يعد أن تركت الفندق دون إخباره بذلك.
تحاشيت طبعاً إعطاءه تفاصيل عن إقامتي الجديدة. واقترحت عليه أن نلتقي في اليوم التالي.
لكنه فاجأني بذلك الخبر الذي ما توقعته أبداً حين قال لي معتذراً:
انتهى الحب. وها أنا أرتعد عارياً كجذع شجرة جرداء.
- لن أستطيع أن أراك غداً. سأكون مشغولاً بانتظار ناصر عبد المولى. سيحضر من ألمانيا للإقامة عندي بعض الوقت.. لكن إن شئت سنلتقي جميعاً بعد غد.
سألته غير مصدق:
- أي ناصر؟
- ناصر.. ابن الشهيد الطاهر عبد المولى. أنت تدري أنه يقيم منذ سنتين في ألمانيا بعد أن اتهم بانتمائه لجماعة إسلامية مسلحة. حصل على حق اللجوء السياسي هناك. لكن ليس بإمكانه طبعاً العودة إلى الجزائر ولذا سيحضر إلى باريس للقاء والدته التي لم يرها منذ سنتين. التقيت به مطولاً في ألمانيا.. واتفقنا أن يبرمج مجيئه إلى باريس عند استئجاري شقة كي يتمكن من الإقامة عندي, فهو لأسباب أمنية يفضل عدم الإقامة في الفندق.
وهكذا كان مراد يزف لي خبرين: خبر مجيء ناصر, وحتمية مجيء أخته رفقة والدتها. فلم يكن من المعقول أن تأتي والدته بمفردها إلى باريس.
أذهلتني صاعقة المفاجأة.
أحقاً ستأتي تلك المرأة التي ما كان في مفكرة حياتي موعد معها؟
ستأتي , بعدما لفرط انتظارها ما عدت أنتظر مجيئها.
سنتان من الانقطاع, تمددت فيهما جثة الوقت بيننا, وجوارها شيء شبيه بجثتي, فقد أحببتها لحظة دوار عشقي كمن يقفز في الفراغ دون أن يفتح مظلة الهبوط, ثم.. تركتها كما أحببتها, كما يلقي يائس بنفسه من جسر بدون النظر إلى أسفل. أما كنت ابن قسنطينة حيث الجسور طريقة حياة وطريقة موت.. وحب!
تلك التي لم يتخل عنها يوماً رجل,تخليت عنها, خشية أن تتخلى هي عني. كأنني القائل " رب هجر قد كان من خوف هجر\ وفراق قد كان خوف فراق".
أكثر إيلاماً من التخلي نفسه, خوفي الدائم من تخليها عني.
عكس العشاق الذين يستميتون دفاعاً عن مواقعهم ومكاسبهم العاطفية, عندما أغار أنسحب, وأترك لمن أحب فرصة اختياري من جديد.
كنت رجل الخسارات الاختيارية بامتياز. ما كان لي أن أتقبل فكرة أن تهجرني امرأة إلى رجل آخر.
أنا الذي لم أتقبل فكرة أن يكون أحد قد سبقني إليها. كيف لي أن أطمئن إلى امرأة تزرع داخلي مع كل كلمة حقولاً من الشك.
أذكر يوم سألتني لأول مرة إن كنت أحبها, أجبتها:
- لا أدري.. ما أدريه أنني أخافك.
في الواقع كنت أخاف التيه الذي سيلي حبها, فمثلها لا يمكن لرجل أن يحب بعدها دون أن يقاصص نفسه بها.
يومها, فكرت أنني لا يمكن أن أواجه الخوف منها إلا بالإجهاز عليها هجراً. وكان ثمة احتمال آخر: اعتماد طريقتها في القتل الرحيم داخل كتاب جميل. فقد حدث أن أهدتني ما يغري بالكتابة. أشياء انتقتها بحرص أم على اختيار اللوازم المدرسية لطفلها يوم دخوله الأول إلى المدرسة.
وكنت بعد موت عبد الحق بأسبوعين, صادفتها في مكتبة في قسنطينة تشتري ظروفاً وطوابع بريدية لتبعث رسالة إلى ناصر في ألمانيا. كانت تمسك بيدها دفتراً أسود, قالت مازحة إنها اشترته لأنه تحرش بها. سألتني فجأة:
- إن أهدينك إياه, هل ستكتب شيئاً جميلاً؟
قلت:
- لا أظنني سأفعل.. ستحتاجين إليه أكثر مني.
لم تعر جوابي اهتماماً, توجهت إلى البائع تطلب منه عدة أقلام سيالة من نوع معين. قالت وهي تمدني بها " أريد منك كتاباً" كما لو قالت " أريد منك طفلاً". فهل كانت تريد أن تستبقيني بكتاب, كما تستبقي امرأة زوجاً بطفل؟ أم كانت تهيئني للفراق الطويل؟
سألتها متوجساً مراوغة ما:
- ما مناسبة هذه الهدية؟
ردت مازحة:
- بإمكاننا متى شئنا أن نخترع مناسبة . سأفترض أنه عيد ميلادك.. إني ألدك متى شئت من المرات.
كانت الأمومة خدعتها الجميلة, كخدعة أبوتي لها.
