38 ـ أوقفوا ثورة الجنس الفضائية !
[center]عماد الدين حسين
البيان / كل المراقبين للأوضاع الاجتماعية في العالم العربي يقولون إن هناك ثورة مقبلة خلال فترة وجيزة، وإنها حتمية ولا مناص منها إلا إذا حدثت معجزة.
عفواً، سوف يتصور كثيرون أن هذه الثورة المقصودة ستكون ضد أوضاعنا المتردية التي لا تخفى على أحد، لكنها ليست كذلك، إنها للأسف الشديد ثورة الجنس والخلاعة والانحلال المنطلقة من «ثكنات الفضائيات»... كل مقومات هذه الثورة جاهزة، أما المؤشرات والإرهاصات فقد بدأت منذ زمن، ولم يعد متبقياً سوى إذاعة البيان رقم واحد لتدشين هذا الانقلاب غير المسبوق في حياتنا الاجتماعية.
في الانقلابات العسكرية أو الثورات السياسية يكون الأمر منوطاً بفرقة أو سرية أو لواء عسكري أو حزب سياسي، لكن سلاح الثورة المرتقبة هو الفضائيات المنتشرة كالسرطانات حالياً، أما طليعة هذه الثورة «غير المباركة» فهي «الكليبات» ومعها سلاح مساعد يدعى «الشات» أو الدردشة عبر الفضائيات!
وحتى لا يسارع أحد إلى اتهامي بالتخلف والرجعية والانغلاق وربما التطرف، أسارع بالقول إنني أحد المؤمنين بحرية الإعلام بغير حدود، وكنت ومازلت أعتبر نفسي من المعارضين لمعظم السياسات العربية التي قادتنا للكارثة بنفس معارضتي لأطروحات غالبية فرق الإسلام السياسي. لكن الحرية شيء وما يحدث حالياً شيء آخر مختلف تماماً.
قبل فترة قصيرة كان مجرد سماح الرقيب العربي لمشهد قبلة ساخنة في فيلم سينمائي يعتبر حدثاً فريداً تقوم له الدنيا ولا تقعد، لدرجة أن بعض المشاهد في أفلام عربية أثارت طلبات احاطة واستجوابات عاجلة في بعض البرلمانات العربية.. الآن تغير كل ذلك ليصبح تاريخاً ينتمي لحقبة غابرة.
إرهاصات ثورة الخلاعة جاءت من حيث لم نحتسب، توقعناها من الأفلام فقدمت إلينا عبر الفيديو كليب و«الشات»، وتحولت بعض الأغنيات أو «الكليبات» لتنافس أشد القنوات الإباحية الغربية فجوراً.. شخصياً ولأن معظم وقتي أمام التلفزيون محصور ما بين قناتي «الجزيرة» و«العربية» يضاف إليهما أحياناً.
«أبوظبي» و«المنار» وبعض القنوات الرياضية، فلم أكن أشعر بالمشكلة، حتى فوجئت قبل أيام قليلة بابني الصغير الذي لم يتجاوز السنوات الثلاث يحدق بعمق في إحدى الأغنيات المصورة سيئة السمعة، وقتها ركبني مليون عفريت، ولم أجد مفراً سوى تغيير القناة بسرعة إلى الفضائية السودانية التي كانت لحسن الحظ تليها في الترتيب!
هذه الورطة فوجئت إن معظم أصدقائي ومعارفي عايشوها ويعايشونها يومياً، تنغص عليهم حياتهم، والأخطر أنهم لا يعرفون كيف يواجهونها، لأنهم غير مقيمين في المنزل طوال اليوم للتحكم في «الريموت كونترول»، وإجبار الأطفال على مشاهدة قناة «سبيس تون» و«عالم سمسم» وغيره من برامج الأطفال.
ثم إن معظم الأطفال أصبحوا على دراية واسعة لكسر «تحكم الوالدين» وفك شفرات كل القنوات المغلقة، ناهيك بالطبع عن بعض قنوات «الكيبل» المدفوعة الأجر وهي كارثة أخرى، لكن المشاهد يشترك فيها باختياره الحر دون ضغط.
