعمال مغلي ثماره الجافة (40
_ 120 غ / لكل ليتر ماء).كما يساعد على إدرار البول والحليب. ويعتبر شراباً ملطفاً لمرضى الحصبة والحمى القرمزية ومفيد جداً لمعالجة النزلات الصدرية والرشح. ولحل البلغم في المسالك الهوائية _ كمقشع _ يمكن تناول مغلي الثمار المجفف مع الأعشاب الصدرية بمقدار فنجان ساخن 3 مرات يومياً.
و كغذاء مقوٍ توصف ثمار التين للأطفال والناقهين والحوامل وللمصابين بالوهن الجسمي والعصبي والتهيجات المعدية _ المعوية، والقبض والالتهابات الرئوية والبولية وخارجياً يمكن لثمرة التين بعد شقها ونقعها بماء مغلي أن تطبق موضعياً لمعالجة القروح والجروح المتعفنة والدمامل بحيث يكون سطحها الداخلي فوق الآفة تماماً.أما مغلي أوراق التين فيفيد مسكناً للسعال ولمعالجة اضطراب الحيض حيث يعطى في الموعد المتوقع لإدرار الطمث، كما يفيد غرغرة للفم في التهابات اللثة.
التين كعامل في منع الأورام:
[مقتبس عن مقالة بنفس العنوان لأسامة القوتلي ودكتور ظافر العطار في مجلة الدواء العربي _ عمان، عدد نيسان، 1992].
إن استعمال ثمرة التين كعلاج بدأ ينتشر في العالم بأسره، فلقد كتب عنه العالم الأمريكي " جوناثان هارتويل " [Harwell من معهد السرطان الوطني في Bethesda Maryland ونشرته مجلة Lloydia عدد كانون ثاني 1970]، كما اهتم به الدكتور الياباني كوتشي [M. Kochi: من مستشفى اتشي جوكاي في مدينة تشيبا اليابانية] منذ زمن بعيد إذ أكد خصائص التين العلاجية. فقد لاحظ أن سرطان إرليخ Ehrlich Carcinoma في الفئران يتوقف إذا ما استعمل عصير التين، كما أكد على النتائج الحسنة لمعالجته لورم خبيث عند الإنسان بواسطة قطارة بخار التين في مؤتمر السرطان العالمي الثاني عشر 1978.
و في دراسة حديثة تابع كوتشي وزملاءه المكوِّن الفعال في القطارة البخارية لثمار التين [يغلى 2 كغ من التين مع ليتر ماء ثم يقطر البخار للحصول على 600 مل من القطارة] باستخدام فئران زرع تحت جلدها سرطان غدي Adenocarcinoma. وبعد الزرع ب24 ساعة حقنت هذه الفئران يومياً بمقدار 1 مل من القطارة وبعد 11 يوماً أميتت هذه الفئران وقورن الوزن الوسطي للأورام مع معدلات من المجموعة من الفئران التي لم تخضع للمعالجة فتبين أن القطارة البخارية لثمرة التين قد خفضت الوزن الوسطي للورم بمعدّل 39 % وتبين بعد ذلك أن العامل الفعال هو زيت اللوز المر أو البنزالدهيد وأنّ تركيزها ضمن القطارة المذكورة هو ضمن جزء من المليون تقريباً.
ثم أعطي زيت اللوز المر على شكل مركب سايكلود كسترين زيت اللوز المر [عن مجلة Cancer Treatment Reports _ كانون الثاني _ 1980] والذي رمز له بـ CDBA عن طريق الفم والشرج بجرعة يومية مقدارها 10 ملغ لكل كغ من وزن المريض لـ 90 مريضاً يعانون من أورام سرطانية متقدمة ومستعصية على الجراحة. وكان بالإمكان تقويم حالة 57 من المرضى الخاضعين للعلاج. إذ استحباب 19 منهم للعلاج استجابة تامة واستجاب آخرون جزئياً _ أي تراجع المرض لأكثر من 50 %]. وقد أجبرت المعالجة الخلايا الصُدفية السرطانية على التحول إلى الشكل الطبيعي.
شملت الدراسة 57 مريضاً منهم 32 رجلاً و15 امرأة. واستغرقت عامين وخمسة شهور وخضع المرضى لفترة مراقبة لأكثر من سنتين. كان منهم أربعة مصابون بسرطان الخلية الصدفية للسان وكانوا في بدء المعالجة بحالة خطرة جداً، استمرت فترة المعالجة من 1.5 _ 6 شهور وقد حصلوا على الشفاء التام. ومما يلفت النظر عندهم أن الخلايا المتسرطنة تماثلت نحو التحسن بشدة وتحولت إلى خلايا صدفية متقرنة. ومريض آخر كان يعاني من سرطان الخلية الصدفية نظير الجيي مع انتقالات رئوية، حصل على استجابة جزئية بعد 3 شهور من العلاج فتلاشت الأورام الرئوية وتحسن الورم في المنطقة الصدغية. وهناك حالة طفل في الرابعة من العمر كان يعاني من سرطان الدم النقيوي الحاد، عولج لمدة 10 شهور بالأدريامايسين وغيره من موقفات النمو الخلوي دون أن يشفى، طبق له العلاج بالقطارة التينية لمدة عشرة أيام حيث بدأ يتماثل للشفاء وبدأ تعداد الكريات البيض والصفيحات وخضاب الدم بالعودة إلى مقداره السويّ واستغرق التخلص التام من الورم من أربعة أشهر.
و قد ثبت أن زيت اللوز المر غير ضار بوظائف الكبد والكلى، كما أنه لا يسبب أي عرض جانبي كنقص الكريات البيضاء والإقياء وسقوط الشعر وغيرها كباقي الأدوية السرطانية. نعم! تلكم ثمرة التين المباركة.
مراجع البحث
1. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
2. الإمام ابن جرير الطبري: عن كتابه (جامع البيان عن تفسير القرآن).
3. محمد محمود عبد الله: عن كتابه (الطب القرآني غذاء ودواء) القاهرة: 1989.
4. ابن الجوزي: عن كتابه (زاد المسير في علم التفسير).
5. موفق الدين البغدادي: عن كتابه (الطب من القرآن والسنة) تحقيق دكتور عبد المعطي قلعجي.
6. دكتور صبري القباني: (الغذاء لا الدواء) بيروت 1977.
7. أسامة القوتلي وظافر العطار: عن مقالة (التين كعامل في منع الأورام) مجلة الدواء العربي _ عمان، نيسان: 1992.
8. محمد شفيق البابا: عن كتابه (التغذية الصحيحة) دمشق: 1958.
9. أيمن عزت الطباع: عن كتابه (المرشد إلى طبابة الأعشاب) 1984.
10. دكتور محمد كمال عبد العزيز:عن كتابه (الأطعمة