أمدتني بالدفتر وقالت:
تحاشيت طبعاً إعطاءه تفاصيل عن إقامتي الجديدة. واقترحت عليه أن نلتقي في اليوم التالي.
لكنه فاجأني بذلك الخبر الذي ما توقعته أبداً حين قال لي معتذراً:
انتهى الحب. وها أنا أرتعد عارياً كجذع شجرة جرداء.
- لن أستطيع أن أراك غداً. سأكون مشغولاً بانتظار ناصر عبد المولى. سيحضر من ألمانيا للإقامة عندي بعض الوقت.. لكن إن شئت سنلتقي جميعاً بعد غد.
سألته غير مصدق:
- أي ناصر؟
- ناصر.. ابن الشهيد الطاهر عبد المولى. أنت تدري أنه يقيم منذ سنتين في ألمانيا بعد أن اتهم بانتمائه لجماعة إسلامية مسلحة. حصل على حق اللجوء السياسي هناك. لكن ليس بإمكانه طبعاً العودة إلى الجزائر ولذا سيحضر إلى باريس للقاء والدته التي لم يرها منذ سنتين. التقيت به مطولاً في ألمانيا.. واتفقنا أن يبرمج مجيئه إلى باريس عند استئجاري شقة كي يتمكن من الإقامة عندي, فهو لأسباب أمنية يفضل عدم الإقامة في الفندق.
وهكذا كان مراد يزف لي خبرين: خبر مجيء ناصر, وحتمية مجيء أخته رفقة والدتها. فلم يكن من المعقول أن تأتي والدته بمفردها إلى باريس.
أذهلتني صاعقة المفاجأة.
أحقاً ستأتي تلك المرأة التي ما كان في مفكرة حياتي موعد معها؟
ستأتي , بعدما لفرط انتظارها ما عدت أنتظر مجيئها.
سنتان من الانقطاع, تمددت فيهما جثة الوقت بيننا, وجوارها شيء شبيه بجثتي, فقد أحببتها لحظة دوار عشقي كمن يقفز في الفراغ دون أن يفتح مظلة الهبوط, ثم.. تركتها كما أحببتها, كما يلقي يائس بنفسه من جسر بدون النظر إلى أسفل. أما كنت ابن قسنطينة حيث الجسور طريقة حياة وطريقة موت.. وحب!
تلك التي لم يتخل عنها يوماً رجل,تخليت عنها, خشية أن تتخلى هي عني. كأنني القائل " رب هجر قد كان من خوف هجر\ وفراق قد كان خوف فراق".
أكثر إيلاماً من التخلي نفسه, خوفي الدائم من تخليها عني.
عكس العشاق الذين يستميتون دفاعاً عن مواقعهم ومكاسبهم العاطفية, عندما أغار أنسحب, وأترك لمن أحب فرصة اختياري من جديد.
كنت رجل الخسارات الاختيارية بامتياز. ما كان لي أن أتقبل فكرة أن تهجرني امرأة إلى رجل آخر.
أنا الذي لم أتقبل فكرة أن يكون أحد قد سبقني إليها. كيف لي أن أطمئن إلى امرأة تزرع داخلي مع كل كلمة حقولاً من الشك.
أذكر يوم سألتني لأول مرة إن كنت أحبها, أجبتها:
- لا أدري.. ما أدريه أنني أخافك.
في الواقع كنت أخاف التيه الذي سيلي حبها, فمثلها لا يمكن لرجل أن يحب بعدها دون أن يقاصص نفسه بها.
يومها, فكرت أنني لا يمكن أن أواجه الخوف منها إلا بالإجهاز عليها هجراً. وكان ثمة احتمال آخر: اعتماد طريقتها في القتل الرحيم داخل كتاب جميل. فقد حدث أن أهدتني ما يغري بالكتابة. أشياء انتقتها بحرص أم على اختيار اللوازم المدرسية لطفلها يوم دخوله الأول إلى المدرسة.
وكنت بعد موت عبد الحق بأسبوعين, صادفتها في مكتبة في قسنطينة تشتري ظروفاً وطوابع بريدية لتبعث رسالة إلى ناصر في ألمانيا. كانت تمسك بيدها دفتراً أسود, قالت مازحة إنها اشترته لأنه تحرش بها. سألتني فجأة:
- إن أهدينك إياه, هل ستكتب شيئاً جميلاً؟
قلت:
- لا أظنني سأفعل.. ستحتاجين إليه أكثر مني.
لم تعر جوابي اهتماماً, توجهت إلى البائع تطلب منه عدة أقلام سيالة من نوع معين. قالت وهي تمدني بها " أريد منك كتاباً" كما لو قالت " أريد منك طفلاً". فهل كانت تريد أن تستبقيني بكتاب, كما تستبقي امرأة زوجاً بطفل؟ أم كانت تهيئني للفراق الطويل؟
سألتها متوجساً مراوغة ما:
- ما مناسبة هذه الهدية؟
ردت مازحة:
- بإمكاننا متى شئنا أن نخترع مناسبة . سأفترض أنه عيد ميلادك.. إني ألدك متى شئت من المرات.
كانت الأمومة خدعتها الجميلة, كخدعة أبوتي لها.
أمدتني بالدفتر وقالت:
- Bon anniverssaire