معلوم لنا جميعاً إن ما يتعلمه ويسمعه ويراه الأطفال في سنواتهم الأولى هو ما يستقر في وجدانهم، وإذا كان هذا التعليم مصحوباً بصور، ثم موسيقى ماجنة، يمكننا أن نتصور أي نوع من الأطفال سيكون لدينا في المستقبل.
أحد الأصدقاء أحصى على القمر الصناعي «النايل سات» عشر قنوات غنائية وقناتين للدردشة، لا أحد ضد الغناء الراقي، ولا الدردشة البريئة لكن ما نراه الآن ضد أي منطق وعقل ودين ناهيك انه ضد الخلق السوي والفطرة السليمة.
الطبيعي والمفروض إن الغناء يختص بالصوت وموهبته، وبالتالي فهو موجه إلى إذن المستمع وليس الى عيونه ووجهه وغرائزه، إذا كان الأمر كذلك فهل يمكن لنا على سبيل الافتراض المطالبة بقصر إذاعة هذه الأغنيات مؤقتاً على الإذاعات وليس عبر الفضائيات، وقتها إذا طبقنا هذا الافتراض النظري سنتخلص أولاً من المشاهد الفاضحة، ثم ثانياً سنعرف الموهبة الحقيقية لهؤلاء «المجرمين».
وفي الغالب فإن أكثر من 90% منهم سيتم «كنسلتهم» ووقفهم عن بث السموم على الهواء مباشرة، في هذه الحالة يمكن للمطربين «المكنسلين» العمل كمنادين في «مواقف السيارات العامة» لتطفيش الزبائن، في حين يمكن توظيف المطربات في سجون النساء.
أما البقية المحترمة والتي يثبت أنها تغني بـ «صوتها فقط» فلا مانع من مشاهدتها في التلفاز شرط أن توقع على إقرار خطي قبل التعاقد على إذاعة الأغنية بعدم الاستعانة بـ «الكليب»، وإذا رفضت فعلى محطات التلفزيون اشتراط منع وجود «الحريم» في هذا الكليب، والاكتفاء فقط «بالماء والخضرة والوجه غير الحسن».
كثيرون آملوا أن يؤدي انتشار الفضائيات إلى اتساع مساحة الحرية الحقيقية بمعنى حرية كل الأفكار والتيارات، والتعددية بمعناها الفعلي، لكن النتائج جاءت معاكسة تماماً، وضد كل منطق، والغريب انه بينما أصبح لدينا مئات الفضائيات تقلصت مساحة حرية الرأي والتعبير فيما يتعلق بالقضايا الحقيقية، وفي المقابل أصبحنا نتمتع بحرية نحسد عليها في كل ما يتعلق بالخلاعة والميوعة والتفاهة.
هذا الأمر مع الفارق يذكرنا بمسارعة معظم البلدان العربية الى تبني حرية الأسواق الى درجاتها القصوى والمتوحشة، مقابل التقليص المستمر للحرية السياسية، رغم إن أي تقدم حقيقي لا يمكن أن يسير بدون الحريتين معاً الاقتصادية والسياسية.
ليست كل الفضائيات سيئة، هناك فضائيات جادة، لكنها للأسف قليلة، كما انه ليست كل الفضائيات الغنائية والمنوعة تافهة، لكن معظمها كذلك، والنتيجة أنه يصعب على أي شخص مشاهدة أغنية مصورة مع أسرته وأولاده دون أن يحمر وجهه خجلاً ويسارع بتغيير هذه المحطة. والسبب ببساطة أننا نشاهد في هذه الأغنيات كل ما لا يمت للغناء بصلة، وأصبحنا بصدد مشاهدة «فتيات ليل» يحشدن كل «أسلحة دمارهن الشامل» للإيقاع بالمراهقين مستخدمين آخر ما توصل إليه العلم من «سيليكون» وخلافه!
وفي ظل هذه الحرية لبعض الفضائيات لم يعد المرء آمناً على أولاده الملتصقين طوال الوقت بالتلفاز، وبجانب مصيبة «الكليبات» المنفلتة من كل عقال، أصبح علينا الآن مواجهة كارثة الدردشة أو «الشات» في شريط أسفل الشاشة.
وقراءة كلمات وعبارات ومعاني تقشعر لها الأبدان والآذان، هذه الظاهرة «الشاتية» بدأت بعبارات من قبيل «ابن القاهرة بيمسي على بنت تونس» و«ابن أسيوط بيدحرج االتماسي على بنت الاسكندرية» أو «سندباد السعودية بيموت في عيون بنت لبنان» لكنها وصلت الآن إلى مستوى لا يمكن كتابته في هذه الزاوية لأنه من اختصاص شرطة الآداب!
هل تلك هي الحرية التي نريدها، الحرية التي أفنى البعض عمره من أجل تحقيقها وقضى بسببها معظم سنوات حياته خلف القضبان؟!
البعض يقلد ويتعلق بكل ما هو غربي وأميركي خاصة إذا كان ممعناً في الخلاعة.. الغرب له عاداته وتقاليده وحرياته.
لديهم منظومة قيم تسمح بدخول نجمة تعرى الى البرلمان كما حدث في ايطاليا، أو أن ترشح ممثلة بورنو نفسها لمنصب حاكم كاليفورنيا ضد الممثل شوارزينغر، وتبيح هذه القيم أيضا الزواج المثلي أو تنصيب أسقف شاذ لإحدى الكنائس كما حدث في الولايات المتحدة وليس مستبعداً في القريب العاجل وصول رئيس شاذ على رأس بلدان نووية!!
إذا كانت تلك هي الحرية كما يريدونها لنا فلتذهب الى الجحيم، فالتخلف والاستبداد سيكون أرحم ملايين المرات من هذا، ثم إن الغرب لديه مئات الأشياء المفيدة والنافعة، فلماذا لا نقلده فيها مثل التقدم العلمي وحكم دولة المؤسسات وثقافة الديمقراطية والتعددية والشفافية.. لماذا لا نقلدهم إلا في التفاهة والهيافة؟!
المشكلة الأخطر أن البعض من المسئولين العرب ربما يعتقد أن إشاعة ثقافة البورنو والانحلال والعنف سلاح مفيد للغاية، فهو قد يرضي الغرب شكلياً، ثم انه وهذا هو الأهم يلهي الناس في الجنس والهيافة ويغرقهم في الأوهام، ما يصرف نظرهم عن المطالبة بالحريات الحقيقية. لكن ذلك هو الآخر محض سراب وتأجيل للمشكلة ليس إلا لأن الإصلاح قادم قادم، لأنه حتى إذا رضيت أميركا بهذا النوع من «الإصلاح» فلن تكتفي به وستطالب بالمزيد!
قد يكون مفهوماً أن يتسابق أصحاب هذه المحطات الفضائية للربح وجذب أكبر نسبة من المشاهدين حتى لو كان الثمن هو تخريب أجيال بأكملها، لكن غير المفهوم بالمرة هو هذا الصمت الرسمي الرهيب وربما التشجيع الخفي لهذه المحطات من دوائر خارجية وداخلية لغرض في نفس يعقوب! الأمر الذي حول هذا النوع من الفضائيات إلى قنبلة مزروعة في كل منزل، لا نملك نزع فتيلها فمن يا ترى يستطيع؟!
مواجهة هذه المشكلة لا تكون بقرار إداري.. الحل الأمثل هو أن يتكتل كل شرفاء هذه الأمة لإشاعة مناخ من الوعي ونشر وتعزيز القيم المحترمة والشريفة.. مواجهة لا تقف ضد الفن كفن، لأن الفن الجاد نفسه سلاح فعال لمكافحة «الهيروين الغنائي» الذي نشاهده الآن تحت ستار «الفيديو كليب» والذي دفع أحد الساخرين إلى القول بأن «الفارق بين أغنية المطربة..... وأفلام البورنو الخليعة هو إن الموسيقى في النوع الأخير أفضل » !!!
عفواً، سوف يتصور كثيرون أن هذه الثورة المقصودة ستكون ضد أوضاعنا المتردية التي لا تخفى على أحد، لكنها ليست كذلك، إنها للأسف الشديد ثورة الجنس والخلاعة والانحلال المنطلقة من «ثكنات الفضائيات»... كل مقومات هذه الثورة جاهزة، أما المؤشرات والإرهاصات فقد بدأت منذ زمن، ولم يعد متبقياً سوى إذاعة البيان رقم واحد لتدشين هذا الانقلاب غير المسبوق في حياتنا الاجتماعية.
في الانقلابات العسكرية أو الثورات السياسية يكون الأمر منوطاً بفرقة أو سرية أو لواء عسكري أو حزب سياسي، لكن سلاح الثورة المرتقبة هو الفضائيات المنتشرة كالسرطانات حالياً، أما طليعة هذه الثورة «غير المباركة» فهي «الكليبات» ومعها سلاح مساعد يدعى «الشات» أو الدردشة عبر الفضائيات!
وحتى لا يسارع أحد إلى اتهامي بالتخلف والرجعية والانغلاق وربما التطرف، أسارع بالقول إنني أحد المؤمنين بحرية الإعلام بغير حدود، وكنت ومازلت أعتبر نفسي من المعارضين لمعظم السياسات العربية التي قادتنا للكارثة بنفس معارضتي لأطروحات غالبية فرق الإسلام السياسي. لكن الحرية شيء وما يحدث حالياً شيء آخر مختلف تماماً.
قبل فترة قصيرة كان مجرد سماح الرقيب العربي لمشهد قبلة ساخنة في فيلم سينمائي يعتبر حدثاً فريداً تقوم له الدنيا ولا تقعد، لدرجة أن بعض المشاهد في أفلام عربية أثارت طلبات احاطة واستجوابات عاجلة في بعض البرلمانات العربية.. الآن تغير كل ذلك ليصبح تاريخاً ينتمي لحقبة غابرة.
إرهاصات ثورة الخلاعة جاءت من حيث لم نحتسب، توقعناها من الأفلام فقدمت إلينا عبر الفيديو كليب و«الشات»، وتحولت بعض الأغنيات أو «الكليبات» لتنافس أشد القنوات الإباحية الغربية فجوراً.. شخصياً ولأن معظم وقتي أمام التلفزيون محصور ما بين قناتي «الجزيرة» و«العربية» يضاف إليهما أحياناً.
«أبوظبي» و«المنار» وبعض القنوات الرياضية، فلم أكن أشعر بالمشكلة، حتى فوجئت قبل أيام قليلة بابني الصغير الذي لم يتجاوز السنوات الثلاث يحدق بعمق في إحدى الأغنيات المصورة سيئة السمعة، وقتها ركبني مليون عفريت، ولم أجد مفراً سوى تغيير القناة بسرعة إلى الفضائية السودانية التي كانت لحسن الحظ تليها في الترتيب!
هذه الورطة فوجئت إن معظم أصدقائي ومعارفي عايشوها ويعايشونها يومياً، تنغص عليهم حياتهم، والأخطر أنهم لا يعرفون كيف يواجهونها، لأنهم غير مقيمين في المنزل طوال اليوم للتحكم في «الريموت كونترول»، وإجبار الأطفال على مشاهدة قناة «سبيس تون» و«عالم سمسم» وغيره من برامج الأطفال.
ثم إن معظم الأطفال أصبحوا على دراية واسعة لكسر «تحكم الوالدين» وفك شفرات كل القنوات المغلقة، ناهيك بالطبع عن بعض قنوات «الكيبل» المدفوعة الأجر وهي كارثة أخرى، لكن المشاهد يشترك فيها باختياره الحر دون ضغط.
معلوم لنا جميعاً إن ما يتعلمه ويسمعه ويراه الأطفال في سنواتهم الأولى هو ما يستقر في وجدانهم، وإذا كان هذا التعليم مصحوباً بصور، ثم موسيقى ماجنة، يمكننا أن نتصور أي نوع من الأطفال سيكون لدينا في المستقبل.
أحد الأصدقاء أحصى على القمر الصناعي «النايل سات» عشر قنوات غنائية وقناتين للدردشة، لا أحد ضد الغناء الراقي، ولا الدردشة البريئة لكن ما نراه الآن ضد أي منطق وعقل ودين ناهيك انه ضد الخلق السوي والفطرة السليمة.
الطبيعي والمفروض إن الغناء يختص بالصوت وموهبته، وبالتالي فهو موجه إلى إذن المستمع وليس الى عيونه ووجهه وغرائزه، إذا كان الأمر كذلك فهل يمكن لنا على سبيل الافتراض المطالبة بقصر إذاعة هذه الأغنيات مؤقتاً على الإذاعات وليس عبر الفضائيات، وقتها إذا طبقنا هذا الافتراض النظري سنتخلص أولاً من المشاهد الفاضحة، ثم ثانياً سنعرف الموهبة الحقيقية لهؤلاء «المجرمين».
وفي الغالب فإن أكثر من 90% منهم سيتم «كنسلتهم» ووقفهم عن بث السموم على الهواء مباشرة، في هذه الحالة يمكن للمطربين «المكنسلين» العمل كمنادين في «مواقف السيارات العامة» لتطفيش الزبائن، في حين يمكن توظيف المطربات في سجون النساء.
أما البقية المحترمة والتي يثبت أنها تغني بـ «صوتها فقط» فلا مانع من مشاهدتها في التلفاز شرط أن توقع على إقرار خطي قبل التعاقد على إذاعة الأغنية بعدم الاستعانة بـ «الكليب»، وإذا رفضت فعلى محطات التلفزيون اشتراط منع وجود «الحريم» في هذا الكليب، والاكتفاء فقط «بالماء والخضرة والوجه غير الحسن».
كثيرون آملوا أن يؤدي انتشار الفضائيات إلى اتساع مساحة الحرية الحقيقية بمعنى حرية كل الأفكار والتيارات، والتعددية بمعناها الفعلي، لكن النتائج جاءت معاكسة تماماً، وضد كل منطق، والغريب انه بينما أصبح لدينا مئات الفضائيات تقلصت مساحة حرية الرأي والتعبير فيما يتعلق بالقضايا الحقيقية، وفي المقابل أصبحنا نتمتع بحرية نحسد عليها في كل ما يتعلق بالخلاعة والميوعة والتفاهة.
هذا الأمر مع الفارق يذكرنا بمسارعة معظم البلدان العربية الى تبني حرية الأسواق الى درجاتها القصوى والمتوحشة، مقابل التقليص المستمر للحرية السياسية، رغم إن أي تقدم حقيقي لا يمكن أن يسير بدون الحريتين معاً الاقتصادية والسياسية.
ليست كل الفضائيات سيئة، هناك فضائيات جادة، لكنها للأسف قليلة، كما انه ليست كل الفضائيات الغنائية والمنوعة تافهة، لكن معظمها كذلك، والنتيجة أنه يصعب على أي شخص مشاهدة أغنية مصورة مع أسرته وأولاده دون أن يحمر وجهه خجلاً ويسارع بتغيير هذه المحطة. والسبب ببساطة أننا نشاهد في هذه الأغنيات كل ما لا يمت للغناء بصلة، وأصبحنا بصدد مشاهدة «فتيات ليل» يحشدن كل «أسلحة دمارهن الشامل» للإيقاع بالمراهقين مستخدمين آخر ما توصل إليه العلم من «سيليكون» وخلافه!
وفي ظل هذه الحرية لبعض الفضائيات لم يعد المرء آمناً على أولاده الملتصقين طوال الوقت بالتلفاز، وبجانب مصيبة «الكليبات» المنفلتة من كل عقال، أصبح علينا الآن مواجهة كارثة الدردشة أو «الشات» في شريط أسفل الشاشة.
وقراءة كلمات وعبارات ومعاني تقشعر لها الأبدان والآذان، هذه الظاهرة «الشاتية» بدأت بعبارات من قبيل «ابن القاهرة بيمسي على بنت تونس» و«ابن أسيوط بيدحرج االتماسي على بنت الاسكندرية» أو «سندباد السعودية بيموت في عيون بنت لبنان» لكنها وصلت الآن إلى مستوى لا يمكن كتابته في هذه الزاوية لأنه من اختصاص شرطة الآداب!
هل تلك هي الحرية التي نريدها، الحرية التي أفنى البعض عمره من أجل تحقيقها وقضى بسببها معظم سنوات حياته خلف القضبان؟!
البعض يقلد ويتعلق بكل ما هو غربي وأميركي خاصة إذا كان ممعناً في الخلاعة.. الغرب له عاداته وتقاليده وحرياته.
لديهم منظومة قيم تسمح بدخول نجمة تعرى الى البرلمان كما حدث في ايطاليا، أو أن ترشح ممثلة بورنو نفسها لمنصب حاكم كاليفورنيا ضد الممثل شوارزينغر، وتبيح هذه القيم أيضا الزواج المثلي أو تنصيب أسقف شاذ لإحدى الكنائس كما حدث في الولايات المتحدة وليس مستبعداً في القريب العاجل وصول رئيس شاذ على رأس بلدان نووية!!
إذا كانت تلك هي الحرية كما يريدونها لنا فلتذهب الى الجحيم، فالتخلف والاستبداد سيكون أرحم ملايين المرات من هذا، ثم إن الغرب لديه مئات الأشياء المفيدة والنافعة، فلماذا لا نقلده فيها مثل التقدم العلمي وحكم دولة المؤسسات وثقافة الديمقراطية والتعددية والشفافية.. لماذا لا نقلدهم إلا في التفاهة والهيافة؟!
المشكلة الأخطر أن البعض من المسئولين العرب ربما يعتقد أن إشاعة ثقافة البورنو والانحلال والعنف سلاح مفيد للغاية، فهو قد يرضي الغرب شكلياً، ثم انه وهذا هو الأهم يلهي الناس في الجنس والهيافة ويغرقهم في الأوهام، ما يصرف نظرهم عن المطالبة بالحريات الحقيقية. لكن ذلك هو الآخر محض سراب وتأجيل للمشكلة ليس إلا لأن الإصلاح قادم قادم، لأنه حتى إذا رضيت أميركا بهذا النوع من «الإصلاح» فلن تكتفي به وستطالب بالمزيد!
قد يكون مفهوماً أن يتسابق أصحاب هذه المحطات الفضائية للربح وجذب أكبر نسبة من المشاهدين حتى لو كان الثمن هو تخريب أجيال بأكملها، لكن غير المفهوم بالمرة هو هذا الصمت الرسمي الرهيب وربما التشجيع الخفي لهذه المحطات من دوائر خارجية وداخلية لغرض في نفس يعقوب! الأمر الذي حول هذا النوع من الفضائيات إلى قنبلة مزروعة في كل منزل، لا نملك نزع فتيلها فمن يا ترى يستطيع؟!
مواجهة هذه المشكلة لا تكون بقرار إداري.. الحل الأمثل هو أن يتكتل كل شرفاء هذه الأمة لإشاعة مناخ من الوعي ونشر وتعزيز القيم المحترمة والشريفة.. مواجهة لا تقف ضد الفن كفن، لأن الفن الجاد نفسه سلاح فعال لمكافحة «الهيروين الغنائي» الذي نشاهده الآن تحت ستار «الفيديو كليب» والذي دفع أحد الساخرين إلى القول بأن «الفارق بين أغنية المطربة..... وأفلام البورنو الخليعة هو إن الموسيقى في النوع الأخير أفضل » !!!
مختصرالأخبار875 السبت9\12\1424 هـ